قمة بروكسل تسعى لتوحيد الصف الأوروبي في وجه الأزمات الدولية وتعديل الموقف من الصراع الإيراني الإسرائيلي

قسم الأخبار الدولية 05/06/2025
تواجه قمة الاتحاد الأوروبي نصف السنوية، التي تنعقد في بروكسل يومي الخميس والجمعة، سلسلة من التحديات المتفاقمة التي تهدد بتقويض مكانة أوروبا على الساحة الدولية، وسط تفاقم الحروب والصراعات من غزة إلى أوكرانيا، وتزايد الضغط الأميركي لإعادة صياغة دور القارة دفاعيًا واقتصاديًا. وتأتي القمة عقب القمة الأطلسية في لاهاي، في وقت تتصاعد فيه الأصوات الأوروبية الداعية للتحرر من التبعية لواشنطن، وبناء “أوروبا استراتيجية” تملك قرارها وسيادتها الدفاعية.
وسعى رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، في رسالة الدعوة إلى القادة الأوروبيين، إلى تأكيد أن أوروبا يجب أن تتحول إلى قوة دولية فاعلة، ذات استقلالية أمنية وتنافسية اقتصادية، بينما كشفت مصادر فرنسية أن القمة تمثل لحظة مفصلية لـ”إبراز التقدم المحقق في ملف السيادة الدفاعية والصناعات الاستراتيجية”، رغم استمرار الخلافات داخل التكتل.
تصاعد الطموحات الدفاعية ومخاوف من ابتزاز ترمب
أكدت باريس أن ما تحقق خلال الأشهر الماضية يمثل “يقظة استراتيجية أوروبية”، خصوصًا عبر إصدار “الكتاب الأبيض” لبناء أوروبا دفاعية بحلول 2030، وتمويل مشترك بـ150 مليار يورو لتعزيز الصناعات الدفاعية المشتركة. كما تتخوف العواصم الأوروبية من عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، خاصة بعد تشكيكه في التزام بلاده بالدفاع عن الحلفاء في الناتو، ما يدفع الأوروبيين إلى زيادة ميزانياتهم الدفاعية تدريجياً.
تحوّل في مقاربة الصراع الإيراني الإسرائيلي
وعلى نحو لافت، تبدو قمة بروكسل مستعدة لإعادة تقييم الموقف من التصعيد الإيراني الإسرائيلي الأخير، بعد أن كانت أوروبا تُظهر دعمًا صامتًا للموقف الأميركي والإسرائيلي. لكن مصادر مطلعة أفادت بأن تقييمًا جديدًا بدأ يتبلور داخل المجلس الأوروبي حول نتائج هذا الصراع، حيث برز إدراك متزايد أن إسرائيل لم تحرز نصرًا واضحًا، وأن إيران تمكنت من فرض معادلات ردع جديدة أربكت الحسابات الإسرائيلية، ووسّعت من نفوذ طهران في الإقليم.
ويرى دبلوماسيون أوروبيون أن التصعيد بين الطرفين أظهر حدود القوة العسكرية الإسرائيلية، لا سيما بعد الرد الإيراني واسع النطاق، الذي نجح في ضرب عمق الأراضي الإسرائيلية رغم منظومات الدفاع الأميركية والغربية. كما أظهرت طهران قدرة على فرض وقف إطلاق النار بشروطها، وهو ما انعكس في نبرة أكثر تحفّظًا من واشنطن وتل أبيب بعد التصعيد.
فجوات في دعم أوكرانيا وتصدّعات داخلية
تحتل الحرب في أوكرانيا حيّزًا بارزًا في القمة، لكن القادة الأوروبيين يدركون تراجع زخم الدعم الشعبي والسياسي لها، في ظل غياب التوافق الكامل مع واشنطن. وتسعى القمة لإقرار حزمة عقوبات جديدة أكثر شدة ضد روسيا، بالتوازي مع تقديم دعم مالي يقدر بـ30 مليار يورو لكييف هذا العام، لكن التساؤلات تتصاعد حول مدى قدرة الأوروبيين على الاستمرار في هذه الوتيرة، خاصة مع تغير أولويات الداخل الأميركي.
ملفات أخرى على الطاولة
سيتطرق القادة الأوروبيون أيضاً إلى أزمة غزة المتفاقمة، والهجرة غير النظامية، واتفاق التجارة الحرة المجمد مع بلدان أميركا الجنوبية، إلى جانب مستقبل العملة الأوروبية الموحدة. ومع ذلك، يظل غياب موقف موحد من انتهاكات إسرائيل في غزة، وعدم تفعيل البند الثاني من اتفاقية الشراكة، مؤشراً على عمق الانقسام الأوروبي.
وبينما تتجه الأنظار إلى ما ستسفر عنه القمة، تبقى التساؤلات قائمة حول قدرة الاتحاد الأوروبي على ترجمة طموحاته الدفاعية والاستراتيجية إلى أفعال، في ظل عالم متغير وملتهب، حيث لم تعد بيانات القمم كافية لحفظ التوازنات أو فرض السياسات.