قمة الجنوب: دعوة للتعاون الاستراتيجي في مواجهة التحديات العالمية وسبل تعزيز دور دول الجنوب
قسم الدراسات الاستراتيجية 13/011/2024
تُعد قمة الجنوب حدثًا مهمًا في إطار التعاون بين بلدان الجنوب، حيث تجمع ممثلين عن دول من مختلف القارات بهدف تعزيز الحوار والتعاون في مواجهة التحديات العالمية. تمثل هذه القمة منصة استراتيجية لدعم التعاون بين البلدان النامية، والتي تتشارك في العديد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. حيث كان التركيز على تعزيز التضامن بين هذه الدول وتحقيق التوازن في النظام الدولي.
قمة الجنوب: تعزيز التضامن بين الدول النامية لتعزيز التوازن العالمي
تعتبر قمة الجنوب بمثابة دعوة للتعاون المتبادل بين الدول التي عانت تاريخيًا من الاستعمار والتفاوت الاقتصادي، بهدف تمكين هذه الدول من تجاوز التحديات المشتركة. وتبرز القمة أهمية إنشاء تكتل قوي قادر على اتخاذ قرارات مؤثرة في الساحة الدولية، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية السريعة التي يشهدها العالم. هذه المبادرة تسعى إلى تقديم حلول مشتركة للقضايا العالمية مثل الفقر، الأمن الغذائي، تغير المناخ، والتعليم، مما يعزز دور دول الجنوب في النظام الدولي..
شاركت الدكتورة بدرة قعلول، مديرة المركز الدولي للدراسات العسكرية والأمنية بتونس، في قمة “الجنوب جنوب” التي انعقدت مؤخرًا، حيث قدمت مداخلة مهمة تناولت خلالها قضايا التعاون بين دول الجنوب وضرورة التحول في العلاقات الدولية. تتناول هذه القمة التعاون بين البلدان التي تتقاسم تحديات مشتركة في مجالات متعددة من بينها التنمية، الأمن، والتغيرات المناخية، وهو ما جعل مداخلة الدكتورة قعلول محورية في النقاشات التي دارت.
مداخلة الدكتورة بدرة قعلول حول تعزيز التعاون بين دول الجنوب وتحديات التحول الجيوسياسي“
استهلت الدكتورة بدرة قعلول كلمتها بتوجيه الشكر والتقدير للمُنظمين على نجاح هذا الملتقى، معربة عن أملها في أن يكون هذا اللقاء بداية لتكوين قاعدة أساسية من المفكرين والخبراء والصحافيين من دول الجنوب. كما أعربت عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني وخاصة في غزة ولبنان، مُؤكدة على ضرورة تسليط الضوء على معاناتهم جراء الآلات الحربية المتطورة.
ثم انتقلت لتناول موضوع التعاون بين دول الجنوب، موضحة أن هذا المشروع لا يزال يثير العديد من التساؤلات حول طبيعته وأهميته، خاصة في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم، حيث بدأ يُلاحظ تراجع هيمنة القطب الواحد الإمبريالي لصالح توازن متعدد الأقطاب. وأشارت إلى أن دول الجنوب بدأت تُدرك أهمية تقرير مصيرها واختيار شركائها بما يتناسب مع أهدافها ومصالحها، دون الخضوع للهيمنة الغربية.
إعادة تعريف “دول الجنوب”: من التخلف إلى محرك النمو والابتكار المستدام
أوضحت الدكتورة بدرة قعلول في مداخلتها أن مصطلح “دول الجنوب” قد ارتبط تاريخيًا بالعديد من المفاهيم السلبية مثل الفقر والضعف، وهو ما ساهمت الدول الغربية في ترسيخه من خلال تصنيف هذه البلدان باعتبارها أقل تطورًا، وأحيانًا تحت طائلة صفة “التخلف”. هذا التصنيف لم يكن فقط يحمل طابعًا اقتصاديًا بل كان أيضًا اجتماعيًا وثقافيًا، حيث تم تصوير هذه الدول على أنها فاقدة للمؤهلات اللازمة لتحقيق التقدم. وقد كان هذا التوجه في جزء كبير منه نتيجة لممارسات الاستعمار، الذي ساهم في تدعيم هذه الصورة السلبية من خلال التهميش المستمر لهذه البلدان على جميع الأصعدة.
ومع ذلك، أكدت الدكتورة قعلول أن هذه الصورة النمطية بدأت تتبدل مع تنامي الوعي داخل دول الجنوب نفسها. حيث أصبح التعاون بين هذه البلدان يشكل محركًا جديدًا نحو التغيير والتنمية. فعلى الرغم من التحديات العميقة التي تواجهها بعض دول الجنوب، فإن العديد من هذه البلدان تتمتع بحضارات عريقة ومتنوعة وموارد بشرية وطبيعية هائلة، يمكن أن تشكل قاعدة قوية للنمو المستدام. وأشارت إلى أن التعاون بين دول الجنوب، من خلال تبادل المعرفة والتكنولوجيا والموارد، قد يعزز هذه القدرات ويتيح لها التقدم على أساس قوي ومتنوع.
وأوضحت أن هذا التحول يفتح أفقًا جديدًا في كيفية النظر إلى هذه البلدان؛ إذ لم تعد مجرد “مستقبلة” للمساعدات أو المشاريع الغربية، بل أصبحت قوة مؤثرة على الساحة الدولية، قادرة على بناء شراكات استراتيجية مع دول أخرى لتحقيق التقدم والازدهار المشترك. لذا، فإن التعاون بين دول الجنوب يعزز القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية تؤثر في مجالات عديدة مثل التنمية الاقتصادية، الأمن الغذائي، والتعليم، وبالتالي يمكن لهذه الدول أن تسهم بشكل كبير في صياغة مستقبل عالمي أكثر توازنًا واستدامة.
تطرقت الدكتورة قعلول إلى أهمية التعاون بين دول الجنوب في تحقيق توازن عالمي جديد. هذا التعاون ليس مقتصرًا على المجالات الاقتصادية فحسب، بل يشمل تبادل المعرفة والتكنولوجيا، وهو ما يمكن أن يسهم في تعزيز العلاقات بين البلدان التي تواجه تحديات مماثلة في مجالات مثل التنمية الزراعية، الصحة العامة، وتغير المناخ. كما دعت إلى العمل المشترك على تطوير الحلول التي تتناسب مع خصوصيات كل دولة وفقًا لواقعها الاجتماعي والاقتصادي.
التعاون الثلاثي: تعزيز الروابط بين الجنوب والشمال
في مداخلتها، أضافت الدكتورة قعلول أن التعاون الثلاثي بين دول الجنوب ودول الشمال يجب أن يكون أساسه التفاهم المشترك والمنافع المتبادلة، بحيث يتم تحقيق أهداف تنموية مشتركة دون فرض شروط قاسية قد تضر بقدرة الدول النامية على النهوض والتقدم. وأشارت إلى ضرورة أن يكون هذا التعاون بعيدًا عن استغلال الفوارق الاقتصادية والسياسية بين الشمال والجنوب، مع التركيز على تعزيز التكافؤ في العلاقات الدولية. وذكرت أنه قد حان الوقت لدول الجنوب للتخلص من القيود المفروضة عليها نتيجة الهيمنة الغربية التاريخية، وأنها يجب أن تسعى إلى بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
كما أكدت أن تعزيز التعاون المشترك بين دول الجنوب يوفر لها فرصة لبناء قدراتها المستدامة بعيدًا عن التدخلات الأجنبية، مما يساهم في تحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية. وأشارت إلى أن هذا التعاون يجب أن يرتكز على توجيه الجهود نحو التنمية المحلية، تعزيز الاستقلالية الاقتصادية، والعمل المشترك في مواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي، الأمن الغذائي، والتعليم، على أن يتم ذلك ضمن إطار شفاف ومنصف يخدم مصالح الجميع.
المبادئ الخمسة للتعايش السلمي
ختامًا، أشارت الدكتورة قعلول إلى المبادئ الخمسة للتعايش السلمي التي قدمها الرئيس الصيني “تشي” منذ سبعين عامًا، والتي تتمثل في: الاحترام المتبادل للسيادة، عدم الاعتداء، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، المساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي. واعتبرت أن هذه المبادئ تشكل أساسًا لعلاقات دول الجنوب، داعية إلى تطبيقها لضمان حقوق هذه الدول وحمايتها من الاستعمار الجديد والنيواستعمار الذي يسعى إلى فرض الهيمنة على شعوب الجنوب.