أخبار العالمإفريقياالشرق الأوسط

قضية هنيبال القذافي: عدالة غائبة أم انتقام طائفي؟

في عالمٍ يدّعي التمسك بسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، تبرز بين الفينة والأخرى قضايا تكشف زيف تلك الادعاءات، وتفضح مدى التسييس والانحدار الأخلاقي في التعامل مع مفاهيم العدالة. ومن أبرز تلك القضايا، قضية احتجاز هنيبال معمر القذافي في لبنان، والتي تشكّل مثالًا صارخًا على انتهاك القانون الوطني والدولي والإنساني على حد سواء.

هنيبال القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، محتجز في السجون اللبنانية منذ سنوات بتهمة ترتبط بـ”إخفاء الإمام موسى الصدر”، وهي حادثة تعود إلى عام 1978.

المفارقة الصادمة أن هنيبال، وقت وقوع تلك الحادثة، كان طفلًا يبلغ من العمر سنتين فقط، لا يملك وعيًا ولا إرادة ولا ذاكرة سياسية أو إنسانية تمكّنه من الفعل أو حتى الإدراك.

ما الذي يدفع دولة مثل لبنان، التي تعاني أصلًا من أزمات سياسية وقضائية مزمنة، إلى الإصرار على إبقاء رجل خلف القضبان لا علاقة له بالقضية من قريب أو بعيد؟ أهو البحث عن العدالة؟ أم هو مجرد تمثيل لنهج الانتقام والابتزاز السياسي؟

أم أن الأمر لا يعدو كونه محاولة لترضية جهات طائفية معينة، وعلى رأسها “حركة أمل” بزعامة نبيه بري، التي تتعامل مع القضية كـ”ثأر طائفي” أكثر من كونها ملفًا قضائيًا؟

منذ اختفاء الإمام موسى الصدر في ليبيا قبل أكثر من أربعة عقود، لم تتمكن أي جهة، لا لبنانية ولا دولية، من تقديم رواية موثقة أو دليل قاطع على ملابسات تغيبه، ولم يوجه الاتهام رسميًا لأي شخص أو جهة بشكل قانوني موثوق. ومع ذلك، أصبح هنيبال القذافي ورقة ضغط، ورمزًا لاستمرار نهج العقوبة الجماعية، في انتهاك فاضح لأبسط مبادئ العدالة.

إن احتجاز إنسان على خلفية حادثة لم يكن له دور فيها، ولم يكن في سن يسمح له حتى بفهم ما جرى، يمثل جريمة قانونية وأخلاقية. بل ويتناقض تمامًا مع القوانين اللبنانية نفسها، فضلًا عن المواثيق الدولية مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقيات حقوق الإنسان التي تحظر الاعتقال التعسفي، وتكفل حق كل شخص في محاكمة عادلة، وفي معرفة التهم الموجهة إليه.

ليس خافيًا أن ما يُمارس بحق هنيبال القذافي لا علاقة له بالقضاء، بل يرتبط بأجندات طائفية ومحاولات للابتزاز السياسي، في بلد يعرف الجميع أنه رهينة الانقسام والتجاذبات.

فقد باتت بعض الأطراف، خصوصًا من التيار الشيعي، تمارس سطوتها على المؤسسات الرسمية، وتوظفها في تصفية حسابات قديمة، غير آبهة بمبادئ القانون أو القيم الإسلامية التي تزعم تمثيلها.

الغريب أيضًا أن المجتمع الدولي، والمنظمات الحقوقية، التزموا الصمت المطبق حيال هذه الجريمة المستمرة. وكأن المظلومية غير معترف بها إلا إذا كان الضحية ينتمي إلى فئة معينة، أو يخدم في تسليط الضوء على أجندة معينة. أما هنيبال، فبقاؤه في السجن هو شاهد حي على موت الضمير العالمي.

إن قضية هنيبال القذافي لم تعد قضية شخص فقط، بل أصبحت رمزا لفشل المنظومة القضائية في لبنان، ولانكشاف زيف بعض الشعارات الطائفية التي ترفع راية المظلومية، بينما تمارس الظلم بأبشع صوره حين تتاح لها الفرصة.

نحن هنا لا ندافع عن نظام القذافي، ولا نغفل ألم اختفاء الإمام موسى الصدر، الذي هو قضية عادلة تستحق التحقيق الجاد والشفاف، ولكننا نرفض استخدام المأساة لتبرير مأساة أخرى. العدالة لا تُبنى على الظلم، ولا يجب أن تكون أداة انتقام أو ورقة تفاوض سياسي.

وفي الختام، إن استمرار احتجاز هنيبال القذافي دون محاكمة عادلة، ودون دليل قانوني، هو أمر يجب أن يتوقف فورًا. ونطالب كافة الهيئات القضائية والحقوقية في لبنان وخارجه، بأن تتعامل مع هذا الملف بجدية وضمير، بعيدًا عن الطائفية والتجاذبات السياسية. فالقانون لا يميز بين الضحية والجلاد وفق الهوية، بل يحكم بالعدل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق