أخبار العالمأوروباغير مصنف

قراءة في الحرب الروسية – الأوكرانية

تونس: 28-02-2022
بقلم: فادي عيد وهيب، المحلّل السياسي المتخصّص في شئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

بعقليّة وروح الزعماء استحضر بوتين التاريخ والدين قبل الحرب، وهو أمر يحسب له، فالتاريخ والدين أحد أهمّ أعمدة وركائز أي امبراطورية أو أمّة عظيمة، فمن الصعب أن يكون لديك ذلك التاريخ الارثوذكسي الهائل والمجد القيصري الرهيب وتتخلّى عنهم لتجييش شعبك وترهيب عدوك.. فأردوغان ورفاقه نجحوا في تأسيس العثمانية الجديدة 2003 بذلك أيضا، بإستحضار تاريخ الخلافة والإسلام العثماني في المقالات والخطابات والدراما وكل شئ.. ومصر كانت أيضا كذلك بعهد الفاطميين والأيوبيين والمماليك وحتى أسرة محمد علي باشا.

واليوم، عندما علم بوتين بما يحضّر ضدّه من اللعب بورقة الدين ومحاولة تجييش مسلمي تتار القرم ضدّه، وهم المتأثرين بتركيا عرقا وثقافة ولغة، على الفور حرّك الورقة التي اهتمّ بها منذ 1995، وصنعها خصيصا لتلك اللحظة (التي يتورّط فيها ضدّ الإسلام السياسي مجدّدا)، ألا وهي الشيشان، حتى شاهدنا الحشد المرعب وهو يقف أمام رمضان قاديروف زعيم الشيشان رافعين رايات روسيا الإتحادية والشيشان وهتاف “الله اكبر” يهزّ العاصمة جروزني، كي يقلّل فرص نجاح ورقة الإسلام الأطلسي بتلك المرّة، وفيما يخصّ طالبان، فعلاقتها بروسيا والصين تحديدا أفضل من واشنطن ولندن.

لذلك، لم يعد هناك أمام الغرب أي أمل لإستنزاف الروسي وتحويل أوكرانيا مستنقع له، سوى بدعم النازيون الأوكران أنفسهم وتهدئة أعصاب الممثّل الأبله اليهودي المثلي جنسيا زيلينسكي وإخراج أردوغان عن حياده الإيجابي لصالح روسيا في تلك الحرب، وما يعكس لكم قلّة حيلة الغرب أكثر هو هجوم أعضاء الكونجرس على السعودية!

نعم، أقول السعودية التي تبعد آلاف الأميال عن أرض المعركة، وذلك بسبب عدم تعاطيها مع رغبة واشنطن في استخدام ورقة النفط ضدّ روسيا.

ولأنّ الحرب هي بين روسيا والأطلسي وميدانها غير مقتصر على أوكرانيا فقط، فالتصريحات الخائبة لـ نجلاء المنقوش، وزيرة خارجية حكومة عبد الحميد الدبيبة بطرابلس ليبيا، والتي تدين فيها بشدّة التدخّل الروسي في أوكرانيا، وتطالب فيها موسكو بسحب الفاغنر الروسي من ليبيا، وهي من يقف على بعد أمتار منها آلاف المرتزقة الأتراك، وبالأساس ليس من الحكمة لأي دولة عربية التعليق على معركة حجمها أكبر من أي طرف ولا ناقة ولا جمل لنا فيها، بقدر ما تدلّ تلك التصريحات عن عقلية وعمالة هولاء، بقدر ما تعكس حجم ما وصل له الصراع بين روسيا والغرب في إفريقيا أيضا.

فأكبر دول غرب إفريقيا مساحة مالي، مجلسها العسكري يطرد الجنود الفرنسيين ويشرعن تواجد الفاغنر الروسي على أراضيه، وقبلها تشاد التي شهدت إنقلابا مدعوما من روسيا على حساب فرنسا، وكذلك كان المشهد في إفريقيا الوسطى وغينيا وغيرها.

فتداعيات ما يحدث في أوكرانيا على أوروبا ستكون وخيمة، وعلى القارة العجوز أن تبحث عن نفسها، وعن مشروع جيشها الموحّد بعيدا عن عباءة العمّ السام (الناتو)، فسقوط كييف لن يرسم خريطة جديدة لأوكرانيا وحدها، كذلك سيفتح ذلك الأمر شهية الزعماء لا الرؤساء للتمرّد على خطوط واشنطن ولندن الحمراء التي فرضتها على دول العالم بعد الحرب العامية الثانية، أو ربّما منذ معاهدة لندن عام 1840ميلادي.

أخيراً وليس آخراً، جولة أوكرانيا حسمت للدبّ، والغرب لا يمتلك أوراق لقلب الطاولة على بوتين سوى في تركيا، لذلك هاتف الانجليز أردوغان أوّل أمس، ثم اتصل به بوتين بعدها، بغرض تحييد مخطّط المحور الذي أسقط القرم من جعبة القيصر نيقولاي الأوّل في العام 1853 ميلادي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق