أخبار العالمأمريكاالشرق الأوسط

قانون “ليهي” الأميركي لا يطبق على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل

قانون “ليهي” هو قانون أميركي أقره الكونغرس من أجل معاقبة الوحدات العسكرية التابعة للبلدان التي تتلقى دعماً أميركياً، والتي تقوم بانتهاكات لحقوق الإنسان، لكن هذا القانون لم يُطبق على “إسرائيل” منذ إقراره.

عند قراءة القوانين الأميركية التي تضع الحرية الفردية والحرص على سلامة البشر وحياتهم ورفاهيتهم في مقدمة اهتماماتها وأولوياتها وترفع العصا لمن يخالفها، سواء في داخل الولايات المتحدة أو خارجها، يظن المرء أنها المدينة الفاضلة.

لكن عند الاطلاع على حجم الدعم الأميركي للكيان الإسرائيلي سابقاً وحالياً، ندرك أن هذه القوانين، ومنها قانون “ليهي” الذي يمنع نظرياً تقديم المساعدة العسكرية للدول التي تنتهك حقوق الإنسان، تختفي أو يتم القفز فوقها وحتى تجاهلها عندما يتعلق الأمر بـ”إسرائيل”، بهدف ضمان أمنها، فضلاً عن خدمة حروبها الدموية.

وافق الكونغرس على قانون ليهي لأول مرة عام 1997. أما الهدف منه، فهو منع الولايات المتحدة من التورط في جرائم خطيرة ترتكبها قوات الأمن الأجنبية التي تدعمها، وذلك عن طريق قطع المساعدات عن وحدة عسكرية معينة في دولة ما، في حال توفرت لدى واشنطن معلومات موثوقة بأن هذه الوحدة ارتكبت جريمة جسيمة، كانتهاك حقوق الإنسان.

وبحسب نص القانون، “لا تتمتع أي قوات أمنية، ولا حتى القوات الأميركية، بالحصانة الكاملة من ارتكاب مثل هذه الانتهاكات”. وتعقيباً على ذلك، قال متحدث باسم وزارة الخارجية إن “قانون ليهي ينطبق على جميع البلدان، بما في ذلك إسرائيل”.

بموجب القانون، تقوم الولايات المتحدة بفحص الوحدة العسكرية الأجنبية (في كل بلد تقريباً) التي وقع عليها الاختيار لتلقي المساعدة الأميركية، وتقود السفارة الأميركية في ذلك البلد تحقيقاً. بعدها، تتم مراجعة المعلومات التي تصدرها السفارة -إلى جانب مواد مصادر أخرى- من قبل المحللين في وزارة الخارجية.

يبحث هؤلاء المحللون عن أدلة “موثوقة” عما إذا كانت الوحدة قد ارتكبت انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، والذي يتم تعريفه للمناسبة عادةً على أنه: تعذيب، أو قتل خارج نطاق القضاء، أو اختفاء قسري أو اغتصاب، ويمكن تفسيره أيضاً على نطاق أوسع.

أكثر من ذلك، يمكن أن تأتي هذه المعلومات من مجموعة متنوعة من المصادر الموثوقة، بما في ذلك تقارير وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية. ووفقاً للقانون، من الأفضل أن يتم تأكيدها من خلال مصادر متعددة.

وبناء عليه، إذا ثبت هذا الدليل، فيجب على الولايات المتحدة قطع المساعدات عن تلك الوحدة بحسب قانون ليهي، لكن من الممكن إعادتها لاحقاً إذا قررت وزارة الخارجية أن تتخذ البلاد خطوات فعالة لتقديم الأعضاء المسؤولين إلى العدالة.

وتبعاً لذلك، قال تيم ريزر، أحد كبار مستشاري السيناتور السابق باتريك ليهي (ديمقراطي من ولاية فرجينيا)، والذي يعتبر مهندساً رئيسياً للقانون: “إن القانون مصمم لمعالجة مشكلة الإفلات من العقاب وبناء قوات أمنية أكثر عرضة للمساءلة”.

في حالة تل أبيب، فإن أي مزاعم بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تطال الوحدات الإسرائيلية تعرض أمام منتدى تدقيق يضم ممثلين من مختلف مكاتب وزارة الخارجية الأميركية التي تتعامل مع حقوق الإنسان والمصالح الأمنية والقضايا القانونية، إضافة إلى متخصصين إقليميين في مكتب شؤون الشرق الأدنى التابع للوكالة والسفارة الأميركية في القدس.

اللافت أن المنتدى لا يمكنه تحديد حدوث انتهاك جسيم لحقوق الإنسان إلا إذا توصل إلى توافق في الآراء. ومن دون ذلك، تتوقف العملية. أما إذا تم تحديد حدوث انتهاك، فترسل الولايات المتحدة عندها إلى “إسرائيل” قائمة بالوحدات المخالفة، على أن تمنع الأخيرة المساعدة الأميركية عن تلك الوحدة المخالفة، تنفيذاً لاتفاق كان عقد في العام 2021 بين الطرفين.

لكن بعض مسؤولي الإدارة الأميركية السابقين وموظفي الكونغرس يُقرّون أن “قانون ليهي” الذي حاول الديمقراطيون التقدميون تفعيله في أعقاب العدوان على غزة لعرقلة المساعدات العسكرية لـ “إسرائيل” لم يكن له أي تأثير ضدها، على الرغم مما حدده خبراء حقوق الإنسان، سواء داخل الحكومة الأميركية أو خارجها، كدليل موضوعي على أن “إسرائيل” ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان سابقاً. وحالياً، تقوم بالمذابح.

أكثر من ذلك، ثمة قناعة راسخة لدى الكثير من القيادات والمشرعين الأميركيين بأن الإسرائيليين يتصرفون في كثير من الأحيان كما لو أن القانون الدولي لا ينطبق عليهم. ولهذا، قال تيم ريزر: “تتعامل حكومتنا كما لو أن قانون ليهي لا ينطبق على الإسرائيليين. ونتيجة لذلك، هناك نوع من ثقافة الإفلات من العقاب، إذ يمكنهم فعل أي شيء تقريباً للفلسطينيين من دون أن يخضعوا للمساءلة”.

في السياق ذاته، يوضح جوش بول، الذي أصبح منتقداً بارزاً لسياسة إدارة بايدن تجاه “إسرائيل” منذ استقالته من منصبه كمدير لشؤون الكونغرس والشؤون العامة احتجاجاً على الدعم العسكري المفتوح لتل أبيب: “بالنسبة إلى إسرائيل وعدد قليل من الدول الأخرى التي تتلقى مستويات عالية من المساعدات العسكرية الأميركية (بما في ذلك مصر وأوكرانيا)، من المستحيل تتبع أين تذهب المساعدات”، ويضيف: “بدلاً من التدقيق ثم تقديم المساعدة، نقدم المساعدة ثم نستمع إلى الانتهاكات المحتملة”.

الأكثر أهمية أن جوش بول وتيم ريزر وسارة هاريسون (التي نسقت مع وزارة الخارجية بشأن قضايا ليهي المتعلقة بإسرائيل من 2018 إلى 2021 كوكيلة سابقة لوزارة الدفاع) لم يكونوا جميعاً على علم بأن الولايات المتحدة وجدت في أي مرة أن وحدة إسرائيلية ارتكبت أي انتهاك من هذا القبيل. ولهذا، قال ريزر: “نادراً ما يحاسبون جنودهم”. أما بول، فأشار إلى أنه “كان يثير المخاوف منذ مدة طويلة من أن نظام المحاكم العسكرية الإسرائيلية متحيز عندما يتصل الأمر بالانتهاكات التي يرتكبها المسؤولون الإسرائيليون”.

ولهذه الغاية، قدم السيناتور بيرني ساندرز مؤخراً قراراً يطلب من وزارة الخارجية التصديق أو الإبلاغ عن أي انتهاكات مرتكبة وسط الحرب الحالية في غزة. ومع ذلك، لم توضح وزارة الخارجية ما إذا كان قد تم التوصل إلى أي نتيجة من هذا القبيل، عندما طلبت منها الصحافة الأميركية التعليق على خطوة ساندرز.

في الواقع، لم تثبت الإدارات الجمهورية ولا الديمقراطية اهتمامها بالتعامل مع الاتهامات الموجهة إلى “إسرائيل” بارتكاب جرائم أو مجازر شنيعة، فالتحدث علناً عن القضايا المتعلقة بالكيان “يمكن أن يكون قاتلاً للمهنة”، والكلام يعود إلى بول.

بدورها، قالت هاريسون: “لقد صدمت عندما رأيت كيف يعامل المسؤولون الأميركيون إسرائيل بشكل مختلف، حتى على أدنى المستويات في الحكومة”، وأضافت: “رأيت ضباطاً لا ينظرون حتى إلى قضية ما ويقولون: لا، لن نقطع المساعدة عن إسرائيل”.

وأشارت إلى حوادث حصل فيها المسؤولون على شهادات وتسجيلات فيديو من شأنها أن تشكل في حالات أخرى أدلة موثوقة، لكنها لم تشكل حافزاً لقطع المساعدات عن “إسرائيل”.

ومع أن بعض خبراء الشؤون الخارجية يقولون إن القوانين الأميركية الحالية التي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان كان ينبغي أن تقيد تدفق المساعدة العسكرية إلى “إسرائيل” لفترة طويلة، إلا أن الرئيس بايدن يصرّ على تجاهل قانون “ليهي”، ويواصل الضغط من أجل تقديم مساعدات إضافية وغير مشروطة. وقد قال مؤخراً للمانحين الديمقراطيين: “لن نقوم بأي شيء سوى حماية إسرائيل في هذه العملية”. كما أنَّ مسؤولي إدارة بايدن أكدوا لشبكة CNN أنهم لا يفكرون حالياً في وضع شروط على المساعدات لـ”إسرائيل”.

وبناء على ما تقدم، لا تزال واشنطن حتى يومنا هذا تمنح “إسرائيل” نحو 3.8 مليار دولار سنوياً. ليس هذا فحسب، فلم يكتفِ بايدن مؤخراً بالتحايل على الكونغرس لبيع ذخيرة دبابات لتل أبيب بقيمة 106 ملايين دولار، بل يريد من الكونغرس أيضاً الموافقة على مساعدة إضافية بقيمة 14.3 مليار دولار كجزء من حزمة أوسع جرى تعليقها بسبب مفاوضات حول سياسة الهجرة.

في المحصلة، إنّ عدم عثور الأميركيين على “جرائم مؤكدة” لـ”إسرائيل” لا يعود إلى أن لديها سجلاً نظيفاً فريداً من نوعه، بل لأن تطبيق قانون “ليهي” كان منحازاً دائماً لمصلحة الاحتلال، ولأن قوانين واشنطن، مهما علا شأنها، لا تنطبق على الكيان الغاصب أو تسري عليه بالأصل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق