في ذكرى استشهاد هواري بومدين..ومضات من زمن الرجال
الجزائر-28-12-2020
لم يكن محمد بوخروبة إنسانا عاديا ، لا في طفولته ، فهو مواليد قرية دوار بني عدي مقابل جبل هوارة شرق الجزائر ، أو عندما استدعي للخدمة العسكرية في جيش الإحتلال الفرنسي .. رفض وفر إلى تونس سيرا على قدميه عام 1949 والتحق بجامعة الزيتونة ، ثم فر من النفوذ الإستعماري الفرنسي بتونس، إلى مصر التي وصلها عام 1950 فالتحق بالأزهر الشريف.. قامت ثورة يوليو 1952 وبدأ توجهها القومي يتبلور..
انضم إلى جيش جبهة التحرير الوطني الجزائري يوم إعلان بدء الثورة في الفاتح من نوفمبر 1954 باسم هواري بومدين.
لم يكن بومدين عاديا ضابطا وقائدا ميدانيا ولا كرئيس أركان ولا كوزير دفاع بعد الإستقلال ، ثم لم يكن رئيسا عاديا .. أعلن عن ثلاث ثورات: أمم حقول وآبار النفط والغاز في 1971 والتي كانت خاضعة للشركات الفرنسية، ليبدأ ثورة زراعية أضافت مئات آلاف الهكتارات إلى الأراضي الزراعية ، وأقام ثورة صناعية أضافت مئات المصانع الثقيلة والمتوسطة، وخاض ثورة ثقافية عمادها التعريب ..
كان هواري بومدين قوميا عربيا كبيرا ومناضلا أمميا فريدا ، أعطى أمته امكانيات الجزائر كما تجلى ذلك في حربي الإستنزاف وحرب أكتوبر عام 1973.. ساند المقاومة الفلسطينية حين كانت هناك مقاومة ورفع شعار”مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”،كما منحت الجزائر دعمها لقضايا تحرير إفريقيا من الأستعمار والأنظمة العنصرية.
فور نكسة 5 يونيو 1967، وتحديدا في 12 يونيو استقل طائرته وذهب إلى موسكو بنصيحة من جمال عبدالناصر.. كانت الزيارة بعد أسبوع واحد من النكسة، وبدأت بإبلاغ بومدين القيادة السوفياتية، بأنه لا يريد حفلات تكريم على غذاء أو عشاء، ولا مناسبات اجتماعية، وعلى مائدة الاجتماع، قال لهم: “أنا لم أجئ كى أتناول الغذاء أو العشاء، وإنما لأفهم”، فرد عليه سكرتير الحزب الشيوعى بريجنيف: “نفضل أن نسمع منك”..
وحسب محضر الإجتماع الذى جاء فى كتاب “الإنفجار” لمحمد حسنين هكيل، سأل بومدين: “ما هى حدود الوفاق بينكم وبين الأمريكيين؟ أنتم تتصرفون بأقصى درجات الضعف، وهم يتصرفون بأقصى درجات القوة، فقاطعه رئيس الوزراء كوسيغين: “نحن لا نتصرف بضعف”، فرد بومدين: “بل تتصرفون بمنتهى الضعف، وإذا كنتم تتصورون أننى جئت إلى هنا كى أجاملكم فإنى لن أفعل ذلك، والحقيقة أننا لسنا وحدنا الذين هزمنا، وإنما أنتم هزمتم فى نفس الوقت معنا بل قبلنا، لقد تركتم ما حدث يحدث دون رد فعل منكم إلا بالبيانات والمقالات”.
تدخل بريجينف مناديا بومدين بالرفيق: “نحن لم نكتف بالبيانات والمقالات، وإنما قدمنا لأصدقائنا العرب ما يحتاجون إليه لكنهم لم يحسنوا استعماله”، وهنا اشتاط بومدين غضبا قائلا:”ليكن نحن لا نحسن غير أن نسوق الجمال ولا نعرف كيف نقود الطائرات الحديثة فتعالوا أنتم وأرونا ما تستطيعون عمله.. معلوماتى أن السلاح الإسرائيلى كان متفوقا”، فرد كوسيغين: “حاولنا أن نستجيب لطلباتكم وقدمناها بأسعار مريحة، بل أنكم لم تسددوا حتى ربع تكاليف ما حصلتم عليه”.
رد بومدين: “كنت أتخوف من مثل هذه الملاحظة ولهذا استعددت لها”، والتفت إلى وزير المالية طالبا منه تحويل مائة مليون دولار لصالح وزارة الدفاع السوفياتية، ثم أخرج الصك بالمبلغ، وكان يحتفظ به أمامه، فاحمر وجه كوسيغين وقال: “لست تاجر سلاح حتى تعاملنى بالشيكات”، فرد بومدين: “أنا لم أبدأ، وإنما أنت الذى تحدثت عن ربع ونصف الثمن”..
كانت الجزائر أول دولة عربية تعلن حظر تصدير البترول للدول التى تساند كيان الإحتلال الإسرائيلي.. ومع بداية حرب أكتوبر اتصل الرئيس بومدين بالسادات.
وقال له إنه يضع كل إمكانيات الجزائر تحت تصرف القيادة المصرية وطلب منه أن يخبره فوراً باحتياجات مصر من الرجال والسلاح فقال السادات للرئيس الجزائري: إن الجيش المصري في حاجة إلى المزيد من الدبابات وإن السوفييت يرفضون تزويده بها، وهو ما جعل بومدين، يطير إلى موسكو ويبذل كل ما في وسعه، بما في ذلك فتح حساب بنكي بالدولار، لإقناع السوفيات بالتعجيل بإرسال السلاح إلى الجيشين المصري والسوري، وهدد بومدين القيادة السوفيتية قائلا “إن رفضتم بيعنا السلاح فسأعود إلى بلدي وسأوجه خطابا للرأي العام العربي أقول فيه بأن السوفيات يرفضون الوقوف إلى جانب الحق العربي وأنهم رفضوا بيعنا السلاح في وقت تخوض فيه الجيوش العربية حربها المصيرية ضد العدوان الإسرائيلي المدعم من طرف الامبريالية الأمريكية”.. ولم يغادر بومدين موسكو حتى تأكد من أن الشحنات الأولى من الدبابات قد توجهت فعلا إلى مصر..
قامة لم يطاولها أحد..