أخبار العالمبحوث ودراسات

روسيا وملف الشرق الأوسط بين طموح بوتين واستراتيجية دوغين

قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية

تونس 28-02-2024

تذهب كل التقديرات الحديثة إلى أن ما يمكن أن تقدمه موسكو  للشرق الأوسط  قد يساهم كثيرا في إحداث نقلة نوعية من نظرية القطب الواحد لواشنطن المهيمن، الى احلال نظرية دوغين وهي نظرية تعدد الأقطاب” التي يتبناها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويعمل على تحقيقها.

ففي حين يمكن أن تلعب روسيا دوراً إقليمياً بارزا في فرض هدنة السلام وتفعيلها على كامل فضاء الشرق الأوسط، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تسير وفق منطق الحرب ثم الغنيمة بتأييدها لإسرائيل في إشعال وتصدير وتيرة الحرب على المنطقة بأسرها وفتح الجبهات: لبنان، أراضي الجولان، مصر، اليمن، البحر الأحمر، العراق ثم إقحام إيران.

 لقد باتت دول الشرق الأوسط  تفضل العلاقات الاستراتيجية مع روسيا، بغض الن ظر عن التوترات الحالية والتصعيد الأمريكي بما فيه الهجمات والضربات التي تشنها في عرض البحر الأحمر.

ترتبط مصالح روسيا في الشرق الأوسط بانعدام الثقة والعداء تجاه الغرب فمن وجهة نظر ألكسندر دوغين يعتبر بوتين أن نهاية الحرب الباردة مثلت هدنة كان ينبغي أن تولد ميزان قوى متساوٍ ولكنها أدت إلى سعي الولايات المتحدة إلى الهيمنة العالمية.

و من توسيع “حلف شمال الأطلسي، الناتو ونشاط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وعلى وجه العموم، يحدد بوتين مصلحة روسيا على أنها معارضة للاتجاه العالمي القائم على نشر الديمقراطية الزائفة، بما يتفق مع وصول دول أكثر استبدادية على حساب مصالح وثروات الدول المفقرة والتي لم تتح لها الفرصة في أن تشكل قطبا من الأقطاب.

لقد اعتمدت روسيا على استراتيجية “تحالفات روسيا الإقليمية” والتي كان لها دور كبير ساهم في إظهار تماسك صلب يدعم مواقف الكرملين تجاه الغرب، كما أن  موسكو نجحت في تحقيق اختراقات عدة من بينها  مشروع طريق التوابل وطريق الحرير والمشروع الأوراسي علاوة على توسيع خطوط التبادل التجاري البديلة، و في مواجهة الحصار الغربي، وزيادة نسبة التبادل بالعملات الوطنية في إطار “شنغهاي” و”بريكس” وبشكل ثنائي مع حلفاء “استراتيجيين” وأهمهم الصين بما يندمج مع الخط التجاري العالمي الموحد من جهة ومن جهة أخرى ينصهر ضمن سياسة الصين العالمية نحو بناء مشروع انساني مشترك.

هذا الأمر تؤكده التقارير الاقتصادية  لتصل إلى نحو نصف حجم التجارة الخارجية الروسية مع هذه التحالفات الإقليمية. هذا المسار سوف يتواصل بقوة خلال العام الجديد 2024، وتسعى موسكو إلى تعزيز مسار طرق الإمداد البديلة، خصوصاً “ممر شمال – جنوب” بالتعاون مع الصين وإيران وبلدان جنوب القوقاز، وتحسين شروط التبادل التجاري مع حلفائها.

على صعيد السياسة الدولية يعمل الكرملين على تثبيت انحيازه لبلدان “الجنوب” في إطار مواجهة الهيمنة الأميركية على الملفات الإقليمية. وهذا التوجه بدأ يتخذ منحى أوضح مع اندلاع حرب غزة.

لذلك تسعى موسكو إلى توسيع التعاون في أفريقيا، وهي هيأت لذلك عبر إعادة ترتيب وجود مجموعات بديلة لـ”فاغنر” في عدد من بلدان القارة  مما يؤسس لاستمرار  الترتيب الأمني – العسكري المباشر في هذه الدول ودعم بعض البلدان في مواجهة الضغوط الغربية وخاصة التواجد العسكري الأمريكي الغربي هناك.

بالمقياس نفسه تتعامل موسكو مع ظروف تنشيط عمل مجموعة “شنغهاي” ومسار توسيع حضور تكتل “بريكس” في السياسات الإقليمية، على الرغم من أن التباينات الداخلية لدى أعضاء التكتلين شكلت عناصر عرقلة في السنة الماضية، ومثال ذلك التباينات الصينية – الهندية

تمثل إيران وسوريا أهم عقدتين في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط. وفيما يتعلق بإيران، تتناقض مصالح أمريكا التي ترغب في منع طهران من امتلاك أسلحة نووية في حين تعارض أي تطور يُعتبر داعماً لقوة موسكو في علاقتها بإيران، وخلال المحادثات، كانت إحدى مخاوف الغرب أن تقدم روسيا الحد الأدنى كشريك وتوافق على تطوير القنبلة النووية الإيرانية.

تبيّن أن روسيا شريكة فيما يتعلق بإيران أفضل مما توقع الكثيرون، على الرغم من الخلافات حول أوكرانيا وقوانين المنظمات غير الحكومية والدفاع الصاروخي وقضايا أخرى. وقد بقي موقف موسكو بشأن إيران متناسقاً في جميع مراحل المحادثات كما أن الروس دعموا برنامج إيران النووي طالما أنهم يلعبون دوراً في هذه العملية في ضل إنشاء محطات نووية روسية في إيران.

فيما يتعلق بالملف السوري لقد كانت  نية الكرملين المعلنة القائمة على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”.  حيث تم بالفعل إحكام السيطرة على هذا التنظيم بما مكن موسكو من المحافظة على تواجدها العسكري هناك.

هذا ويرى “دوغين” أن التدخل الروسي في سوريا مهم لوقف التمدد الأميركي المتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يعدُه منتجا أميركيا يهدد الوجود الروسي بشكل مباشر، مما يلزم موسكو باحتوائه للضرورة الجيوسياسية التي يؤمن بها ويقول دوغين إن “سوريا هي خطنا الخارجي للدفاع، والخط القادم بعد سوريا هو على أراضي الاتحاد الأوراسي وحتى داخل الاتحاد الروسي”.

ويذهب إلى أن انهيار سوريا سيتسبب في انهيارات متتالية في منطقة الشرق الأوسط، وسيخلف فوضى في المنطقة بزيادة أعداد اللاجئين وتمددهم نحو أوروبا، الذي اعتبره سببا “سيرجع أوروبا سياسيا إلى الوراء” وبنظر المفكر الروسي، فإن حل المشكلة السورية يجب أن يكون داخل سوريا نفسها، بالتعاون مع روسيا وإيران وقطر والإمارات والسعودية، أي أن ما سماها الأيديولوجية الليبرالية لا ينبغي أن تكون حاضرة في الملف السوري بإعتبار أمريكا والغرب ليستا إلا وسائل حرب دولية تريد تدمير المنطقة و من ثم العالم بأسره والتجربة اثبتت ذلك .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق