فريدمان: ترامب يستحقّ نوبل للسّلام والفيزياء والكيمياء

قسم الاخبار الدولية 10-10-2025
يرى الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان أنّ خطّة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في غزّة “خطّة ذكيّة لتحويل حفرة قنبلة إلى منصّة انطلاق للسلام،…
رأى الكاتب والمحلّل السياسيّ الأميركيّ توماس فريدمان أنّ الرئيس دونالد ترامب لا يستحقّ جائزة نوبل للسلام فحسب، بل وجائزة نوبل في الفيزياء والكيمياء أيضاً، لأنّه نجح في إنهاء الحرب بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين في غزّة، ولأنّ هذا النوع من الهيكل الدوليّ وحده يضمن حكماً فلسطينيّاً لائقاً، ونزعاً حقيقيّاً للسلاح في كلّ من غزّة والضفّة الغربيّة.
يعتبر فريدمان أنّ هذه الخطّة تحمل في طيّاتها بذور الحلّ الوحيد المُمكن الآن للصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ. إذ يكمن المنطق الأساسي لها في أنّ هذا الصراع في حالة انهيار، وأنّ الجانبين يعانيان من صدمة شديدة لدرجة أنّ هذه المشكلة لم تعُد قابلة للحلّ على المستوى التقليديّ الذي حُلّت به سابقاً: أي تفاوض الطرفين بعضهما مع بعض ووسيط دوليّ بينهما، فإذا أردنا تحقيق حلّ الدولتين لشعبين، فسيتطلّب الأمر وجود هيئة دوليّة ما للإشراف على كلّ من غزّة والضفّة الغربية لكي يطمئن الإسرائيليّون إلى أنّه لا يمكن لأيّ تهديد أن يأتي من هاتين المنطقتين، وأنّهم لن يضطرّوا إلى الاعتماد على الوعود الفلسطينية بنزع السلاح. ويطمئنّ الفلسطينيون إلى أنّ الإسرائيليّين سيرحلون وأنّهم سيتمكّنون من بناء سلطة حكم خاصّة بهم غير فاسدة.
يعتقد فريدمان أنّه إذا أردنا حلّ هذه المشكلة الآن يجب العودة إلى نوع من التفويض العربيّ الدوليّ المتّفق عليه للإشراف على إعادة إعمار غزّة وإعادة بناء الحكم الفلسطينيّ في الضفّة الغربيّة.
هذا النوع من الهيكل الدوليّ وحده يضمن حكماً فلسطينيّاً لائقاً ونزعاً حقيقيّاً للسلاح في كلّ من غزّة والضفّة الغربيّة، بإشراف قوّات دولية يكاد يكون من الضروريّ أن يكون لها عنصر أميركيّ.
لماذا جرت محادثات مصر؟
يذكّر فريدمان بالأسباب التي سمحت بإجراء محادثات مصر:
- إيران وشبكتها التهديديّة، “الحزب”، “حماس”، الحوثيّون، والميليشيات الشيعية في العراق، قد تلقّتا ضربة قاصمة من إسرائيل بمساعدة الولايات المتّحدة في ما سُمّي بحرب الأيّام الاثني عشر. لذا تراجعت قدرة إيران على التدخّل وتدمير محادثات السلام بشكل كبير.
- ليست إسرائيل تحت قيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أكثر عزلة من أيّ وقت مضى على الصعيد الدولي وحسب، بل تواجه أيضاً مشكلة دبلوماسيّة وسياسيّة مختلفة تماماً مع إدارة ترامب. كلّما حاول رؤساء الولايات المتّحدة، وخصوصاً الديمقراطيّين، الضغط على نتنياهو للدخول في مفاوضات سلام، كان نتنياهو دائماً يلجأ إلى المسيحيّين الإنجيليّين والجمهوريّين، ويستخدمهم كرافعة لتحييد البيت الأبيض وتخفيف أيّ ضغط على إسرائيل. لكن تحت إدارة ترامب، لم يعُد ذلك ممكناً لأنّه يسيطر تماماً على حزبه الآن. وهكذا وجد نتنياهو نفسه مضطرّاً إلى الدخول في هذه المفاوضات على مضض. حاصر ترامب نتنياهو أخيراً وأجبره على قبول هذه الصفقة.
- الوضع مشابه بالنسبة للفلسطينيّين، لقد تمكّنوا لعقود من التأثير بشكل كبير على القيادة العربيّة في مصر وسوريا ولبنان والعراق من خلال تهديدهم بأنّهم إذا لم يدعموا القضيّة الفلسطينية فستهاجمهم الحركة الفلسطينيّة وتنزع عنهم الشرعيّة. ولأنّ هؤلاء القادة كانوا في معظم الحالات غير شرعيّين، كانوا عرضة بشدّة لهذا النوع من الابتزاز السياسي من الفلسطينيّين. لكنّ قيادة العالم العربي اليوم انتقلت من جمهوريّات، مثل مصر ولبنان وسوريا والعراق، إلى دول الخليج، وتحديداً إلى السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة. وتتمتّع هذه الأنظمة بشرعيّة أكبر بكثير، ولذا هي أقلّ عرضة للمناورات الفلسطينيّة التقليديّة وأكثر استعداداً للمشاركة في وقف إطلاق النار في غزّة وفي عمليّة انتقاليّة جديدة نحو نوع مختلف من الحكم الفلسطينيّ.
- إنّ الفلسطينيّين الذين يعيشون في غزّة، والعديد منهم تمّ اقتلاعهم من منازلهم أربع أو خمس أو ستّ مرّات، منهكون ومصدومون. فقدوا منازلهم وعائلاتهم وأقاربهم، وهم يريدون أن ينتهي هذا الأمر. وهذا يشكّل ضغطاً آخر على “حماس”. تُدرك هذه الأخيرة أنّها لم تعُد تملك تفويضاً سماويّاً لإدامة هذه الحرب إلى أجل غير مسمّى.
ليست إسرائيل تحت قيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أكثر عزلة من أيّ وقت مضى على الصعيد الدولي وحسب، بل تواجه أيضاً مشكلة دبلوماسيّة وسياسيّة مختلفة تماماً مع إدارة ترامب.
هل يريد نتنياهو وقف الحرب؟
يرى فريدمان أنّ “نتنياهو” “لم يُرِد أبداً أن تنتهي هذه الحرب. فعل كلّ ما في وسعه لإدامتها لأنّه كان يعلم أنّه في صباح اليوم التالي لما بعد الحرب، ستكون هناك محاسبة له. أعتقد أنّه يستحقّ المحاسبة، وأنّ محاسبته ستكون في حال تمّ التوصّل إلى وقف إطلاق النار هذا وإطلاق سراح الرهائن”.
يعتبر فريدمان أنّ أكبر خسارة لإسرائيل هي فقدانها هالتها الأخلاقية بين الذين كانوا يميلون إليها بسبب الطريقة التي خاضت بها هذه الحرب: ملاحقة “حماس” مع القليل من الاعتبار، وغالباً بدون اعتبار، للضحايا المدنيّين الفلسطينيّين على طول الطريق.
فعندما تخوض حرباً ستتسبّب بالضرورة بهذا العدد الكبير من الضحايا المدنيّين دون تقديم أيّ أفق سياسيّ على الإطلاق، وهو ما فعله نتنياهو، وعرفه العالم، وخصوصاً الكثير من الشباب، وشاهدوه في مقاطع مدّتها 15 ثانية على تيك توك تظهر أنّه قتل محض.
القتل من أجل القتلن ونتيجة لذلك تضرّرت صدقيّة إسرائيل ومكانتها والدعم الأخلاقيّ لها إلى درجة أنّ الإسرائيليّين لم يعودوا مرحّباً بهم في العديد من الأماكن في العالم الآن. وكان ذلك ثمناً باهظاً دفعوه.
يرى فريدمان أنّه سيكون لـ”حماس” وقيادتها حساب أيضاً، ولو كان يحيى السنوار، زعيم “حماس” الذي خطّط وشنّ هذه الحرب، لا يزال على قيد الحياة اليوم لسأله: لقد حققّت للتوّ ما سمّيته نصراً عظيماً: انسحاباً إسرائيليّاً من غزّة واستعادة وقف إطلاق النار. ماذا كان لديك في 6 تشرين الأوّل 2023؟ كان لديك إسرائيل خارج غزّة ووقف إطلاق نار. لقد أطلقت هذه الحرب لتعيد نفسك بالضبط إلى حيث كنت في اليوم السابق.
يختم فريدمان: “يريد ترامب جائزة نوبل للسلام. ويعتقد بالفعل أنّه يستحقّها. حسناً، إذا استطاع ترامب تحقيق وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل من غزّة وإعادة الأسرى الإسرائيليّين، وصمد هذا الوضع ومهّد الطريق للمفاوضات من أجل الحلّ الوحيد المتمثّل في دولتين لشعبين، فلن يستحقّ جائزة نوبل للسلام فحسب، بل سيستحقّ جائزة نوبل في الفيزياء والكيمياء أيضاً لأنّ ذلك سيكون إنجازاً باهراً”.