أخبار العالمالشرق الأوسط

غزة تحاصرها المجاعة بصمت: “هندسة التجويع” تعمّق أزمة السيولة وتحوّل المال إلى سلاح إسرائيلي

فاقمت الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة الأزمات الاقتصادية والمعيشية، لتُطلّ أزمة السيولة النقدية كواحدة من أبرز تجليات سياسة الحصار الشامل التي تنتهجها سلطات الاحتلال، في سياق ما يسميه ناشطون ومحللون بـ”هندسة التجويع”، حيث لم يعد القصف وحده سلاحًا كافيًا، بل أصبح المال أداة خنق صامتة تستنزف حياة الغزيين.

فمنذ اندلاع الحرب، تواصل إغلاق البنوك، وتوقفت حركة إدخال الأموال كليًّا بفعل القيود الإسرائيلية، في حين لجأ بعض التجار إلى احتكار السيولة النقدية، ما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في العمولات على عمليات السحب لتصل إلى 45%، بل وتجاوزت 50% وفق شهادات محلية، في ظل انهيار القدرة الشرائية. وبات المواطنون مجبرين على دفع نصف رواتبهم كعمولات للحصول على النصف الآخر نقدًا، ما أضعف السوق وكرّس حالة من الشلل الاقتصادي.

ويحذر خبراء من أن هذه الإجراءات ليست عشوائية، بل تدخل ضمن خطة إسرائيلية ممنهجة يقودها سياسيون بارزون مثل جدعون ساعر، الذي اقترح قبل أشهر إلغاء ورقة الـ200 شيكل من التداول في غزة، بزعم ضرب قدرات “حماس” الاقتصادية. ورغم فشل تنفيذ المقترح بشكل مباشر، تُظهر الوقائع أن الاحتلال شرع في تطبيقه تدريجيًا عبر تجفيف السيولة وسحب الفئات النقدية الصالحة، وهو ما أدى إلى تداول أوراق مهترئة وانهيار سلاسة المعاملات النقدية.

ويتهم مدونون الاحتلال باستخدام أدوات مالية ناعمة، كإدخال بضائع غير ضرورية كالسجائر والهواتف من خلال تنسيقات خاصة، تُدفع نقدًا، ما يسحب ملايين الشواكل من السوق شهريًا، ويخلق طبقة تجارية مرتبطة بالاحتلال تساهم في تعزيز هذه “الهندسة المالية القسرية”. ويصف نشطاء هذا الوضع بأنه “قتل بطيء بالحرمان المالي”، يهدف إلى تفكيك البنية الاجتماعية وتحويل غزة إلى مجتمع هش يعيش على المساعدات المشروطة سياسيًا.

وسط هذا المشهد القاتم، دعا ناشطون إلى تفعيل النظام الإلكتروني المالي بديلاً عن النقدي، مطالبين بإعادة فتح البنوك جزئيًا، وصيانة النظام المصرفي، وإدخال السيولة مع مراقبة حركة الأموال، متسائلين عن غياب تدخل سلطة النقد الفلسطينية وافتقارها لاستجابة طارئة تنسق مع البنوك في مواجهة هذا الانهيار المالي المتسارع.

وتطرح أزمة السيولة في غزة اليوم أسئلة مؤلمة عن حجم الخنق الاقتصادي الذي يتعرض له المجتمع الفلسطيني، في وقت لم يعد فيه الموت مقتصرًا على القصف، بل بات يسير ببطء عبر سحب النقود، وابتلاع الاقتصاد المحلي، وتحويل الإنسان إلى رهينة الجوع والحرمان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق