أخبار العالمالشرق الأوسط

عودة الحرب في غزة: تكتيكات الاحتلال وسيناريوهات المواجهة

يعود الاحتلال الإسرائيلي إلى التوغلات البرية في قطاع غزة في محاولة لإعادة فرض سيطرته على مناطق معينة بعد فترة من الهدوء النسبي فرضها اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.

 ومع استئناف العمليات العسكرية، يتكشف المشهد عن تعقيدات جديدة، حيث يحاول “الجيش الإسرائيلي” التوغل في المناطق المبنية، مقسِّمًا القطاع إلى أجزاء متعددة في خطوة تحمل أبعادًا عسكرية وسياسية. لكن هذه التوغلات لا تأتي من موقع قوة مطلقة، إذ تواجه تحديات جمة تتعلق بتكتيكات المقاومة وتجدد بنيتها الدفاعية خلال فترة الهدنة.

التكتيك العسكري: اختبار الدفاعات أم خطوة تمهيدية؟

تحاول القوات “الإسرائيلية” توسيع عملياتها البرية عبر محاور متعددة، ما يشير إلى غياب خطة عملياتية متماسكة، والتركيز بدلاً من ذلك على استراتيجيات “جس النبض”. هذا النوع من العمليات يُستخدم غالبًا لاستكشاف قدرات الخصم وإجباره على كشف استراتيجياته الدفاعية، قبل اتخاذ قرارات رئيسية حول طبيعة الحملة العسكرية اللاحقة.

وتحقيقًا لهذا الهدف، لجأ الاحتلال إلى:

فتح قواطع ميدانية داخل غزة:

 تهدف هذه الاستراتيجية إلى تقسيم القطاع إلى ثلاثة أجزاء، مما يسهل عزل المقاومة وإضعاف خطوط إمدادها واتصالاتها.

الاصطدام التدريجي بدفاعات المقاومة:

يتم ذلك من خلال التوغل المحدود في المناطق المبنية لاختبار مدى استعداد الفصائل الفلسطينية ودرجة إعادة تأهيل شبكات الأنفاق والمنشآت الدفاعية خلال فترة الهدنة.

التحكم في المحاور الإستراتيجية:

 إعلان الاحتلال السيطرة على محور نتساريم في الوسط، والتوغل في بيت لاهيا شمالًا، ورفح جنوبًا، يشير إلى محاولة لإعادة التموضع ميدانيًا قبل الانتقال إلى مراحل أخرى.

تحديات الاحتلال:

مناخ معقد وسيناريوهات المقاومة

رغم تفوق الاحتلال عسكريًا، فإن العودة إلى العمليات البرية تأتي في ظل مشهد ميداني أكثر تعقيدًا مما كان عليه قبل أسابيع. فعلى مدار 50 يومًا من وقف إطلاق النار، تمكنت المقاومة من:

  • إعادة تأهيل الأنفاق الدفاعية، التي يعتمد عليها المقاتلون في تنفيذ هجمات سريعة والانسحاب بمرونة.
  • تعزيز مخزون الأسلحة والعبوات الناسفة والقذائف المضادة للدروع، خصوصًا من خلال الاستفادة من مخلفات الاحتلال العسكرية التي تُركت في المناطق التي انسحب منها سابقًا.
  • ولا يبدو أن المقاومة تتسرع في المواجهة المباشرة، إذ تعمل وفق إستراتيجية الاستدراج واستنزاف العدو، من خلال:
  • السماح بالتوغلات المحدودة في مناطق معينة، بهدف استدراج القوات الإسرائيلية إلى “مناطق قتل” حيث يمكن تنفيذ كمائن فاعلة.
  • تجنب الانجرار إلى معركة غير متكافئة عبر إبقاء الاشتباكات المباشرة ضمن نطاق تُحدده المقاومة لا العدو.
  • استغلال المدى المناسب للصواريخ والأسلحة المضادة للدروع، وعدم استخدامها بشكل غير فعال ضد قوات لا تزال تتحرك خارج النطاق المجدي لها.

البعد الإستراتيجي: معركة غزة ليست محلية فقط

المواجهة العسكرية لا تُدار فقط داخل غزة، بل اتسع نطاقها ليشمل أبعادًا إستراتيجية تؤثر على إسرائيل إقليميًا ودوليًا. فمع تجدد العمليات البرية، أعلنت المقاومة عن قصف تل أبيب بصواريخ متطورة، وهو تطور يؤكد أن الصراع لم يعد محصورًا في الجغرافيا الضيقة للقطاع، بل يطال قلب إسرائيل السياسي والاقتصادي.

وهذا يثير تساؤلًا جوهريًا: هل يتحمل الاحتلال استمرار هذه الحرب في ظل ضغط داخلي متزايد وارتباك سياسي متصاعد؟

فالضغوط الداخلية في “إسرائيل” تزداد مع كل يوم حرب، حيث تتعالى الأصوات المعارضة لاستمرار العمليات العسكرية، خصوصًا مع تصاعد الخسائر وتراجع أي أفق لحسم عسكري سريع.

الدعم الأمريكي والتواطؤ الأوروبي: هل يشكلان غطاءً كافيًا لاستمرار الحرب؟

ترافق التصعيد العسكري “الإسرائيلي” مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعمه الكامل للضربات الجوية والعمليات البرية في غزة، وهو موقف يعكس تواطؤًا مباشرًا في استمرار الحرب. بالمقابل، جاء الموقف الأوروبي أقل حدة تجاه إسرائيل، حيث أبدى قادة الاتحاد الأوروبي استياءً من انهيار وقف إطلاق النار، لكنهم امتنعوا عن توجيه اللوم الكامل للاحتلال رغم أنه هو من استأنف القصف.

هذا الانحياز الغربي يمنح إسرائيل غطاءً سياسيًا لمواصلة العدوان، لكنه لا يعني أن تل أبيب في مأمن من الضغوط الدولية المتزايدة، خاصة مع تصاعد الإدانات للجرائم ضد المدنيين، وازدياد الاتهامات الموجهة لها بارتكاب إبادة جماعية في القطاع.

سيناريوهات المواجهة المقبلة

استنادًا إلى مجريات الأحداث الحالية، يمكن تصور عدة سيناريوهات للمواجهة في الفترة المقبلة:

تصعيد “إسرائيلي” شامل ومحاولة اجتياح بري أوسع:

رغم كلفة هذا الخيار، قد يحاول الاحتلال التوسع أكثر في القطاع، لكنه سيصطدم بمقاومة أكثر شراسة، وسيواجه خسائر أكبر.

تكثيف العمليات الجوية والعمليات البرية المحدودة:

قد يلجأ الاحتلال إلى مزيد من الغارات الجوية والتوغلات المحدودة لتجنب المواجهات المباشرة المكلفة.

عودة إلى مسار التفاوض بوساطة دولية:

 في حال تصاعد الضغوط الداخلية والدولية، قد تجد إسرائيل نفسها مضطرة للعودة إلى التفاوض، رغم مواقفها الحالية المتشددة.

امتداد المواجهة إقليميًا:

 إذا استمرت الحرب لفترة أطول، قد تدخل أطراف إقليمية على خط المواجهة، ما يفتح الباب أمام تصعيد أوسع.

مع تصاعد العمليات العسكرية في غزة، تبدو “إسرائيل” عالقة في حرب استنزاف لا تستطيع حسمها بسهولة، فيما تنتهج المقاومة تكتيكات دفاعية محكمة تجعل من أي تقدم إسرائيلي مكلفًا وغير مضمون النتائج. وبينما تقدم الولايات المتحدة دعمًا غير مشروط للاحتلال، فإن الضغوط الدولية والمقاومة المتصاعدة تجعل من استمرار الحرب خيارًا محفوفًا بالمخاطر.

في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم:

هل تستمر “إسرائيل” في محاولة تحقيق نصر عسكري مستحيل، أم أنها ستجد نفسها مجبرة على البحث عن مخرج سياسي من هذا المستنقع؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق