عن منطق الشطرنج وهذيان الخربڨة !

الدكتور رافع طبيب 14-04-2024

التحاليل الجيوسياسية والتقييمات الجيوستراتيجية تحكمها عقائد دفاعية وتموقعات ولا تخضع لمزاج التفّه ورواد حلقات الهزائم المتأصّلة.

نفذت إيران، القوة الإقليمية الصاعدة، المتحالفة مع أقطاب العالم الجديد المتعدد المراكز والممول الأساسي للمقاومة الفلسطينية في إطار التقاء المصالح والعقائد، وعدها بالردّ على عدوان اسرائيل ضد قنصليتها في دمشق، باعتبارها دولة تعلي قيمة السيادة.

جاء الرد تحت عنوان استراتيجي: عسكر مقابل عسكر وضمن القانون الدولي وتحديدا الفصل 51  لشريعة الأمم المتحدة.

‏انتهت هذه المرحلة ولن يحصل تصعيد إقليمي

هذه حدود الردّ الذي نسف القاعدة الجوية التي انطلقت منها الطائرات التي أغارت على القنصلية وسوّتها بالأرض بعد ان انقضت عليها أسراب الصواريخ الفرط صوتية المصنعة إيرانيا. هذه الصواريخ التي عبرت 2460 كلم واخترقت جدران القواعد الأمريكية ال34 المنتشرة على أراضي المشيخات العربانية العميلة.

أول الغيث:

بايدن قال لنتنياهو “انتهينا هنا”. ولأن الإسرائيلي انتهى كقوّة رادعة له استقلالية إستراتيجية وعاد الى حجمه الحقيقي بعد انهيار الخرافة، فإنه سيبلعها ويستكين.

أما بالنسبة لتحليل الردّ الإيراني، فيمكن القول، في حدود المعطيات الحالية وبانتظار التقييمات الميدانية ان :

‏1- ليلة 14 ابريل 2024 تؤرخ لبدء مرحلة سقوط نظرية التفوق الأمني الإسرائيلي وعقيدة الردع الاستراتيجي الإقليمي. أصبحت إسرائيل كيانا يتلقى الضربات داخل “مجاله” دون القدرة على المواجهة على أراضي العدو. أي أن “إطلاق القوة” تحول إلى دفع داخلي.

La projection de puissance s’est transformée en dynamique centripète.

2- نهاية “عقيدة داوود” التي تنظّر للاستقلالية الإستراتيجية لإسرائيل تحت عنوان: نقاتل بمفردنا لأن أهدافنا متميزة على الجميع! أمام تدفّق النيران الإيرانية وصمود المقاومة وتوحيد ساحات المواجهة وانكشاف العجز العملياتي للعقيدة الاسرائيلية التي انبنت على مواجهة جيوش عربية نظامية فاسدة وعميلة ومخترقة استخباراتيا، فقد صرح غالانت “أن إسرائيل ستدافع عن نفسها بمعاونة الأصدقاء والجيران”… عادت من تلك اللحظة إسرائيل إلى مجرد مستعمرة تابعة تحت مظلة الحماية الأطلسية… لا أكثر.

3- الردّ الإيراني محدد ومحدود في سياقات الحفاظ على سيادة الدولة وهيبتها وتموضعها إقليميا ولا يسعى لإشعال حربا في المنطقة.

4- نجحت إيران في الاختبار الكبير لقوتها الفضائية بعد تميّزها الملحوظ على مستوى سلاح المسيّرات التي دكّت تحصينات الجيوش الأطلسية في أوكرانيا السابقة. المسيرات نجحت في استنزاف القبة الحديدية وصواريخ الپاتريوت الأمريكية واحدثت الفجوة التي سمحت للصواريخ البالستية بالولوج لمجال فلسطين المحتلة ودك القواعد المستهدفة علاوة على تجاوز الأنظمة الأمريكية في المنطقة.

‏5- ولأن “الحرب هي تواصل للسياسي لكن بأدوات مختلفة”، فان إيران سارعت بإعلان عزمها الاكتفاء بالردّ الحالي واستبعدت السعي الى التصعيد الإقليمي. الرسالة الأهم هي إحلال معادلة إستراتيجية جديدة في المنطقة تمثل إيران ركنها الرئيسي لما أصبحت عليه من قدرة للردع وإيقاف المدّ الإسرائيلي والأمريكي.

6- أثبتت إيران أنها لم تتخلف في مشروعها البالستي والذي كان إيقافه من أهم أهداف الحلف الأطلسي. القوة التدميرية لصواريخ الجيل الثالث التي أطلقت بالأمس أرعبت العدو باعتبارها تمثل تكنولوجيا ما قبل سنة 2015. أما الجيل الرابع، فهو في عداد الردع الاستراتيجي.

7- لم تذهب إيران للردّ إلّا بعد استهداف السفينة المتجهة الى ميناء دبي في طريقها الى الكيان عبر “الممر البري الشرق أوسطي”. كانت رسالة للصديق-الحليف الصيني الذي التقط الرسالة وبدا التحضير للحزام الديبلوماسي المرتقب في مجلس الأمن.

هي جولة في معركة طويلة ودعوة للتفكر في إشكاليات التموقع الاستراتيجي ضمن تحالفات العالم المتعدد الأقطاب الذي انتفض مع 7 أكتوبر 2023.

إما أن نكون مع القوى الصاعدة أو أن نبقى في هامش حسابات العالم.

عودة إلى تونس… الشطرنج رياضة ذهنية يعشقها الإيرانيون لزمنياتها المعقدة واعتمادها على التخطيط والاستراتيجيا والصبر… لا علاقة لها بالخربڨة وبالاندفاعية العدمية لقطعان المهزومين.

من ينتقد او يتفِّه الردّ الإيراني، لا تهمّه فلسطين او تحركه غيرة على الجديّة في مقارعة العدوّ… هو متصهين بالطبع وترعبه صورة التحرير القادم وتحبطه مشاعر الكرامة لدى الأحرار.