سوف ننطلق في هذا التحليل من الوضع التونسي الذي اصبح خلال هذه الفترة بالحساس و المضطرب جدا خاصة في منطقة الجنوب على الحدود الليبية اذ تحوّل الوضع من حراك اجتماعي مطالب بالتنمية الى حرق مقرات السيادة كمراكز الامن و نقاط متقدمة حدودية و كانت الاحتجاجات جد عنيفة و قد قتل فيها شاب يبلغ من العمر 21 سنة هذا المظهر السطحي و لكن ما خفي كان اعظم
فما الذي يحدث في الجنوب التونسي؟.
ليس بالبعيد وفي الفترة الانتخابية التشريعية والرئاسية قد تم التلاعب والعمل على مشاعر اهل الجنوب وكادت ان تشتعل نار الفتنة وتقسم البلاد الى نصفين جنوب شمال ولكن هذا ليس الاّ تهيأة ارضية الفوضي والعصيان داخليا ومتنفس ارهابي.
هذه الاحداث قد عمل عليها أطراف داخلية من بارونات التهريب وكبار المسؤولين ورجال السياسة وكذلك أطراف خارجية واقليمية حتى تكبر الفجوة وبأن يشتعل الجنوب على المدى المتوسط والبعيد لأغراض ارهابية اقليمية وكذلك التهريب و تجارة السلاح والمخدرات والاتجار بالبشر، و فعلا هذا ما حصل و نحن اليوم في تونس نتابع هذه الاوضاع بكل حذر.
لكن ما هي العلاقة بين داعش الشرق الاوسط والجماعات الارهابية في شمال افريقيا؟
نبدأ بوضع داعش في الشرق الاوسط خاصة العراق وسوريا فالضربات التى يتلقها كبيرة و شديدة و تشدد الخناق عليه و على تحركاته بعد ان وصل الى قدر كبير من السيطرة و بجيش كبير يعد فوق ثلاثون الف ارهابي و بهذا فقد اعطى بالوكالة للتخفيف الخناق عليه الى تنظيماته الفرعية في دول شمال افريقيا بأن يشن هجمات قاسمة و قوية ربّما تضطرب لها اوربا و خاصة و ان اوربا قد اعلنت عن تخوفها من انتقال الارهاب الى ضفاف الجنوبية للمتوسط يعني شمال افريقبا ليصبح على شواطئها.
بهذا استغل التنظيم الارهابي الداعشي مستنقع ليبيا اين الفوضى و الاّدولة و الملشيات و العصابات و وجود التيارات الاخوانية المتطرفة و فروع القاعدة التى تتقارب فيها ايديولوجياتهم و اهدافهم و بهذا قد شهدنا في اواخر اكتوبر 2014 و بدايات نوفمبر المبايعات بين داعش و التنظيمات انصار الشريعة و فروع القاعدة من تونس و ليبيا و مصر و الجزائر و تأسيس امارة داعش في شرق ليبيا بمدينة درنة الليبية، و بهذا انطلقت عملية الكرامة بقيادة “حفتر” بتعاون مصري اماراتي.
و في هذه الفترة و تزامنا مع عملية الكرامة بقيادة حفتر و المفاوضات الاممية للمصالحة الوطنية و المفوضات التي تقودها الجزائر بين جماعة طربلس و طبرق فقد تكثفت العمليات الارهابية الداعشية و الجماعات الارهابية من القاعدة و هي رسالة ممضاة من داعش بانها لا يقتصر وجودها في سوريا و العراق بل يطال كذلك شمال افريقيا و الجماعة اليوم تتحدث عن الحديقة الخلفية للدولة الاسلامية و هي شمال افريقيا.
فمثلا العملية الموجعة التي قام بها داعش في منطقة سيناء و التي ادت الى مقتل اكثر من 30 شخصا هذه عملية داعيشية بامتياز ثم عملية الفندق في طربلس و الذي راح ضحيتها 10 قتلى من بينهم اشخاص من البعثة الاممية و العملية التي كادت ان تضرب تونس العاصمة في ابرز مكان وزارة الداخلية و التي ربما كانت ستكون مدوية و تصنع الفارق لكن الدولة في تونس لا تزال متماسكة.
و بالرجوع الى ليبيا و هي المنطقة الاكثر صعوبة على المستوى التونسي و الجزائري هناك معلومات شبه مؤكدة على ان هناك خلفات كبرى بين انصار الشريعة و المتمثلة في فجر ليبيا و “جماعة المجاهدين في ليبيا” و هو تنظيم قد تم الاعلان عنه و تشكيله في اكتوبر 2014 في مدينة درنة شرق ليبيا و هو يتكون بما يقارب 800 مقاتل و قد اعلنوا بأن درنة امارة في تلك الفترة قد تمت المبايعة مع انصار الشريعة.
لكن في هذه الايام و بداية من شهر ديسمبر بدأت الخلافات تظهر بين الفريقين و اطماع داعش تكبر و بدأ انصار الشريعة التابعة للقاعدة تتنصل من المبايعة و حسب شهود عيان فان الامر اشتدّ على فجر ليبيا من داعش و “حفتر” و اصبح محاصر كما ان جماعة عقبة و انصار الشريعة اصبحوا محاصرون و بهذا فان ملاذهم جنوب تونس الذي يعتبر بالنسبة لتونس و للحكومة التونسية الحلقة الهشة التى يسيطر عليها اكبر بارونات المهربين و خاصىة تجار السلاح الذين كبرت تجارتهم و اصبحوا يتعاملون مع اكبر تجار السلاح في العالم و كذلك مع “داعش” و بهذا تمّ العمل على الجنوب التونسي سياسيا ليبقى دائما في اضطراب و غير مسيطر عليه.
كذلك لا ننسى بان الاطماع تتجه نحو الجزائر و انها يجب ان تكون جزؤ من لعنة الثورات العربية كما قال “ليفي برنار” يجب ان يشمل الربيع العربي الجزائر و هذه تعتبر من اقذر المؤمرات التي يمكن ان تحاك على بلدان شمال افريقيا ليطلق عليها اسم “الحديقة الخلفية لداعش” و لضرب استقرار كل الدول العربية و تحطيم الجيوش العربية التي لها تاريخ .
اذا و كأننا اليوم امام العملية التنفيذية لمشروع الدولة الارهابية في شمال افريقيا من الساحل الصحراوي الى ضفاف الشمالية المتوسط.
و هذا ما نبه اليه “دافيد كامرون” في الصائفة الماضية بان خطر الدولة الارهابية بات يتقدم و بسرعة الى شمال افريقيا و حاضنته ليبيا و بالتالي يقترب من اوربا باعتبار ان الشواطئ الجنوبية للبحر المتوسط هي على مسافة قريبة من اوربا.
اذا ففجر ليبيا و داعش يريدون التوسع في الجنوب التونسي ليجد المتنفس من جيش “حفتر” لان امريكا و بصورة علنية و صراحة تعلن بانها لا يمكنها بعث جنودها الى بؤر الارهاب.
و كنا نسأل هل يمكن ان تحدث الفوضي و ان نتلقي ضربات ارهابية في تونس في ظل هذه الاوضاع الغير مستقرة؟
فعلا اليوم 18 فيفري 2015 تضرب المجموعات الارهابية بعملية ارهابية بقتل اربعة امنيين من الحرس الوطني و منها ترسل رسائلها بأنها اولا متواجدة على الارض التونسية و ان تحاصر في مكان هذا يعني ان لها العديد من الأماكن ثانيا بانه يمكنها ان هددت بان تنفد.
و ثلاثا ان الارهاب قد استوطن في كامل التراب التونسي و انهم يعلنون بأنهم سيقودون عمليات داخل تونس عبر الانترنات و فعلا يقومون بعمالياتهم بكل نجاح.
اما الرسالة الاخطر و التى اعتبرها هامة جدا بانهم يسيطرون على كامل التراب التونسي من خلال دينامكية و تمكن ميداني فربما يسكنون معنا و لا نعرفهم و هذا الاخطر
و السؤال المطروح اليوم : ما هو التموقع الحقيقي لداعش في تونس و نحن نعلم جيدا بان اكبر نسبة داعشية هم تونسيين اكثر من اربع آلاف يوجدون في سوريا و العراق و اكثر من الف و خمس مائة مقاتل تونسي في ليبيا و اكثر من عشر آلاف تونسي قد تم منعهم من السفر الى ليبيا؟
ثم تلك المجموعات التي رجعت من سوريا و من العراق و الذي برأهم القضاء و رجعوا بيننا و قد تلطخت ايديهم بالدماء و القتل هل لا تزال لهم علاقات مع قادة داعشيين و لماذا رجعوا من بؤر التوتر؟ هل فعلا تابوا مع ان اغلبهم الذين اعلنوا توبتهم قد عادوا و خاصة التجربة اليبية التى قادها سيف القدافي و التجربة السعودية التى اعلنت بان سبعون بالمائة منهم من اعلن توبته قد عاد الى القتل و الارهاب و انظموا الى داعش.
هل توجد ايادي تونسية متورطة و تهئ الارهاب في تونس و خاصة في الجنوب التونسي؟
ان ما يعرف على داعش في ليبيا بانها غير مسيطرة تماما على كل ليبيا و لكنها تحاول السيطرة و فرض قانونها الارهابي و خاصة بوضع جماعتها على طول الشريط الساحلي في ليبيا. فمثلا الهجوم الذي وقع في “كورنثيا” يعتبر هجوما محكم التخطيط و على مستوى عال من التخطيط و التنفيذ و هو يحمل امضاء داعشي بامتياز.
و كما نعلم جيدا بان الذي حصل في ليبيا و الذي يحصل ليست بالفوضى العابرة بعد سقوط النظام او بعد ثورة بل كل الايادي و المخابرات العالمية و التي لها مصلحة من قريب او بعيد قد تدخلت لتصبح قاعدة تدريب و تجنيد و تهريب الاسلحة لاستخدامها في اي مكان آخر في المنطقة و خاصة تونس و الجزائر و مالي و النيجر و لتشكيل جماعات تابعة لها. كما ان ليبيا اصبحت اكبر قاعدة عسكرية تدريبية لجماعة القاعدة بفروعها الثلاثة و هي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي و تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب و كتيبة الملثمين بالجزائر هذه الفروع قد انشؤا قواعد تدريب بليبيا. و قد اسسوا علاقات كبرى مع الجهاديين المحليين مثل جماعة انصار الشريعة و خاصة مجموعة كبرى منهم قد فروا من مالي على اثر الضربات الفرنسية و احتضنتهم ليبيا و بالاضافة كذلك فقد قام جهاديون من تونس باستخدام ليبيا كقاعدة للتدريب في طريقهم للقتال في سوريا و ربما العودة للقتال و كما يدعون الى “فتح تونس” و ان عددهم كبير جدا اكثر من الف و خمس مائة ارهابي مدرب تونسي في ليبيا.
و لا ننسى بان عدم الاستقرار و الفوضى في ليبيا قد اثار اعجاب و جذبية “البغدادي ” حتى انه قام بارسال نائبه” ابو علي الانباري” ليعلن عن درنة كامارة داعشية و بذلك استحوذ داعش على مدينة درنة نهائيا و التي يقطنها اكثر من مائة الف ساكن و لها انحدار كبير للسلفية منذ التسعينات و كذلك اعلان البغدادي عن ان منطقة شمال افريقيا الحديقة الخلفية للدولة الاسلامية.
اذا فالبغدادي لم يتمالك نفسه امام اغراءات الفوضى الليبية و ثرواتها التى يمكن ان يستغلها فيما بعد و اتبع بذلك نفس اللعبة التى مارسها على سوريا للتأكيد على وجوده، ففي الصائفة الماضية بدأ الجهاديون الليبيون الذين قاتلوا في سوريا في لواء التيار التابع لداعش في العودة الى درنة بامر من البغدادي و عملوا بوصفهم يمثلون مجلس الشورى المؤيد لداعش كذلك الامر بالنسبة للذين امرهم البغدادي بالعودة الى تونس بأنهم اعلنوا التوبة و لكنهم مستعدين و ينتظرون الاشارة الخضراء للاستلاء على مناطق حدودية مع ليبيا و الجزائر لتسهيل الفوضي و الضربات الارهابية في تونس و الجزائر و كذلك اعادة تقسيم المنطقة و ليبيا بالخصوص حسب اهميتها البيترولية و الغازية و كذلك ادخال مصر في الفوضى. اذا هذا ما يحصل و ما سيحصل عندما تعلن داعش عن شمال افريقيا حديقتها الخلفية