“عناصر الردع ما بين أمريكا وإيران، أعمق من البحر الأحمر”
إعداد فاتن جباري قسم العلاقات الدولية و الشؤون الإستراتيجة
مراجعة الدكتورة بدرة قعلول
تونس 30-11-2023
تقديم :
وصل التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، إلى مستوى خطير كاد أن يتطور إلى اشتباك عسكري مباشر بين البلدين في عرض البحر والارض، إشتباك لا تقتصر ارتداداته على البلدين فحسب، بل يشعل المنطقة بأسرها فكل دولة منهما تمتلك أوراق قوة، تجعل بينهما توازن ردع دقيق سيؤدي أي خلل فيه إلى اشتباك عسكري مباشر متدحرج يكون سببا في حربا عالمية ربما تقضي على نصف الكورة الإرضية وتقضي على ثلثي سكان العالم وسيكون فيها الجميع منهزم.
خلفت عملية طوفان الاقصى غضبا إسرائيليا أمريكيا تجاه القوة الإيرانية التي يبدو أنها ترابط سرا من خلال حلفاء دوليين أقوياء ومقاومين مسلحين عبر سياسة “التحالفات المسلحة”. وفي مسعى أمريكي إسرائيلي لتوريط إيران تتعمد هذه الأخيرة سياسة “الشبح” الذي يظهر تارة في الصورة بشكل جلي ليختفي فجأة ويناور بذكاء كبير يترك عدوه الامريكي والإسرائلي في إضطراب كبير…
هذا وتعمل جل الدول المحاذية لجغرافيا البحر الاحمر نحو تعزيز المساع الدبلوماسية العربية والدولية بشكل يفيد بأن كلا الطرفين لا مصلحة لهما في مواجهة شاملة خصوصا مع الارتباط الامريكي بهاجس عدم الدخول في حرب متعددة الواجهات ومفتوحة الجبهات.
فكيف نفهم إيديولوجية دفاعية لقطبين رئيسيين في الصراع الدائر من حيث عناصر الردع دون ان تكون هناك حرب ؟
استراتيجيا تمتلك إيران حلفاء في المنطقة حيث تعززت أواصر هذه العلاقات مع بدأ عملية طوفان الاقصى فلإيران أربع أذرع في المنطقة، وهي: حزب الله في لبنان، وحزب الله في سوريا، والحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن، وجميعها تعمل بأمر من طهران. كما تربط إيران علاقات جيواستراتيجية جد قوية مع كل من روسيا والصين وهاذين العملاقين لهما تأثير مباشر وغير مباشر في المشهد السياسي القائم .
أما على المستوى العسكري فيقول المتحدث بإسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، “جون كيربي”، مجيبا على سؤال التدخل العسكري أمام إيران “الولايات المتحدة أكدت في رسالتها استعدادها للتدخل عسكريا ضد إيران وحزب الله إذا فتحت جبهة ثانية في الحرب ضد إسرائيل أو إذا أضرتا بمواطنين أمريكيين”.
عناصر الردع الإيرانية
تشكل إيران أكبر تهديد على أمن ممرات الملاحة البحرية الأمريكية فالأسطول الخامس الأمريكي موجه أولا وبالذات الى عمليات القرصنة البحرية التي تديرها إيران وحليفاتها ضد امريكا وإسرائيل إلى الشرق الأوسط في إطار خطة لتعزيز التواجد العسكري في المنطقة وردع إيران عن احتجاز السفن وناقلات النفط. ذلك ان عملية الإنتشار العسكري والقواعد الأمريكية المحصنة خليجيا تؤكد إلتزام أمريكا القوي والثابت بالأمن البحري الإقليمي وذلك لفرض سيطرتها على المنطقة وخاصة على الملاحة العالمية والإقتصاد العالمي.
أولى العناصر التي تميز القوة العسكري الإيرانية هي القوة البشرية الكبيرة التي تتألف منها القوات المسلحة البحرية، عبر وحداتها المختلفة من جيش وحرس وباسيج.
الردع البري
فهو يتكون من 523 ألف فرد نظامي، بالإضافة إلى 350 ألف فرد احتياط، وبذلك تكون القوة العسكرية الإيرانية هي الأكبر عددياً في المنطقة.
أما بالنسبة الى الحرس الثورة الإسلامي فهو جزء من القوات المسلحة الإيرانية، تأسس عام1979 مع انتصار الثورة الاسلامية في إيران ويُعتبر القوة الرئيسية في حفظ الأمن الوطني في إيران، وهو المسؤول عن الأمن الداخلي وأمن الحدود، وهو الذي يتولى القيادة العامة للقوة الجوفضائية.
كما أن هذه العناصر مجهزة بحوالي 1634 دبابة، وحوالي 2345 مركبة قتالية مصفحة و190 قاذفة صواريخ ما يعني أن إيران تمتلك ذراعاً برية، عددها كاف ومجهز ومستعد، للقيام بكافة أنواع العمليات العسكرية من دفاع وهجوم.
الردع البحري
القوى البحرية الإيرانية تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في حجم الأسطول التابع لها، وتتمركز هذه القوى في قواعد بحرية على طول الساحل الإيراني، في الخليج وبحر عمان والجزر كما أن الجمهورية الإسلامية أعدّت أسطولها البحري وحدثت أسلحته باستمرار، ورفعت مستواه القتالي عبر سلسلة طويلة من المناورات البحرية ويبيّن موقع “global fire power” أن طهران تمتلك 34 غواصة حربية، و6 فرقاطات، و3 كاسحات ألغام، و3 طرادات، فضلاً عن سفن الدوريات يبلغ عددها 88 سفينة.
منذ العام 2007 بدأت إيران الدخول على خط الإنتاج الحربي الخاص بالمعدات البحرية، فقد صنعت بارجة حربية أطلقت عليها اسم “موج”، ودشنت عام 2010 مدمرة حربية من صنع محلي، سمتها “جمران” وتوالت فيما بعد القطع البحرية محلية الصنع من ضمنها مدمرة “سهند”. ويشمل عتاد القوة البحرية أيضاً، آليات برمائية بأحجام مختلفة، وسرب بحري مكوّن من 19 طائرة و30 مروحية.
أما على صعيد المنظومات الدفاعية الساحلية، فإن إيران تمتلك مدناً تحت الأرض مجهزة بمنصات إطلاق صواريخ بحرية من كافة الأنواع والمديات، ما يمكنها من التعامل مع أي هدف بحري، دون التعرض لخطر الرصد والقصف الجوي.
وعلى الرغم من إمتلاك إيران، قدرات بحرية عسكرية كلاسيكية، إلا أنها تعتمد أيضاً إمكانيات توافق أسلوب القتال غير المتماثل “حرب العصابات أو الميليشيات الحرب الهجينة” عبر زوارق سريعة مجهزة بصواريخ وألغام بحرية، وهذا ما يزعج ويقلق الكيان الصهيوني وأمريكا وحتى الدول المجاورة لإيران.
الصواريخ الباليستية إضافة للقوتين البرية والبحرية، تمتلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سلاحاً رادعاً وحاسماً، وهو “الصواريخ الباليستية” هذه الصواريخ توفر لإيران القدرة على ضرب كافة القواعد الأمريكية الموجودة في المنطقة، وأبرز مثال على مدى تأثيرها، هو ضربة قاعدتين أمريكيتين “عين الأسد وأربيل” في العراق، حيث يشير الخبراء إلى أن الصواريخ أصابت أهدافاً حساسة بدقة نقطوية، وبقدرة تدميرية عالية كما أن منظومات الدفاع الجوي الموجودة في القاعدة لم تتمكن من إسقاط الصواريخ لسرعتها العالية التي تفوق سرعة الصوت مرات عدة.
وفي المناورات الصاروخية الأخيرة، برزت نوعية جديدة للأهداف المستهدفة حيث استطاعت إيران تدمير أهداف في شمال المحيط الهندي على بعد 1800 كيلومتر منها. وقد ذكرت شبكة “فوكس نيوز” خبر سقوط صاروخين باليستيين على بعد 180 كيلومتر من موقع حاملة الطائرات الأمريكية “نيميتز”.
الطائرات بدون طيار محلية الصنع والذكاء الاصطناعي، تمتلك طهران عدة أنواع متطورّة من هذه الطائرات منها: استطلاعية، مسلحة، مراقبة وهجوم، إنتحارية… ويعمل تقنييها باستمرار على زيادة المدايات، حتى بات لديها طائرة تصل الى مسافة 4000 كلم وزودت إيران الطائرات بمنظومات إلكترونية وذكاء اصطناعي، لمواجهة التشويش الإلكتروني وإختراق أنظمة الدفاع الجوي المختلفة وقد شهدت المناورات الأخيرة، استخدام الطائرات بتكتيك يدعم دقة إصابة الصواريخ الباليستية لأهدافها.
عناصر الردع الأمريكية
وفي المقابل إن من أهم عناصر الردع الأمريكية، هي الوجود العسكري الكبير لها في المنطقة وخاصة القواعد العسكرية والنقاط العسكرية الأمريكية المتواجدة على الأراضي الخليجية.
حيث أنها تتواجد في العشرات من القواعد، والتي يشغلها ما لا يقل عن 60 ألف جندي، متوزعين على وحدات قتالية برية وبحرية وجوية، بالإضافة إلى أفواج تدخل سريع.
الأسطول العسكري الأمريكي يحتوي المنطقة
كل المناطق والبلدان التي تنتشر بها، هي قريبة من إيران، فهي تتواجد في:
_ أفغانستان: 8 قواعد.
_ العراق: تسيطر على أكثر من 106 موقع استراتيجي.
_ سوريا: 5 قواعد، منها قاعدة التنف العسكرية التي تقع على الحدود العراقية السورية الأردنية، والتي تعد القاعدة الأمريكية الأكبر في سوريا.
_ تركيا: 26 قاعدة عسكرية بالإضافة الى مراكز الرصد والإنذار المبكر، مراكز الاتصالات اللاسلكية، وقواعد التجسس وجمع المعلومات.
_ قطر: فيها المقر الميداني للقيادة العسكرية المركزية للمنطقة الوسطى، وفيها قاعدة العديد الجوية.
_ البحرين: فيها قواعد دائمة لتخزين العتاد الأمريكي، وفيها المقر العام للقوات البحرية التابعة للقيادة المركزية الأمريكية للمنطقة الوسطى في قاعدة الجفير. أما قاعدة الشيخ عيسى الجوية، فهي الحقل الجوي الأمريكي الرئيسي في شبه الجزيرة العربية.
_ السعودية: 13 مرفق خاص، بالإضافة إلى استخدام 66 مرفقًا تابعًا للقوات المسلحة السعودية.
_ سلطنة عمان: 5 قواعد مع استخدام 24 مرفق عسكري عماني.
_ الكويت: معسكر الدوحة الذي تتمركز فيه قوات مشاة، وقوات تابعة لسلاح الجو مع أكثر من ثمانين مقاتلة، بالإضافة إلى بعض وحدات الانتشار السريع.
_ الإمارات: قاعدتان عسكريتان: الظفرة وجبل علي.
_ الأردن: قاعدتان عسكريتان جويتان، بالإضافة الى وجود قوة بحرية في ميناء العقبة.
_ دولة فلسطين المحتلة: قاعدة الأسطول السادس الأمريكي بالقرب من ميناء حيفا، بالإضافة لمحطة رادارات ديمونة، وقاعدة ماشابيم الجوية.
حاملات الطائرات
ثاني عناصر الردع الأمريكية هي حاملات الطائرات، التي تتمتع بميزات قتال عديدة كما أنها تعمل بالطاقة النووية لذا فهي تركز على المهام الشاملة كما يلي:
- هي قاعدة جوية إحتياطية في البحر بدلاً عن القواعد الموجودة في البر والمعرضة للقصف.
- يمكنها البقاء في منطقة واحدة أشهر عدة، دون التزود بالوقود والحاجات الحيوية.
- يمكن من خلالها تنفيذ 270 طلعة جوية يومياً، لسرب طائراتها المكون من 14 طائرة.
- إمكانية الدعم الجوي للقوات البرية، أفضل من دعم طائرات القواعد الثابتة.
- تحتوي على العديد من أجهزة الرصد والاستشعار وحرب الكترونية متعددة طبقات الحماية كما أنها تحمل طائرتي رادار للتهديدات القصيرة المدى.
- تحمل طائرة EA-18G Growler المخصصة للتشويش على أنظمة رادارات العدو.
- الاستجابة السريعة للتدخل والدعم الجوي، حيث تستطيع التنقل ما يزيد عن 1000 كم باليوم.
خلاصة
تمتلك إيران كل مقومات القوة العسكرية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط. كما ان الإدارة الأمريكية لا تستطيع تجاهل المسار العام للبرامج العسكرية الإيرانية حتى وإن لم تحاربها فالبحر الأحمر سبب نهضة أمريكا وقوتها، والشرق الأوسط ضمن حرب إسرائيل شاهد على ذلك.
في هذا الإطار بالذات، يتبلور النقاش والجدل القائم بين إسرائيل والولايات المتحدة حول تهديدين على الأمن القومي الإسرائيلي:
الأول الاتفاق النووي الإيراني
والثاني الضفة الغربية وتفجير الداخل الفلسطيني.
وتتباين المقاربة للملفين في الآليات الردعية ما بين المناورات والتحفيز العسكري والضغط الناعم واستخدام القوة.
بين هذا وذاك يبقى سؤال مطروح:
لماذا تلعب دول الخليج العربي لعبة المحصن والحاضن للقواعد الامريكية؟
الجواب أصبح واضح وصريح وهي التباعية المفرطة الخليجية للكيان الأمريكي حيث تصنع لها الجغرافيا أين تتموقع وتمدها بالنفط الخام وتحفظ موقعها استراتيجيا وترد الهجمات المستهدفة للقواعد الامريكية ف38 قاعدة عسكرية أمريكية في دول الخليج العربي:
أكبرها على المستوى العالمي “قاعدة العديد” المتمركزة بالعاصمة القطرية الدوحة.
فيما تضم الكويت أكبر عدد من الجنود الأمريكيين في الخليج.
فيما يتمركز الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين…؟؟؟
فإلى أين تسير دول الخليج التي تعطي مصيرها وارضيها ومصير المنطقة ومصير الأجيال القادمة تحت أقدام العدو المهيمن الإستعماري؟
هل يمكن تستفيق دول الخليج من غفوتها وما هو الثمن التي يجب أن تدفعه من أجل تحررها؟