على من يقع اللوم..شباب حطّم اليأس معنوياته أم نخبة انتهازية حاكمة؟
تونس-18-01-2021
تجددت الإحتجاجات وأعمال الشغب،الليلية وتوسعت لتشمل أغلب المدن التونسية،وشهدت مواجهات عنيفة مع قوات الأمن وأعمال عنف وشغب وسطو على بعض المؤسسات.
تساؤلات كثيرة تثيرها هذه الأحداث التي عمت أغلب مناطق البلاد في وقت واحد، واختار المحتجون الإنخراط فيها ليلا وفي فترة الحجر الصحي ومنع التجول..هل توجد أطراف تقف وراءها؟ وماذا عن هذا التوقيت بالذات في ظل الصراعات تحت قبة البرلمان وتصدع العلاقة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان؟
وهل هي تصفية حسابات لفرض واقع جديد لصالح هذا الطرف أو ذاك؟ أم أن ما يحدث هو انطلاقة عفوية من شباب يرى أحلامه تتبدد والأفق تنسد أمامه والبطالة تحط بثقلها على حياته بفعل سياسات مراهقين وانتهازيين ركبوا ثورة 14 يناير وجيّروها لصالحهم؟
صحيح أن الدستور التونسي يكفل حق التظاهر والإحتجاج والتعبير عن المطالب المشروعة،ضمن أطر نقابية منظمة،إلا أن الوقائع منذ 2011 تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن من تولى حكم البلاد ظل همهم الأول مصالح أحزابهم الضيقة،وتنكروا لكل وعودهم الإنتخابية،وأدخلت صراعاتهم على مساحات الحكم والسلطة والمكاسب المادية، المجتمع التونسي في دوامة أزمات افتصادية وفساد إداري ومالي وتصاعد نسب البطالة، إلى درجة أن”الكمامة الطبية التي تختفي خلفها وجوه التونسيين-على رأي أحد الصحفيين- لم تُخفِ المرارة التي أثقلت أصواتهم وباحت عيونهم المكتظة باليأس بكل شيء وهم يعبّرون لكاميرا بعض التلفزات العمومية والخاصة عن تقييمهم عشر سنوات من عمر ثورة بدأت بحلم شاهق وانتهت إلى كابوس مريع”.
إلا أن هذه الأوضاع الصعبة ليست مبررا على الإطلاق لتستغلها بعض الأطراف لكي يتسلل المنحرفون للقيام بأعمال الشغب والنهب وتهديد السلم الإجتماعية،بالرغم من ان مثل هذه الأعمال صاحبت أغلب الإحتجاجاات حتي في الدول الكبرى على غرار ما حدث في فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا..
فهل خرج كل هؤلاء الشباب لغاية النهب فقط وهم المهمشون العاطلون الفقراء بدون وعي بظروفهم الحياتية القاسية؟
رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي،قالت إن ما حدث بعدد من ولايات الجمهورية هو عمليات مدروسة الهدف منها إثارة البلبلة والمس من الأمن القومي والخلط بين المطالب الإجتماعية المشروعة والعمليات التخريبية.
وحمّلت، خلال ندوة صحفية عقدها الحزب اليوم الإثنين، رئيس الحكومة هشام المشيشي، مسؤولية ما حدث، وذلك بسبب إقالته وزير الداخلية في هذا الظرف بالذات.
وأشارت موسي، إلى أن ما شهدته تونس عملية منظمة وليست تحركات فردية ومعزولة، على اعتبار أن خروجهم كان في نفس التوقيت وعدة مناطق، مشيرة إلى أن ما يحصل اليوم مشابه لسيناريو ما حصل في تونس منذ 17ديسمبر2010 .
من جانبه،أبدى الإتحاد العام التونسي للشغل، استغرابه من صمت السلطات على أحداث شغب متواصلة منذ 4 أيام في البلاد.
وطالب الإتحاد في بيان له،اليوم،”السلطات بتقديم إيضاحات شفافة حول حقيقية ما يجري،وذكّر بما حذر منه طيلة السنوات العشر الأخيرة من أن الإنفجار الإجتماعي المرتقب هو نتيجة انشغال الإئتلافات الحاكمة منذ 2011 في التموقع وتقاسم الغنائم وفي مواصلة اتّباع الخيارات السياسية اللاشعبية التي أثقلت كاهل الشعب وعمّقت فقر غالبيته ومارست تجاهه الحيف والتجاهل في مقابل ثراء أقلّية حازت على الإمتيازات والتحفيز والثروة.
وسجل في بيانه عجز الدولة عن إيجاد الحلول الناجعة والمناسبة لنسب كبيرة من الشباب الذين فقدوا الأمل في المستقبل، وحمّل السلطات المسؤولية عن هذا الإهمال وعن تداعياته الوخيمة على المجتمع.
وأشار الإتحاد إلى”مشروعية الغضب الذي يعتمل في صفوف شباب تونس الذي أنهكته البطالة والتهميش والفقر والتمييز والحيف الإجتماعي،حيث حطّم الإحباط واليأس معنوياته وعمّقت الوعود الكاذبة والمهاترات السياسية نفوره ونقمته ولم يعد يرى من أفق غير الحرقة أو التسفير أو العنف وهو ما يستدعي فهمه ومعرفة واقعه وتشريح أسباب غضبه بعد عشر سنوات من الإخفاق والتخبّط ، معتبرا الإقتصار على اللجوء إلى الحلول القمعية وزجّ المؤسّسة الأمنية والعسكرية في مواجهة مع الشعب غير مجد، وقاصرا عن إنهاء مشكل مئات الآلاف من الشباب المهمّش فضلا عمّا قد يحدث في أثناء هذه التدخّلات الأمنية من تجاوزات.
بدوره، أدان المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية،في بيان اليوم الإثنين،”الصمت المريب للحكومة واكتفاءها بالمعالجة الأمنية لهذه الإحتجاجات بما يؤكد ضعفها في إدارة الأزمات وغياب أي رؤية لديها في الإنقاذ”.
واكد أن العنف الإقتصادي والتّمييز الإجتماعي ونتيجة الأزمة السياسية والإقتصادية والإجتماعية وضعف أداء الدولة قبل وفي أثناء الجائحة وتخليها عن فئات واسعة من الشعب والأداء المهزوز لنخب سياسية غير مسؤولة وتوحش لوبيات مالية واقتصادية متنفذة قديمة وجديدة إضافة الى التعامل الأمني العنيف مع الإحتجاجات الأخيرة، فاقم الشعور بالخزي والمهانة والتحقير مما مهد لمشاعر الغضب والتعبير عنها بأشكال مختلفة.
وذكّر المنتدى إلى ما سبق أن نبّه إليه من مخاطر تعمّق ظاهرة الإنقطاع عن الدراسة لدى فئة كبيرة من الشباب والأطفال (أكثر من مليون منقطع خلال السنوات العشر الماضية)، كما لفت الإنتباه إلى تفاقم الشعور باللامساواة وعدم الإنصاف وتخلّي الدولة عن دعم الحقوق الصحيّة والتربوية والإقتصادية لدى الشباب ممّا ولّد لديهم احساسا بالغبن و”الحقرة” وبأنّهم مشروع ضحايا عنف يُمارسُ عليهم من طرف الدولة.
وحمّل المنتدى المسؤولية للنخب السياسية التي تداولت على الحكم والتي تواطأت وتسامحت مع الفساد وكرست اقتصاد الريع وسياسة الإفلات من العقاب وعدم المساواة في الحقوق وأمام القانون.