أخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات

على ركح ” قبائل الأزواد” : أي مشهد اقليمي ينذر بإنفجار الساحل الإفريقي ؟

في الوقت الذي تبدو فيه الأمور في شمال مالي تتجه نحو المجهول، إن لم يكن نحو “الصوملة” أو “الأفغنة” ، يدفع الشعب الأزوادي ثمن حرب لا تعود الا بالخسارة، تحكمها مصالح الدول الكبرى ، والأنظمة المحلية وهي ليست سوى امتداد للإستعمار.

بسقوط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا منذ عام 2011، عاد الآلاف من الأزواديين الى الصحراء. وعاد آخرون إلى دول الجوار، موريتانيا، النيجر، مالي…حيث أعلنت حركة تحريرهم استقلال بلاد أزواد.

الأزواد من القبائل الى حلم “الدولة”؟

وفق التقارير المعتمدة يقع إقليم أزواد بين خمس دول هي على التوالي الجزائر، موريتانيا، مالي، بوركينافاسو والنيجر.وتبلغ مساحته 827485 كلم مربعا، ما يمثل سبعين في المئة من مساحة مالي البالغة 1.247.228 كلم مربعا. وهو يضم ثلاث مدن رئيسية ( تمبكتو، غاوا، وكيدال وعدد سكانه يقارب 4 ملايين سخص) ويمكن تمييز ثلاثة مكونات رئيسية وهم قبائل ” الطوارق والعرب والزنج”.

تعوز الدقة الأرقام وبخاصة نسب كل فئة في التركيبة السكانية الإجمالية، لأسباب عديدة أبرزها حالة التشتت والنزوح الدائمين، بسبب الانتفاضات والمواجهات مع الحكومات المالية منذ نالت مالي استقلالها عن فرنسا سنة 1960، حيث لم يهدأ حراك هذا الإقليم طلبا للاستقلال، أو بسبب الأحوال المناخية التي تجبر قسما كبيرا من السكان على الارتحال بحثا عن المرعى والماء.

بعد استقلال مالي عن فرنسا عام 1960 بقيت الأقاليم الشمالية في عزلة عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فثارت الحركات الأزوادية في وجه الحكومة في باماكو، وحملت السلاح عام 1963، للمطالبة بدولة مستقلة عاصمتها كيدال.

وقد قامت ثورة كيدال على مبدأ اندماج العرق الأمازيغي في الصحراء الذي فرقه المستعمر الفرنسي بين مالي والنيجر وبوركينافاسو، لكن نظام الرئيس المالي الأسبق “موديبو كيتا” كان صارما وقاسيا تجاه الانفصاليين، إذ تصدى لهم بأشد أنواع القمع، حتى فرض سيطرته على الإقليم عام 1964 ومن هنا ثارت “قبائل الطوارق ” أو “أمازيغ الصحراء”.

ولم يجد أمازيغ الصحراء دعما من الجزائر في ثورتهم المطالبة بتأسيس دولة عام 1963، رغم أنهم ساعدوا في الثورة الجزائرية، ويرجع موقف الجزائر إلى العلاقات الودية التي كانت تجمع بين بن بلا وموديبو كيتا وتقاسمها الأفكار الاشتراكية حينها.

وقد تزامنت هجرة الأزواد نحو ليبيا والجزائر مع اعتلاء معمر القدافي كرسي الحكم في طرابلس عام 1969، فقام بتجنيد الكثير منهم في مليشيات تتبع لقواته وقد شارك المجندون في عدة عمليات قتالية، وضمن مناطق مختلفة مثل تشاد والصحراء الغربية.

موجة جديدة من الصراع المسلح والمطالبة بالاستقلال عن دولة مالي

بعد عودة المقاتلين من ليبيا عام 1991 بدأت موجات جديدة من الصراع المسلح والمطالبة بالاستقلال عن دولة مالي، وقد ألحق العناصر الذين تدربوا في ليبيا خسائر كبيرة بالجيش المالي، فاقتنعت حكومة الرئيس السابق الجنرال موسى تراوري بضرورة الحوار والاستماع لمطالب الثوار، وأبرمت اتفاقا مع الانفصاليين في تمنراست بالجزائر في ديسمبر 1991، تعهدت الحكومة بموجبه بتخصيص 47.3% من الميزانية التنموية لأقاليم أزواد، ودمج المقاتلين في الجيش، والعمل على تنفيذ نظام لا مركزي يسمح بقدر من الإدارة الذاتية.

كما تعهد الثوار الطوارق نتيجة الاتفاقية المذكورة بالتخلي عن السلاح والمواجهة العسكرية مع الحكومة المركزية في باماكو، وترك المطالبة بالانفصال.

لكن هذا الاتفاق لم يدم طويلا، حيث بدأت المواجهات بين الطرفين في العام نفسه، واتهم الجيش بتنفيذ كثير من المذابح في صفوف سكان الشمال. وقد سعت الجزائر وموريتانيا وقتها إلى جمع الأطراف من جديد في الجزائر عام 1992، وتم التوقيع على الميثاق المعروف بـ”المعاهدة الوطنية”.

وفي 2012 أعلنت الحركة الوطنية قيام “دولة مستقلة” في الشمال المالي، وسيطرت بالكامل على مدن كيدال وتمبكتو وغاو، لكن دول الجوار لم تعترف للأزواديين بدولتهم الوليدة.وفي 2013، بدأت القوات الفرنسية وبمساعدة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ” ايكواس “بعملية عسكرية لإفشال قيام دولة أزواد واستعادة السيطرة على أقاليم الشمال، وطرد حركات مسلحة توصم بالإرهاب بعد أن ساعدت المسلحين الطوارق في السيطرة على شمال مالي.

في ضل  الانقلاب العسكري الذي قاده العقيد “آيسيمي قوتا”  عام 2021 تغيرت الأوضاع السياسية والأمنية وتشكلت خريطة سياسية جديدة في المنطقة تغيرت بموجبها موازين القوى، إذ تم طرد القوات الفرنسية والأممية التي كانت تشرف على العمليات العسكرية في المناطق الشمالية، وهي معاقل الأزواديين والمسلحين الإسلاميين حيث أعلن القائد الجديد أنه لا بد من السيطرة على جميع الأراضي المالية بمافيها كيدال والطوارق وغيرها من أراضي الأزواد

كيف شاركت روسيا في إدارة  العمليات العسكرية في مالي ؟

بعد معارك طاحنة شاركت فيها مجموعة فاغنر الروسية بجانب الجيش المالي، أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي بمالي في 14 نوفمبر 2023 استعادة مدينة كيدال التي سيطر عليها الأزواديون منذ عام 2012.

وفور سيطرة القوات الحكومية على كيدال، أصدرت رئاسة المجلس العسكري مرسوما يقضي حاكما للمدينة، وهو الجنرال “الحاج آغ غامو  ” الذي سبق أن عمل مفتشا عاما للقوات المسلحة و ميادين القتال ومحاربة الجماعات المسلحة.

منذ بداية العام 2024 أعلنت الحكومة المالية خروجها من اتفاق الجزائر 2015 معتبرة أنه يعطي شبه حكم ذاتي للحركات الأزوادية، وأعلنت أنها ستقوم بحوار ومصالحة داخلية لا دخل فيها لأطراف خارجية مؤكدة عزمها على وحدة الأراضي المالية.

وفي تصريحات لرئيس الحركة الوطنية لتحرير أزواد ، قال بلال أغ الشريف إن “سيطرة الجيش المالي و فاغنر حدث، ولكن ستتبعه أحداث وأحداث”.

وأضاف أغ الشريف أن الأزواديين لن يستسلموا وأمامهم وقت طويل للإرادة والانتصار، وأنهم مصرون على الدفاع عن وجودهم.

الى أين تتجه الصراعات الدموية في ضل التحركات الإرهابية؟

مع تجدد الصراعات الدامية أعلنت تنسيقية الحركات الأزوادية في شمال مالي أنها قتلت 98 جنديا من قوات الجيش في اشتباكات وقعت الخميس الماضي وسط البلاد.

وقالت الحركات إنها استهدفت ثكنة للجيش ومجموعة فاغنر الروسية في منطقة موبتي وسط مالي، وإن الهجوم الذي نفذته أسفر عن جرح عشرات الجنود وأسر 5. كما أوضحت أنها أطلقت سراح الجرحى من أسرى الجيش واستولت على كميات من العتاد والذخائر.

وكان الجيش المالي أكد أن معسكره في ديورا بمنطقة موبتي قد تعرض لهجوم وشهدت مالي الأسبوع الماضي أيضا هجوما آخر استهدف ثكنة للجيش قرب مدينة تمبكتو التاريخية شمالي البلاد، حيث أعلنت جماعة مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة  أنها شنت هجوما على ثكنة عسكرية للجيش، ونشرت صورا لذخائر ومركبات عسكرية للجيش المالي قالت إنها استولت عليها خلال الهجوم.

وكانت تنسيقية الحركات الأزوادية أعلنت مؤخرا أنها أصبحت في حالة حرب مع المجلس العسكري الحاكم في البلاد، ودعت التنسيقية سكان الإقليم للتوجه إلى ساحات القتال “لحماية الوطن والدفاع عنه”.

في 24 من جويلية أعلن محمد المولود رمضان الناطق الرسمي باسم الإطار الاستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي :أن  ثوار أزواد اعلنوا انتصارا كبيراً على جيش مالي المدعوم بفاغنر الروسية “

 يبدو أن عددا من الفاعلين كان ينتظر الفرصة للظهور مرة على مسرح الأحداث من جديد، في بلد يصعب فيه حصر الحركات المسلحة التي تتوالد بشكل غريب، ومن أبرز الحركات المنخرطة في المواجهات الراهنة:

  • تنسيقية الحركات الأزوادية، وتشكل عددا من الحركات التي وقعت على اتفاقية السلام في الجزائر عام 2015.
  • جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”- فرع القاعدة في الساحل، وهي من أبرز المنخرطين في الحرب الحالية.
  • تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، والذي كان يُعرف في السابق بالجماعة السلفية للدعوة والقتال، والذي بايع تنظيم القاعدة خلال العام 2006.

ستبقى الصحراء مستباحة وستبقى وجهة مفضلة للجماعات الإرهابية، ومجموعات أخرى من تجار البشر والمخدرات والواقع أن هذه الآمال لا تزال بعيدة الآن بعد تفجر الحرب في السودان، التي رفعت سقف طموحات الجماعات المسلحة التي تتطلع إلى مجال أوسع لممارسة الفوضى تبدأ حدوده من السودان على البحر الأحمر وتنتهي بالسنغال على سواحل المحيط الأطلسي غربا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق