عرض نقدي لمقال بعنوان: “تغير جذري في الشرق الأوسط”

إعداد: رضوى الشريف منسق وحدة شؤون الشرق الأوسط
قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 11-03-2025
نُشر مقال بعنوان “A Paradigm Shift for the Middle East: How
Trump Can Build on Israel’s Success and Keep Iran Off Balance”، للمؤلف السياسي، إليوت أبرامز في 12 فبراير 2025، ليعرض تحليلاً عميقًا للتحولات الاستراتيجية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث يتناول المقال تأثير السياسات الأمريكية على موازين القوى في المنطقة، مع التركيز على العلاقة بين الولايات المتحدة وكل من إسرائيل وإيران.
ومن خلال عرضه للأبعاد المختلفة لهذه السياسات، يستعرض أبرامز تأثير الضغط الذي مارسته واشنطن على طهران، وما يمكن أن يترتب على ذلك من تغييرات جذرية في المنطقة، كما يسلط الضوء على الفرص الجديدة التي قد تنشأ نتيجة لهذا الضغط، والتي يمكن استغلالها لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها، بما يساهم في إعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية.
يربط أبرامز بين ما يعتبره “نجاحات” إسرائيل في مواجهة التوسع الإيراني، وأثر ذلك في إعادة تشكيل التوازن الاستراتيجي في المنطقة، ويعرض المقال بشكل خاص الدور المحوري الذي تلعبه الولايات المتحدة في هذا السياق، من خلال دعم حلفائها التقليديين وتقييد نفوذ الخصوم، كما يسلط الضوء على انهيار نظام الأسد في سوريا، وما يترتب على ذلك من تحولات في العلاقات الإقليمية، بما في ذلك التغيرات المحتملة في ملف الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
التعريف بالكاتب
إليوت أبرامز هو خبير في السياسة الخارجية والشؤون الدولية، ويعمل حاليًا كزميل كبير لدراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، ويشتهر أبرامز بتخصصه في شؤون الشرق الأوسط والسياسة الأمريكية في المنطقة.
شغل أبرامز عدة مناصب رفيعة في الحكومة الأمريكية، بما في ذلك في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الأمريكية خلال إدارتي الرئيسين رونالد ريغان وجورج بوش الاب، كما تولى منصب الممثل الخاص لإيران وفنزويلا في الإدارة الأولى للرئيس دونالد ترامب، وفي عام 2023، تم تعيينه في اللجنة الاستشارية الأمريكية للدبلوماسية العامة.
بالإضافة إلى عمله الحكومي، يُعتبر آبرامز مؤلفًا للعديد من الكتب والمقالات حول السياسة الخارجية الأمريكية، ومن أبرز مؤلفاته كتاب “مُختبر من قبل صهيون: إدارة بوش والصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، فضلاً عن العديد من الكتب الأخرى.
في هذا الإطار، يستفيد أبرامز من خبرته الطويلة في العمل ضمن مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الأمريكية ليقدم تحليلاً دقيقًا للأوضاع الراهنة. وفي مقاله الأخير “تغير جذري في الشرق الأوسط”، يوضح أن على الإدارة الأمريكية الاستفادة من الوضع القائم، حيث يمكنها من خلال تحجيم النفوذ الإيراني وتعزيز تحالفاتها أن تضمن استقرار المنطقة، وهذا يعكس رؤية أبرامز الاستراتيجية التي تتطلع إلى تقوية موقف الولايات المتحدة في مواجهة التحديات المتزايدة في الشرق الأوسط، بما يساهم في تحقيق أهداف استراتيجية طويلة الأمد.
العرض العام للمقال
يتناول إليوت أبرامز في مقاله “تحول جذري في الشرق الأوسط” تقييماً شاملاً للوضع في المنطقة في ضوء التطورات الأخيرة التي شهدها الشرق الأوسط، حيث يستعرض أبرامز التحديات الكبرى التي تواجهها المنطقة، مثل التقدم الإيراني نحو امتلاك الأسلحة النووية، فضلاً عن تحالفاتها المتزايدة مع الصين وروسيا.
في المقابل، يناقش المقال الفرص المتاحة في المنطقة، أبرزها تقدم إسرائيل في التصدي لتهديدات “حزب الله” و”حماس”، فضلاً عن انهيار نظام بشار الأسد في سوريا الذي أسهم في تغيير التوازنات الإقليمية.
وفي هذا السياق، يرى أبرامز أن الوضع الراهن يوفر للولايات المتحدة فرصة لتغيير استراتيجياتها في الشرق الأوسط، كما يشير إلى أن إدارة ترامب قد تستفيد من النجاحات الإسرائيلية، مثل القضاء على تهديدات “حزب الله” و”حماس”، في محاولة لإعادة تشكيل التوازن الاستراتيجي في المنطقة، حيث يشير أبرامز على أن هذا التحول قد يتيح للولايات المتحدة إعادة تعريف دورها في الشرق الأوسط بعيدًا عن سياسة الاستقرار التقليدية التي سادت في فترات سابقة.
يعكس المقال بوضوح التوجهات الكبرى التي قد تتبعها الولايات المتحدة في سياستها الإقليمية، حيث يشير أبرامز إلى ضرورة تبني سياسة أكثر مرونة وطموحًا، تتجاوز الحفاظ على الوضع الراهن الذي يعزز نفوذ القوى المعادية مثل إيران، فضلاً عن طرحه لضرورة اتباع سياسة “التعزيز” لحماية مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
العرض التفصيلي للمقال
يتناول أبرامز في مقاله تفاصيل دقيقة تتعلق بتطورات الوضع في الشرق الأوسط في إطار مجموعة من النقاط المحورية:
- تقييم الوضع الإيراني في العام 2024-2025: يبدأ أبرامز بتقديم صورة دقيقة عن التقدم السريع الذي حققته إيران في برنامجها النووي، ويشير إلى تعزيز قدرة إيران الاقتصادية بفضل المساعدات الصينية، بالإضافة إلى تقوية علاقاتها العسكرية والسياسية مع روسيا والصين، مما يرفع من قوتها على الساحة الدولية.
- تقدم إسرائيل ضد وكلاء إيران: بعد استعراض التهديدات الإيرانية، يتناول أبرامز نجاحات إسرائيل العسكرية في تقليص قوة “حزب الله” و”حماس” في لبنان وغزة، ويشير إلى أن هذه النجاحات قد تفتح المجال لتحقيق أهداف إستراتيجية أوسع مثل القضاء على “حلقة النار” الإيرانية التي تهدد أمن إسرائيل.
- السياسة الأمريكية تحت إدارة ترامب: يعرض أبرامز كيف أن الإدارة الأمريكية الحالية قد تخطت سياسات الاستقرار التي اعتمدتها الإدارات السابقة، واتبعت استراتيجية أكثر شدة تهدف إلى “إضعاف” خصومها. ويرى أبرامز أن هذا التوجه يفتح المجال أمام الولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها مع دول المنطقة خاصة دول الخليج، مع تقوية موقف إسرائيل العسكري في المنطقة.
- التعامل مع الملف النووي الإيراني: يناقش أبرامز في هذا الجزء من مقاله خطورة المشروع النووي الإيراني، ويعرض خطط إدارة ترامب لمواجهة طهران، والتي تشمل تشديد العقوبات الاقتصادية، والضغط على الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإجراء فحوصات دقيقة على المنشآت الإيرانية، بالإضافة إلى الاستعداد العسكري في حال عدم الامتثال.
- الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي: يعرض أبرامز تقييمه للقضية الفلسطينية في ظل السياسة الأمريكية الجديدة، ويشير إلى صعوبة الحل في الوقت الراهن، ويرى أن الولايات المتحدة قد تجد سبلًا لدعم الحكم الذاتي الفلسطيني بطريقة تضمن أمن إسرائيل، دون تقديم حلول جذرية لقضية قد تؤثر على العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.
- التغيرات المحتملة في لبنان وسوريا: يناقش أبرامز كيف يمكن أن تشهد لبنان وسوريا تغييرات دراماتيكية في المستقبل إذا نجحت القوى الخارجية، بما فيها الولايات المتحدة، في إضعاف وجود إيران في هذين البلدين، ويشير إلى أهمية فرض عقوبات على الجيش اللبناني إذا لم يلتزم بنزع سلاح “حزب الله”، مع التركيز على احتمالية تأسيس حكومة جديدة في سوريا بعد انهيار نظام الأسد.
النقد التحليلي للمقال
نقاط القوة في المقال:
- التحليل الإستراتيجي المدروس: يبرز المقال تقديم تحليل دقيق ومعمق للوضع الراهن في الشرق الأوسط، ويشمل تقديم حلول واقعية للتعامل مع التحديات في المنطقة، خصوصًا فيما يتعلق بإيران ولبنان وسوريا.
- التوجه الواقعي: يتميز المقال بتقديم رؤية استراتيجية عملية تتجاوز سياسة “الاستقرار” التي كانت معتمدة سابقًا، ويسلط الضوء على مرونة وتطور السياسة الأمريكية في التعامل مع الأزمات.
- التركيز على تحالفات الولايات المتحدة: يبرز المقال أهمية تعزيز تحالفات الولايات المتحدة مع الدول العربية خاصة السعودية، مما يسهم في خلق شبكة من الدعم الإقليمي ويعزز موقف واشنطن في المنطقة.
نقاط الضعف في المقال:
- التوجه المتطرف نحو الحلول العسكرية: على الرغم من أن المقال يقدم بعض الحلول العسكرية لمواجهة التهديدات الإقليمية، إلا أن التركيز على استخدام القوة العسكرية قد يمثل تهديدًا للمزيد من التصعيد في المنطقة. ففي وقت تتصاعد فيه الحروب، قد يكون الاعتماد على القوة العسكرية محفوفًا بالمخاطر.
- تقليل أهمية القضية الفلسطينية: يعالج أبرامز القضية الفلسطينية بشكل غير موسع، ويعتبرها عقبة في تحسين العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، دون تقديم حلول جذرية قد تسهم في إيجاد تسوية مستدامة.
- افتقار إلى التفاصيل حول التحركات الأمريكية في سوريا: يكتفي أبرامز بالإشارة إلى ضرورة تأمين سوريا بعد انهيار نظام الأسد، ولكنه لا يقدم تفاصيل كافية حول كيفية دعم التحولات السياسية في سوريا، مما يترك القارئ مع شعور بعدم استكمال الموضوع بشكل وافي.
في الختام:
يعد مقال إليوت أبرامز طرحًا استراتيجيًا يعكس منظورًا أميركيًا-إسرائيليًا للتطورات في الشرق الأوسط، إلا أنه يعاني من تحيز واضح لصالح إسرائيل وإغفال للعديد من العوامل الإقليمية المهمة، إذ يقدم المقال تصورًا يتسم بالمبالغة في توصيف الانتصارات الإسرائيلية والتقليل من تعقيد المشهد الإقليمي، حيث نجاح إسرائيل في تحقيق مكاسب عسكرية لم يترجم إلى استقرار إقليمي، واستراتيجية “الضغوط القصوى” على إيران لم تؤدِ إلى انهيارها، بل زادت من عدائيتها، وتحالفات التطبيع لا تزال تفتقر إلى الأسس الصلبة لضمان استدامتها، كما أن السياسات الأميركية خلال تلك الفترة لم تراعِ الأبعاد بعيدة المدى للاستقرار، بل ركزت على المكاسب السياسية قصيرة الأمد، ما يجعل نجاحها محل شك.
حتى بالرغم من قوة التحليل من حيث ربط المتغيرات الجيوسياسية، إلا أن استنتاجاته تبدو مبالغ فيها، خاصة فيما يتعلق بإمكانية إحداث “تحول جذري” بسهولة؛ حيث تتطلب التطورات في الشرق الأوسط رؤية أكثر شمولًا تأخذ بعين الاعتبار الديناميكيات الداخلية للدول العربية، وردود الفعل للشعوب، والتوازنات الدولية المعقدة، وليس فقط الحسابات السياسية والعسكرية الأميركية والإسرائيلية.
وبالتالي، فإن التحليل يبدو أقرب إلى طرح دعائي يخدم التوجهات اليمينية في السياسة الأميركية، أكثر من كونه رؤية واقعية للتحولات في الشرق الأوسط، وهو ما يقلل من مصداقية طرحه كتحليل استراتيجي شامل للوضع في الشرق الأوسط.
لينك المقال:
[1] Abrams, Elliott. “A Paradigm Shift for the Middle East.” Foreign Affairs, February 12, 2025. https://www.foreignaffairs.com/united-states/paradigm-shift-middle-east-trump-israel-iran