طرابلس الغرب ووهم حلّ المليشيات الإجرامية المسلحة
بقلم الكاتب الليبي والخبير في شؤون مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة : يوسف بن داوود – “طرابلس – ليبيا”
جاء فجر يوم الجمعة الدامي 25 سبتمبر 2020، ليسقط ورقة التوت عن عورات وأكاذيب بل وأساطير وزارتي الدفاع والداخلية بحكومة “الوفاق” الليبية، عمّا أسموه الشروع في حل المليشيات المسلحة ونزع سلاحها.
استيقظ أهالي ومواطنو منطقة تاجوراء في تخوم طرابلس على معركة دامية حامية الوطيس ما بين مليشيا “الضمان” ومليشيا”أسود تاجوراء” بسبب مقتل اثنين من عناصر مليشيا “أسود تاجوراء” وهما نادر الأزرق وأحمد طواقة، بنيران عناصر من مليشيا “الضمان”.
ما هي إلا دقائق معدودة حتى تحولت تاجوراء بكامل أحيائها إلى ساحة حرب استعملت فيها كل الأسلحة من الخفيفة إلى المتوسطة وحتى الثقيلة داخل الأحياء المأهولة بالسكان.. المفارقة أن هذه الميليشيات هي تنتمي إلى ما يسمى بقوات “بركان الغضب” التابعة لحكومة “الوفاق”.
بعيد انطلاق الإشتباكات اختفت كل القوى الأمنية التابعة لوزارة الداخلية من مديرية أمن إلى أجهزة أمنية، وتزامن اختفاؤها مع اختفاء كل ما يمكن أن نسميه قوى تابعة لوزارة الدفاع، لتكون تاجوراء بقاطنيها تحت رحمة مجرمين متعاطين للخمور والمخدرات رسموا لأنفسهم “الشرعية”، شرعية الأمر الواقع بفوهات البنادق.. فهم “الثوار” الذين لا يشق لهم غبار!
وبرغم أن تاجوراء لا تبعد عن قلب طرابلس العاصمة سواء 15 عشر دقيقة بالسيارة ، اختفت في لحظة كل الأجسام الوهمية التي صنعها وزير الداخلية ليرسم في أذهان العالم صورة رجل ليبيا القوي القادر على حل الميليشيات ونزع سلاحها ، وهي التي تقع تحت سلطاته وتسبح بحمده ورضاه آناء الليل وأطراف النهار، و لم تُشاهَد سيارة شرطة واحدة تسير حتى في الطريق العام المؤدي إلى تاجوراء، بل صمت الوزير صمت الأموات ولم يتجرأ على أن يدون حتى تغريدة على توتير كما عودنا في أحداث كثيرة!
خرج بعدها وزير الدفاع في بوست على صفحة الوزارة على موقع فيسبوك يكتب عن حل هذه الميليشيات المتقاتلة وأنه أحال آمرها إلى المدعي العام العسكري للتحقيق وأنه كلف قوة مكافحة الإرهاب بفض الإشتباك، و كأن الأمر هو رسالة للقوى الخارجية وليس لمواطني تاجوراء المكلومة بحرب الميليشيات وإرهابها، فأهالي تاجوراء بل كل الليبيين يعلمون أن لا وزير الداخلية ولا وزير الدفاع قادران على حل هذه الميليشيات أو إصادر أمر لها أو حتى الإقتراب من الحدود الإدارية لتاجوراء برغم أنها على تخوم طرابس العاصمة ، و لكن كان غرض البوست هو محاولة القول لقوى العالم الخارجي:نحن هنا ونسيطر على الأوضاع ، للمضي قدماً في أوهام القدرة على حل الميليشيات ونزع سلاحها وكأن العالم لا يعلم أن بسبب مقتل اثنين من ميليشيا تاجوراء دارت حرب سقط فيها أربعون قتيلاً في ساعات معدودة ، فيا ترى كم قتيلا سيسقط لو حاول فعلاً باش آغا أو النمروش مجرد الإقتراب من مقار هذه الميليشيات وليس نزع سلاحها أو حلها ؟
للمرة الألف بعد المليون نكرر أن المشكل في ليبيا هو مشكل أمني بحث وليس مشكلا سياسيا ، لكي نرى المفاوضات هنا وهناك، وتحرك الوفود تتحرك من بوزنيقة إلى سوتشي إلى القاهرة إلى باريس ، فالأمر ليس خلافاً ما بين أحزاب سياسية تحتكم لصندوق الإنتخاب ، بقدر ما هو تسلط ميليشيات إرهابية ترهب الشعب منتهجة أسلوب: أحكمكم أو أقتلكم .
للأسف جل ما نسمعه ونراه سواء من وساطات إقليمية أو دولية هو بعيد كل البعد عن واقع المشكل الليبي ، بل إن الكثير من الدول يبدو أن لديها خللاً في منظومة أمنها القومي وأجهزتها المخابراتية، فهي لا تنقل لها حقيقة ما يجري ، فأصبح متخذو القرار يلهثون وراء الأوهام التي ستجعلهم قريباً يصطدمون بالواقع .
الحل الوحيد والمجدي الذي سيجعل معالم وملامح الدولة تعود إلى ليبيا وستجعلها بيئة طاردة للإرهاب ، جاذبة للإستقرار، مؤثرة بشكل إيجابي على محيطها الإقليمي والدولي، هو القضاء على الميليشيات، والقضاء على الميليشيات يستوجب استعمال قوة القانون وقانون القوة في آن واحد، وهذا يتطلب مواجهة مسلحة واجبة وليس أماني وأمنيات وأوهاما يسوقها البعض لغايات وأطماع سلطوية لا أكثر .
نعلم جيداً أن العديد من الأطراف لا تريد الدخول في مستنقع حرب ليبيا أو أن هنالك خشية من مواجهة أطراف دولية بعينها ، فأن تمتلك السلاح المتطور والتصنيفات العالمية المتقدمة في قوائم الجيوش وأنت لا تمتلك الجندي الذي يقاتل بعقيدة قوية راسخة فحتماً ستكون حربك خاسرة، فالحروب ليست استعراضات تلفزيونية، ولكن إن كنت تريد السلام فيجب أن تستعد للحرب..هذه المقولة هي بمثابة قانون في عوالم وفنون خلق الإستقرار .
للحديث بقية … فقد فضحت معركة ميليشيات تاجوراء أكاذيب وأساطير وأوهام التائهين.…