أخبار العالمبحوث ودراسات

“صهينة المجتمعات ومؤامرة الصمت،صرخة شعب هل من ملاذ ؟”

فاتن جباري قسم العلاقات الدولية و الشؤون الاستراتيجية

تقديم :

كشفت الحرب المدمرة التي يشنها الكيان الصهيوني ضد ابناء الشعب الفلسطيني أن القوة المعيارية والأخلاقية قد فسدت…،وأن اسرائيل أرادت أن تكمم أفواه الجميع مستعرضة كل مظاهر التوحش والتقتيل والإبادة والتهجير ضاربة عرض الحائط كل فكر إنساني مناصر لحق الأنسان في الحياة وهي رسالة واضحة لكل دولة معادية لهذا الكيان الغاصب وخصوصا المجتمعات العربية و الضعيفة منها.

إن الحقوق التي كان يكفلها القانون الدولي الإنساني والشرعة الدولية لحقوق الإنسان لم تكن في صالح الطرف الضعيف بقدر ما كانت مجرد شعارات واهية بل حبرا على ورق.لقد كشفت الاحداث الأخيرة أن القوى والحكومات الغربية كانت درعا متينا ضد احتجاجات الجماهير الغربية التي حملت علم فلسطين مطالبة المجتمع الدولي بوقف العدوان أمام مؤامرة الصمت كما هو الحال في فرنسا وبريطانيا ولندن بحجة معاداة السامية او دعم الإرهاب وقمع الاحتجاجات وتتالي الإيقافاتبما يشكل تهديدا واضحا لحرية التعبير والفكر و الرأي العام الغربي في دعم حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه وهو تدمير لمرتكزاته الفكرية والسياسية والحقوقية بسبب الاتجاه نحو صَهْيَنَة المجتمع الغربي، والتضييق على حرية الأفراد والجماعات في التعبير عن الرأي وإدانة جرائم الاحتلال الإسرائيلي وسياساته في التطهير العرقي والإبادة الجماعية وبين ذلك وذلك تصمت كل قوانين الأرض ويصمت الحكام و يصرخ ابناء الشعب الصامد هل من ملاذ؟

أولا – صَهْيَنَة المجتمع الغربي

لقد أصبحت أُسُس القوة المعيارية للعالم الغربي أنه مَنْ ليس مع إسرائيل فهو ضدنا  أي ضد العالم الغربي، ومن لا يُدين حماس فهو إرهابي، ومن يتعاطف مع أهل غزة فهو يكره إسرائيل ويدعم الإخوان المسلمين، ومن يتظاهر لوقف الحرب على غزة فهو ضد مصالح الأمن الدولي وكل من يُدِين إسرائيل فهو معاد للسامية و بالتالي فأن كل إدانة للصهيونية فهو مارق عن المجتمع الغربي .

في سياق هذه الحالة الاستثنائية، التي تعيشها القوة المعيارية والأخلاقية للدول الداعمة لإسرائيل وإنتاجها لسلسلة من المعايير الجديدة ، لم يعد مسموحًا للرأي الآخرالمخالف أو المعارض بالتعبير عن أفكاره ووجهة نظره، بل يُراد له ألا يكون مواليا الا للإدارة السياسية الحاكمة في تلك الدول، لذلك تحاصره سياسيًّا وإعلاميًّا وقانونيًّا في المجال العام وحتى الأكاديمي.

لطالما تغنى الغرب بأكذوبة الديمقراطية الزائفة لكن  هذا التراث الفكري والسياسي والحقوقي للحريات بدأ يتفكَّك ويتهشم في سياق الحرب الإسرائيلية-الأميركية على قطاع غزة، ويميل بشدة نحو ما يمكن تسميته بـ”صَهْيَنَة الرأي والتعبير” بدل الحرية المقدسة للرأي والتعبير، التي لا يمكن التخلي عنها والتفريط فيها من أجل دعم الاضطهاد والإبادة الجماعية. وتتجسد هذه الصَّهْيَنَة للرأي والتعبير في مقولة “مَن ليس مع إسرائيل فهو ضدنا”

وهنا، يصبح انتقاد الاحتلال الإسرائيلي وجرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني معاداة للسامية؛ إذ يُراد للرأي الآخر المخالف أو المعارض للإدارة السياسية الأميركية والغربية عمومًا أن يكون معتقدًا ومؤمنًا بحق هذا الاحتلال في القضاء على المقاومة الفلسطينية ومحوها من على خريطة القطاع والضفة الغربية، واجتثاث أصحاب الأرض وتهجيرهم والقضاء على تاريخهم وثقافتهم ولذلك لا يُشترط  بايدن- أن يكون المرء يهوديًّا ليصبح صهيونيًّا، بل إن الأساس في الصهيونية هو الاعتقاد بحق إسرائيل في الاستعمار الاستيطاني الذي يسمى اليوم “الدفاع عن النفس لدى اسرائيل”، ونزع الصفة الإنسانية عن السكان الأصليين وارتكاب جرائم الإبادة في حقهم دون ادنى اعتراف لحق الشعب المسلوب .

هو المنظور الذي يُؤسِّس لصَهْيَنَة المجتمع الغربي سياسيًّا وقانونيًّا وإعلاميًّا دون النظر إلى جذور وجوهر المشكلة التي تتمثَّل في الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية لنيل حقوقه كما تقر بها المواثيق الدولية الصادرة حتى عن مجالس حقوق الأنسان و الأمن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية .

قيود التضييق على حرية الرأي والتعبير تتمدد وتشتد بشكل غير مسبوق،  في كل وسائل الإعلام والشبكات الدولية  التي تُقرر التحقيق في منشورات الصحفيين الذين نشروا تغريدات حول العدوان الإسرائيلي على غزة، وتُصدر قرارًا بوقفهم عن العمل وكذلك أوقفت إحدى القنوات الأميركية من برامج الشبكة منذ الهجوم الواسع الذي شنَّته كتائب القسام في عمق التجمع الاستيطاني حينما تم إدانة الرد الصهيوني  .صحيفة لوغارديان البريطانية حضرت كاريكاتيرًا للرسام ستيف بيل الذي وصف رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهوهذا ناهيك عن التمييز الرقمي والتضييق الواسع الذي تمارسه شبكات التواصل الاجتماعي ضد الرواية الفلسطينية بالتعاون مع الألة الصهيونية الرقمية.

بالموازاة مع تشديد قيود التضييق على حرية الرأي والتعبير، يواجه حق التظاهر والتضامن مع الشعب الفلسطيني إجراءات تقييدية بشكل غير مسبوق، وهو ما دفع فرنسا وبريطانيا وألمانيا ودولًا أخرى إلى إصدار تعليمات تحظر المظاهرات التي تُعبِّر عن إدانتها لجرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وتؤيد حقه في نيل حريته وإقامة دولته المستقلة.

ثانيا – تدمير النموذج الغربي المناصر لحقوق الأنسان

يشير هذا الواقع الجديد إلى اتجاه المنظومة السياسية الغربية إلى فرض خطاب أحادي وصهينة الرأي والتعبير ومنع الاختلاف في الرأي، والحيلولة دون وصول وجهات النظر المخالفة والمعارضة إلى الرأي العام وتداول أفكارها وتصوراتها عن القضية الفلسطينية في المجال العام التقليدي والرقمي. لذلك تتقلص مساحة النقاش العقلاني والحر إذ يبدو الإعلام الغربي مشغولًا بإدانة حماس والمقاومة الفلسطينية سواء في البرامج الإخبارية أو الحوارية ولا يسأل عن قانونية الجرائم التي يرتكبها الاحتلال أو إدانة أعماله التطهيرية وسياسته الممنهجة في الإبادة الجماعية عبر تدمير البيوت على رؤوس سكانها وقصف المستشفيات دون أي اعتبار لأخلاقيات الحروب.

 وقد يتطور هذا التضييق على الحريات إلى قوانين تُجرِّم الرأي المخالف والمعارض للإدارة السياسية في المسألة الفلسطينية، وهو ما يحتاج إلى تعديلات دستورية تخطط لها الحكومات المعنيةلصهينة الحريات السياسية والمدنية في الدول الغربية إشباعًا للاحتياجات الإسرائيلية في قضم الأراضي الفلسطينية والتطهير العرقي للسكان الأصليين وإحلال المهاجرين مكانهم في المستوطنات.

 كما أن حق الاجتماع والتظاهر السلمي في المؤسسات الجامعية، أو في الفضاءات العامة، أصبح مخالفًا للقوانين واللوائح التنظيمية. أما التضامن والمطالبة بوقف الحرب على غزة، وإدانة الاضطهاد والجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني والتنديد بسياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية، فكل ذلك يُعد دعمًا للإرهاب ومعاداة للسامية 

خلاصة :

إن سلوك الاحتلال الإسرائيلي، وسياساته الإجرامية في التطهير العرقي والإبادة الجماعية بدعم من الولايات المتحدة الأميركية والعالم الغربي تمثِّل الخطر الداهم على القانون الدولي الإنساني والشرعة الدولية لحقوق الإنسان إذ ستصبح الآلة العسكرية والقنابل المحرمة دوليًّا والتطهير العرقي والإبادة الجماعية هي الأدوات البديلة لحل النزاعات والصراعات في العالم بالطرق السلمية ، وليست الدول الغربية وحدها من تسعى وراء صهينة المجتمع الغربي بل كثيرة هي الدول العربية التي ساند حكامها سرا و علانية المجازر التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني على غزة في نكران لقيم العروبة بل للفكر العربي الإسلامي و الاعتداء على المقدسات كأولى قبلة المسلمين وثالث الحرمين الشريفين .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق