صعود “حزب البديل من أجل ألمانيا”: زلزال سياسي يعيد تشكيل المشهد الألماني ويهدد الاستقرار والديمقراطية
إعداد صبرين العجرودي قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 02-09-2024
كشفت النتائج الأولية لاستطلاعات الرأي عن تحقيق حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف لأول مرة انتصاراً في انتخابات إقليمية. ففي ولاية تورينغن، حصل الحزب على نسبة تتراوح بين 30.5% و33.5% من الأصوات، مما يعكس تصاعداً ملحوظاً في شعبيته.
وأشارت الاستطلاعات أيضًا إلى تقارب كبير في النتائج بين “البديل من أجل ألمانيا” و”حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي” في ولاية ساكسونيا، حيث أُجريت انتخابات إقليمية أخرى في نفس اليوم. أما حزب المستشار أولاف شولتز، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، فقد سجل أداءً متواضعاً للغاية، حيث حصل على نسبة تتراوح بين 6.5% و8.5% من الأصوات في كلا الولايتين.
الجدير بالذكر أن استطلاعات الرأي كانت قد توقعت تفوق “البديل من أجل ألمانيا” في تورينغن، حيث تصدر القائمة، بينما جاء بفارق ضئيل في المرتبة الثانية في ساكسونيا. كما أشارت الاستطلاعات إلى تحقيق حزب اليسار المتطرف الجديد “بي إس في” نتائج قوية، وهو ما يعكس استياءاً شعبياً متزايداً تجاه الحكومة الفيدرالية في برلين وسياساتها، خاصة فيما يتعلق بالدعم العسكري لأوكرانيا.
هذا الانتصار لحزب “البديل من أجل ألمانيا” قد يُعتبر نقطة تحول مهمة في السياسة الألمانية منذ الحرب العالمية الثانية، وسيشكل توبيخاً قوياً للمستشار شولتز قبل الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في عام 2025. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الانتصار الانتخابي، فإن من غير المرجح أن يتولى الحزب اليميني المتطرف السلطة الإقليمية، نظراً لرفض الأحزاب الأخرى التحالف معه لتشكيل حكومة إقليمية.
حزب البديل من أجل ألمانيا
تأسس حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) عام 2013، وهو حزب سياسي ألماني يميني متطرف بدأ كمجموعة تعارض اليورو وتركز على القضايا الاقتصادية، لكنه سرعان ما تحول نحو مواقف قومية متشددة ومعادية للهجرة، ما جعله يجذب شريحة من الناخبين المستائين من سياسات الأحزاب التقليدية.
ويتبنى الحزب مواقف صارمة ضد الهجرة غير النظامية ويعارض سياسة اللجوء الليبرالية، خاصة تلك التي اتبعتها ألمانيا خلال أزمة اللاجئين في عام 2015. كما يدعو إلى تقليص صلاحيات الاتحاد الأوروبي وإعادة السلطة إلى الدول الأعضاء، ويرفض بشدة أي خطط لإنقاذ دول منطقة اليورو التي تعاني من أزمات مالية.
أمّا على مستوى السياسة الداخلية، يروج الحزب لقيم قومية تقليدية ويطالب بتعزيز الأمن الداخلي ويعارض قوانين يرى أنها تحد من حرية التعبير بحجة مكافحة الكراهية. وعلى الصعيد الخارجي، ينتقد الحزب التدخلات العسكرية الألمانية في الخارج ويرفض الدعم العسكري لأوكرانيا في نزاعها مع روسيا. أما في قضايا المناخ والبيئة، فإن الحزب يشكك في السياسات البيئية ويدين ما يصفه بـ «هستيريا المناخ”، رافضاً التوجهات البيئية التي تتطلب تغييرات اقتصادية جذرية.
ورغم تحقيقه نجاحات كبيرة في الانتخابات المحلية والوطنية، خصوصاً في الولايات الشرقية من ألمانيا، لا يزال حزب “البديل من أجل ألمانيا” مثيراً للجدل، حيث ترفض الأحزاب الرئيسية التعاون معه، معتبرة إياه تهديداً للقيم الديمقراطية الليبرالية في البلاد.
استياء شعبي وتغيرات اجتماعية
يمكن تفسير فوز حزب “البديل من أجل ألمانيا” بمجموعة من العوامل التي تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية. من بينها الاستياء من النخب السياسية حيث لعب دوراً محورياً، إذ يشعر عدد متزايد من الألمان بأن الأحزاب التقليدية لم تعد تمثل مصالحهم، بل أصبحت متصلة بنخبة سياسية واقتصادية بعيدة عن واقعهم اليومي. هذا الاستياء تغذى من تزايد عدم الثقة في المؤسسات الحكومية وسياسات الاتحاد الأوروبي، التي يُنظر إليها من قبل البعض على أنها تخدم مصالح الشركات الكبرى والدول الأقوى على حساب المواطنين العاديين.
كما مثلت الأزمات المتعاقبة سببا هاما، مثل أزمة اللاجئين عام 2015 وأزمة جائحة كوفيد-19، حيث زادت من حدة المخاوف الاقتصادية والاجتماعية لدى العديد من الألمان. هذه الأزمات أدت إلى شعور متزايد بالقلق من فقدان الهوية الوطنية وتآكل القيم التقليدية، ما جعل الرسائل الشعبوية والقومية التي يروج لها “البديل من أجل ألمانيا” أكثر جاذبية.
كما أن الحزب استطاع الاستفادة من هذه المخاوف من خلال تبني خطاب يركز على الأمن الداخلي، والهجرة، وانتقاد السياسات الحكومية المتعلقة بالبيئة والطاقة التي تعتبر مكلفة وغير فعالة.
ويشكّل الاستغلال الفعال للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي سببا في نجاح “البديل من أجل ألمانيا” من خلال استخدام هذه الوسائل لنشر رسائله بطريقة مباشرة وجذابة، محققاً تواصلاً فعالاً مع قاعدة واسعة من الناخبين، خصوصاً في المناطق الريفية والولايات الشرقية. هذه المناطق تعاني من مشكلات اقتصادية مثل البطالة وانخفاض مستوى الخدمات، مما يجعلها تربة خصبة لرسائل الحزب التي تنتقد الحكومة وتعد بالتغيير.
أخيرا التغيرات الديموغرافية والسياسية التي يشهدها المجتمع الألماني، حيث يظهر جيل جديد من الناخبين المتشككين في العولمة والتكامل الأوروبي، ويرغبون في العودة إلى سياسات قومية أكثر تحفظاً. هذا التوجه يعكس رغبة في حماية السيادة الوطنية والهوية الثقافية من التأثيرات الخارجية، وهو ما يستغله الحزب ببراعة لتعزيز شعبيته.
بالتالي يعكس فوز “البديل من أجل ألمانيا” تراكماً لعدة عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية تتجاوز التفسيرات السطحية، وتشير إلى تحول أعمق في المزاج العام نحو مزيد من التشدد القومي والشعبوية كرد فعل على التحديات المعاصرة التي تواجهها ألمانيا.
ردود أفعال مناهضة
وأثار فوز حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) في الانتخابات الإقليمية أثار مجموعة واسعة من ردود الأفعال على الصعيدين السياسي والشعبي.
حيث عبّرت العديد من الأحزاب الرئيسية في الوسط السياسي عن قلقها البالغ من تقدم الحزب اليميني المتطرف. كما اعتبر “حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي” (CDU) و”الحزب الاشتراكي الديمقراطي” (SPD) هذا الفوز بمثابة تحذير خطير للسياسة الألمانية، مشيرين إلى تصاعد الشعور الشعبي بالاستياء من سياسات الحكومة الحالية، خاصة فيما يتعلق بالهجرة والاقتصاد. كما أعربت بعض الأحزاب، مثل “حزب الخضر” و”حزب اليسار”، عن مخاوفها من تأثير هذا الفوز على التماسك الاجتماعي والديمقراطية في البلاد.
على الجانب الآخر، استقبل مؤيدو “البديل من أجل ألمانيا” هذه النتائج بحماس، معتبرين أنّها انتصار لإرادة الشعب ورفض لسياسات الأحزاب التقليدية التي يرون أنها تجاهلت مصالح المواطنين العاديين.
ويعتقد أنصار الحزب أن هذا الفوز يشير إلى تحول في المزاج العام تجاه قضايا مثل الهجرة، الاتحاد الأوروبي، والسياسات الاقتصادية، معتبرين أنه يعكس رغبة متزايدة في التغيير والعودة إلى القيم التقليدية.
فيما يتعلق بالإعلام، أثار فوز الحزب جدلاً واسعاً، حيث ركزت التغطيات على تحليل أسباب نجاح “البديل من أجل ألمانيا” وما يعنيه هذا التحول في المشهد السياسي الألماني. بعض المعلقين ربطوا بين هذا النجاح وتزايد عدم الثقة في النخب السياسية والإحباط من السياسات الحكومية، فيما رأى آخرون أنه نتيجة لانتشار الخطاب الشعبوي والقلق من التغيرات الديموغرافية والاقتصادية في البلاد.
بالتالي، يُنظر إلى فوز “البديل من أجل ألمانيا” على أنه مؤشر على التحديات التي تواجهها الديمقراطية الألمانية في ظل تزايد الاستقطاب السياسي، مما يستدعي من الأحزاب التقليدية إعادة تقييم سياساتها واستراتيجياتها لمواجهة هذا التحدي الجديد.
تهديد الاستقرار والديمقراطية الألمانية
يشكل فوز حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) تحدياً كبيراً للأحزاب التقليدية مثل “حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي” (CDU) و”الحزب الاشتراكي الديمقراطي” (SPD)، حيث يبرز الفجوة المتزايدة بين النخب السياسية وشرائح كبيرة من الناخبين الذين يشعرون بأنهم مهمشون أو غير ممثلين. يمكن أن يؤدي ذلك إلى إعادة تقييم سياسات هذه الأحزاب ومحاولة تبني مواقف أكثر تشدداً تجاه القضايا التي يركز عليها “البديل من أجل ألمانيا”، مثل الهجرة والأمن القومي.
أمّا على مستوى التماسك الاجتماعي يمكن لهذا الفوز أن يزيد من الاستقطاب داخل المجتمع الألماني، حيث يعزّز صعود حزب يميني متطرف المخاوف من تصاعد الكراهية والانقسام الاجتماعي، خاصة في القضايا المرتبطة بالهجرة والإسلام. هذا الاستقطاب قد يؤدي إلى مزيد من التوترات بين المجموعات المختلفة داخل المجتمع، مما يهدد السلم الاجتماعي.
وفيما يتعلق بالسياسات العامة، قد يؤثر هذا الفوز على سياسات الحكومة الألمانية تجاه الاتحاد الأوروبي والهجرة. فقد تجد الحكومة نفسها تحت ضغط لتبني سياسات أكثر تحفظاً في هذه المجالات لتجنب فقدان المزيد من الدعم الشعبي لصالح “البديل من أجل ألمانيا”. كما أن هذه النتائج قد تدفع الحكومة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها لدعم أوكرانيا، خاصة أن “البديل من أجل ألمانيا” يعارض بشدة هذه السياسات.
وعلى الصعيد الدولي، يمكن أن يُنظر إلى هذا الفوز على أنه مؤشر على صعود اليمين المتطرف في أوروبا بشكل عام، مما قد يؤثر على علاقات ألمانيا مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. قد تثير هذه النتائج قلقاً في بروكسل والعواصم الأوروبية الأخرى، التي قد تخشى من تأثير هذا الصعود على وحدة الاتحاد الأوروبي ومستقبله.
وعلى مستوى المستقبل السياسي، يمكن أن يكون هذا الفوز مقدمة لتغيرات أوسع في المشهد السياسي الألماني، خاصة مع اقتراب الانتخابات العامة في عام 2025. إذا استمرت شعبية “البديل من أجل ألمانيا” في الارتفاع، فقد يزداد تأثيره على تشكيل الحكومات المستقبلية، مما يضع تحديات كبيرة أمام الديمقراطية الألمانية ويزيد من تعقيد المشهد السياسي في البلاد.