صعود اليمين :خلفيات الأزمة الدبلوماسية بين طوكيو وبيكين قرن من الزمن على “صراع المستقبل” …؟

فاتن جباري قسم البحوث والدراسات 24/11/2025
تقديم:
حذر خبراء ومحللون صينيونمن أن الأزمة بين اليابان والصين هي نتاج لتحول جذري نحو اليمين في اليابان استمر لسنوات، معتبرين أنها جزء من صراع طويل الأمد يجب على الصين أن تستعد له. ويأتي هذا التقييم في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين البلدين تدهورا حادا بسبب تصريح رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي في وقت سابق من هذا الشهر بأن صراعا افتراضيا في تايوان من شأنه أن يؤدي إلى رد عسكري من طوكيو.
واستدعت هذه التعليقات ردات فعل اقتصادية وانتقادات يومية غاضبة، بما في ذلك الاحتجاج لدى الأمم المتحدة، وتحذيرات لمواطنيها من السفر إلى اليابان، كما أحيا الإعلام الرسمي الصيني شبح ماضي اليابان في زمن الحرب، وربط تعليقات تاكايتشي بغزو اليابان للصين قبل نحو قرن من الزمان.

أولا – قيود اقتصادية وتوقف العلاقات البينية
منذ 14 نوفمبر، استهدفت الصين عدة قطاعات رئيسية في الاقتصاد الياباني. أصدرت بكين أولاً تحذيرًا للسفر ينصح بعدم السفر إلى اليابان، تلاه إجراءات استثنائية في النقل الجوي: حيث عرضت عدة شركات صينية استرداد الأموال أو تغيير مجاني للرحلات إلى طوكيو وأوساكا.
القطاع السياحي الياباني، الذي يعتمد بشكل كبير على الزوار الصينيين، يخشى من صدمة مشابهة لتلك التي حدثت في 2023، عندما انخفضت الزيارات الصينية بشكل كبير.في هذا الصدد، حث وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أمس الأحد، اليابان على التفكير في أخطائها وتصحيحها في أسرع وقت ممكن، بدلاً من التشبث بالطريق الخطأ. وصرح وانغ بذلك في مقابلة إعلامية بعد اختتام زيارته إلى قيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان، وفقاً لوكالة أنباء شينخوا الصينية.
تفاقمت الأزمة في 19 نوفمبر، عندما أعلنت السلطات الصينية تعليق استيراد عدة منتجات بحرية يابانية. هذا القرار جاء بعد أيام قليلة من استئناف جزئي للمشتريات الصينية في هذا القطاع، التي توقفت منذ 2023. في مجالي الأغذية والسياحة، تشعر الشركات اليابانية الآن بالقلق من تدهور دائم في أسواقها في الصين.

ثانيا- جذور تاريخية وصراع مفتوح
وقال وزيلا الخارجية إنه إذا استمرت اليابان في طريقها وفي ارتكاب الأخطاء نفسها، فإن “جميع الدول والشعوب التي تدافع عن العدالة لها الحق في إعادة النظر في جرائم اليابان التاريخية، وتتحمل مسؤولية منع عودة ظهور العسكرية اليابانية بحزم”.وأضاف وانغ أن الصين لن تسمح أبدا لقوى اليمين الياباني بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولن تسمح أبداً للقوى الخارجية بالتدخل في تايوان، كما لن تسمح أبداً للنزعة العسكرية اليابانية بالظهور مجدداً، كما أشار إلى أنه “من المذهل أن يرسل زعيم ياباني في السلطة إشارة خاطئة علناً بمحاولة التدخل عسكرياً في قضية تايوان قائلاً ما لا ينبغي قوله ومتجاوزا خطاً أحمر لا يجب المساس به”.
في المقابل، حاولت رئيسة الوزراء اليابانية التخفيف من تأثير تصريحاتها، وقالت وفق وكالة الأنباء اليابانية، إنه لم يطرأ أي تغيير على علاقة طوكيو مع بكين، لكنها شددت في الوقت نفسه على أنها لن تغير موقفها بشأن قضية تايوان. في حين يرى مراقبون في الصين أن تعليقات ساناي تاكايتشي تعكس التحول نحو اليمين الذي شهدته اليابان على مدى سنوات، وهو التحول الذي يضع الصين بشكل متزايد في إطار منافسها الرئيسي في المنطقة.ويعتقد هؤلاء أن حقبة ساناي تاكايتشي ربما تكون امتداداً لسياسة رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي -معلم تاكايتشي- الذي كان في طليعة الجهود الرامية إلى تخفيف الدستور الياباني، حيث صوّت البرلمان الياباني في عام 2015 على تشريع قد يسمح للقوات بالقتال في الخارج. وفي هذا العام، تضمنت الورقة البيضاء العسكرية السنوية لليابان إشارات متكررة إلى الصين، ووصفت البناء العسكري السريع لجيش التحرير الشعبي في السنوات الأخيرة بأنه التحدي الاستراتيجي الأعظم الذي تواجهه اليابان.في تعليقه على التطورات الأخيرة، يقول الباحث في العلاقات الدولية في مركز النجمة الحمراء في العاصمة بكين جيانغ قوه، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن ردات الفعل القوية الصادرة من الصين تتجاوز تصريحات ساناي تاكايتشي الاستفزازية، وتهدف إلى رسم وتحديد الخطوط الحمراء في مسار العلاقات بين البلدين، باعتبار أن رئيسة الوزراء اليابانية هي الأولى بين أسلافها التي تجرّأت على اتخاذ موقف واضح بشأن مسألة تايوان، بعد عقود من الغموض الاستراتيجي الذي اتبعته طوكيو وكان يهدف في المقام الأول إلى عدم استفزاز بكين حرصاً على العلاقات الثنائية.
ثالثا – العقلية الإستعمارية وخيار الرد العسكري
توقع جيانغ قوه أن تستمر التوترات بين البلدين طيلة حقبة ساناي تاكايتشي، “لأنها تمثل اليمين الياباني المتطرف الذي تحركه العقلية الاستعمارية”، وقال إن إجراءات الصين العقابية والتأديبية قد تشمل تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع وقف كامل للتبادلات الشعبية، مضيفا أن اللافت في الأمر أنه بالرغم من حالة الغضب العارمة وتأثير تصريحات رئيسة الوزراء، فإنها لم تأسف ولم تتراجع عن موقفها، وهذا يكفي لتصوّر ملامح المرحلة المقبلة.وتعتبر بكين تايوان جزءاً لا يتجزأ من الصين، ويمكن إعادة توحيدها بالقوة إذا لزم الأمر. ولا تعترف معظم الدول، بما فيها الولايات المتحدة واليابان، بتايوان بصفتها دولة مستقلة، لكن واشنطن تعارض أي محاولة للاستيلاء على الجزيرة ذات الحكم الذاتي بالقوة، وتلتزم بتزويدها بالأسلحة.

خلاصة
الأزمة المفتوحة بين بكين وطوكيو حول تايوان تحولت بسرعة إلى مواجهة اقتصادية. منذ منتصف نوفمبر، كثفت الصين من إجراءاتها التهديدية ضد اليابان، بعد تصريحات رئيسة الوزراء ساناي تاكايشي التي تحدثت عن إمكانية تدخل عسكري في حال هجوم صيني على تايوان وهو أخطر سيناريو متوقع حتى الأن …



