صعود اليمين المتطرف وتأثيراته على الهجرة وعلاقات فرنسا بالمغرب العربي
إعداد مهى بن رحومة قسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية 09-07-2027
التقديم:
اليمين المتطرف هو تيار سياسي متبنى من قبل جماعات وأحزاب لتحديد مواقفهم ضمن الساحة السياسية، حيث يتميز بالكراهية الشديدة تجاه الهجرة عموماً والمسلمين بشكل خاص، إضافةً إلى التعصب القومي والديني.
يعتبر اليمين المتطرف أن ارتفاع معدلات الهجرة هو السبب وراء زيادة الجرائم والأعمال الإجرامية، ويروج لفكرة أن المهاجرين، خاصة المسلمين، يعمدون إلى رفض القيم والتقاليد المحلية التي يجلبونها معهم من بلدانهم الأصلية، مما يزيد من توتر المجتمعات التي يندرجون فيها.
في الوقت الحاضر، نشهد تصاعداً متسارعاً لأفكار اليمين المتطرف في أوروبا، مما يشكل تحدياً كبيراً ومقلقاً لدول شمال إفريقيا.
تسبب هذا الظهور السريع لليمين المتطرف في إثارة عدة تحديات متعددة في المنطقة، ومن أبرزها ملف الهجرة الذي يؤثر بشكل كبير على الأمن والاقتصاد والعلاقات الدولية.
ما هي تداعيات هذا الصعود على العلاقات مع دول المغرب العربي خاصة في علاقة بملف الهجرة ؟؟
تأثير صعود اليمين المتطرف في أوروبا على ملف المهاجرين يشكل تحديات كبيرة ومتعددة على دول المغرب العربي، حيث تتراوح هذه التحديات بين الأبعاد الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية، مما يؤثر على العلاقات بين الدول العربية والاتحاد الأوروبي بشكل كبير.
تشديد السياسات الحدودية والهجرة:
ساهم صعود اليمين المتطرف في تعزيز الرقابة على الحدود الأوروبية بشكل كبير. من بين الإجراءات التي تم اتخاذها بناء جدران حدودية على طول الحدود الأكثر تعرضاً لتدفقات الهجرة.
على سبيل المثال، قامت بعض الدول ببناء أسوار على حدودها الشرقية أو الجنوبية لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين.
بالإضافة إلى ذلك، تم تعزيز الدوريات البحرية في البحر الأبيض المتوسط، حيث تقوم السفن العسكرية وحرس الحدود بزيادة وتيرة دورياتهم لاعتراض القوارب المهاجرة قبل وصولها إلى الشواطئ الأوروبية.
لم يقتصر التشديد على الحدود البرية والبحرية فقط، بل شمل أيضاً تشديد إجراءات الدخول والإقامة. أصبحت الإجراءات الإدارية للحصول على تأشيرات الدخول أو اللجوء أكثر تعقيداً، وتم فرض شروط صارمة للتحقق من خلفيات المتقدمين.
على سبيل المثال، تتطلب بعض الدول الأوروبية الآن إجراءات فحص أمني مكثفة وفترات انتظار أطول قبل منح التصاريح اللازمة للإقامة.
علاوة على ذلك، أطلقت الدول الأوروبية حملات إعلامية مكثفة في دول شمال إفريقيا لتحذير الناس من مخاطر الهجرة غير الشرعية وتشجيعهم على البقاء في أوطانهم. تتضمن هذه الحملات رسائل واضحة عن المخاطر التي يواجهها المهاجرون أثناء رحلتهم، بما في ذلك المخاطر الصحية واحتمال التعرض للاعتقال أو الترحيل.
زيادة الضغوط على حكومات شمال إفريقيا:
تتعرض حكومات دول شمال إفريقيا لضغوط متزايدة من الدول الأوروبية لتعزيز دورها كـ”حراس” لحدود أوروبا الجنوبية.
يتم ذلك من خلال اتفاقيات ثنائية وإقليمية تشمل تقديم دعم مالي وتقني لتلك الدول مقابل التزامها بمنع تدفق المهاجرين.
على سبيل المثال، تم توقيع اتفاقيات مع المغرب وتونس وليبيا لتعزيز التعاون في مجال مراقبة الحدود.
تتضمن هذه الاتفاقيات تقديم مساعدات مالية لدعم برامج التنمية المحلية والبنية التحتية لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، ما يمكن أن يسهم في تقليل دوافع الهجرة. كما تشمل الاتفاقيات توفير تدريب ومعدات للقوات الأمنية في دول شمال إفريقيا لتحسين قدراتها في مراقبة الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية.
ومع ذلك، يواجه هذا التعاون انتقادات من بعض المنظمات الحقوقية التي ترى أن هذه السياسات قد تؤدي إلى انتهاكات لحقوق المهاجرين وتفاقم الأوضاع الإنسانية على الحدود. فالكثير من المهاجرين يجدون أنفسهم محاصرين في دول شمال إفريقيا دون إمكانية الوصول إلى أوروبا أو العودة إلى أوطانهم الأصلية.
تأجيج الخطاب العنصري والكراهية:
يشجع صعود اليمين المتطرف على نشر خطابات الكراهية والعنصرية ضد المهاجرين، مما يؤدي إلى تفاقم التمييز والعنف ضدهم في أوروبا.
تتبنى أحزاب اليمين المتطرف خطاباً عدائياً يربط بين الهجرة وزيادة معدلات الجريمة والإرهاب، مما يخلق صورة سلبية عن المهاجرين في وعي الجمهور.
هذا الخطاب يؤدي إلى تصاعد حالات العنصرية والتمييز الاجتماعي، حيث يعاني المهاجرون من سوء المعاملة والتمييز في مجالات مختلفة مثل العمل والسكن والخدمات العامة.
كما يعاني الأطفال والشباب المهاجرون من التنمر والعنف في المدارس والأماكن العامة، مما يؤثر سلباً على تكاملهم الاجتماعي والثقافي.
تتزايد أيضاً الهجمات العنيفة ضد المهاجرين والمجتمعات المهاجرة، حيث شهدت العديد من الدول الأوروبية ارتفاعاً في عدد جرائم الكراهية الموجهة ضد المهاجرين.
تتضمن هذه الهجمات الاعتداءات الجسدية واللفظية، وتدمير الممتلكات، وحتى الهجمات الإرهابية التي تستهدف المجتمعات المهاجرة.
التأثير على سياسات العودة والترحيل:
مع صعود اليمين المتطرف، أصبحت سياسات الترحيل أكثر صرامة وتشددًا، حيث تسعى الدول الأوروبية إلى إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية بسرعة وفعالية أكبر.
يتم ذلك من خلال تكثيف عمليات الترحيل وتوقيع اتفاقيات مع دول شمال إفريقيا لاستقبال المهاجرين المُرحلين.
تتضمن هذه السياسات توفير دعم مالي وتقني لدول شمال إفريقيا لتحسين قدراتها على استقبال وإعادة تأهيل المهاجرين المُرحلين. كما تشمل هذه السياسات تحسين التعاون الأمني والمعلوماتي بين الدول الأوروبية ودول شمال إفريقيا لضمان تنفيذ عمليات الترحيل بفعالية وسلاسة.
ومع ذلك، تثير هذه السياسات مخاوف إنسانية، حيث يتم ترحيل المهاجرين في كثير من الأحيان دون ضمانات كافية لسلامتهم وحقوقهم.
يجد الكثير من المهاجرين أنفسهم في ظروف معيشية صعبة في دولهم الأصلية، مما يزيد من تعقيد التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهونها.
التأثير على العلاقات الدولية:
تؤثر سياسات اليمين المتطرف بشكل كبير على العلاقات الدولية بين دول شمال إفريقيا وأوروبا. قد تؤدي السياسات الصارمة للهجرة إلى توتر العلاقات الدبلوماسية، خاصة إذا كانت دول شمال إفريقيا ترى أن مطالب الدول الأوروبية غير عادلة أو غير متناسبة مع قدراتها.
بالمقابل، قد تسعى بعض الدول الأوروبية لتقديم تنازلات اقتصادية أو تجارية لضمان التعاون من دول شمال إفريقيا في ملف الهجرة.
تتضمن هذه التنازلات تقديم مزايا تجارية أو اتفاقيات شراكة اقتصادية تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات أخرى مثل التجارة والاستثمار.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية:
يعاني المهاجرون العائدون إلى دولهم الأصلية في شمال إفريقيا من تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة. تشمل هذه التحديات ارتفاع معدلات البطالة، نقص الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، وصعوبة التكيف مع الظروف المحلية بعد العودة.
يجد المهاجرون العائدون صعوبة في الاندماج في سوق العمل المحلية، حيث قد لا تتوفر لهم فرص عمل كافية أو تتناسب مع مهاراتهم وخبراتهم.
كما يواجهون صعوبات في الحصول على الخدمات الأساسية، مما يؤثر سلباً على نوعية حياتهم وقدرتهم على تأمين احتياجاتهم اليومية.
بعد التحليل المعمق لتأثيرات هذا الارتفاع على قضية الهجرة في العلاقات مع دول المغرب العربي، يمكننا استخلاص بعض الأمثلة على استراتيجيات بعض الدول. فمن بين هذه الاستراتيجيات، تتمثل استراتيجيات اليمين المتطرف الألماني في تقليل الهجرة من خلال مجموعة من الخطوات الحاسمة. يشمل ذلك نشر أخبار مضللة ومبالغ فيها حول جرائم المهاجرين لخلق رهبة وقلق بين المواطنين، واستخدام الرموز الوطنية والثقافية لتعزيز فكرة التهديد الثقافي والهوياتي.
بالإضافة إلى ذلك، يستخدمون الضغط على الحكومة من خلال تنظيم احتجاجات ومظاهرات واستخدام النفوذ السياسي لتشديد قوانين اللجوء وتقليل المزايا الاجتماعية الممنوحة للمهاجرين.
كما يدعون إلى زيادة الرقابة على الحدود وتعزيز الأمن الداخلي لمنع دخول المهاجرين غير الشرعيين، بهدف تحقيق ما يرونه استقراراً أكبر لألمانيا.
أما بالنسبة لليمين المتطرف الفرنسي، يركز الزعيم جوردان بارديلا من التجمع الوطني الفرنسي في حملته الانتخابية بشكل خاص على موضوع الهجرة، حيث يسعى إلى تنفيذ إجراءات حاسمة إذا نجح حزبه في الفوز بالأغلبية في البرلمان.
تهدف خطته إلى تقليص التدفقات الهجرية، سواء كانت قانونية أو غير قانونية، من خلال إقرار “قانون طوارئ” يلغي حق الحصول على الجنسية الفرنسية تلقائيًا عند ولادة الفرد في الأراضي الفرنسية.
كما يرغب بارديلا في تعديل برنامج المساعدة الطبية للمهاجرين غير الشرعيين، ليشمل فقط الحالات الطبية الطارئة، مما يعكس نهجه في تقييد حقوق المهاجرين وتعزيز الفرص للمواطنين الفرنسيين.
تساهم هذه الظروف في تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في دول شمال إفريقيا، مما يزيد من الضغوط على الحكومات المحلية ويؤدي إلى تزايد حالات الفقر وعدم الاستقرار.
هذا الوضع يمكن أن يؤدي بدوره إلى زيادة موجات الهجرة غير الشرعية، مما يعيد دورة التحديات والصعوبات بشكل مستمر.
خلاصة:
يمثل فوز اليمين المتطرف تحديا كبيرا للعلاقات مع دول المغرب العربي خاصة أنه لطالما أستند إلى التعاون الاقتصادي و التبادل الثقافي إضافة إلى الشراكات الأمنية فقد يواجه تغييرات جديدة في مستوى السياسات المتشددة و المعادية للهجرة خاصة ، كما أنه يلعب دورا هاما في تعزيز خطاب الكراهية و التوترات العنصرية و الدينية و تقليص فرص التعاون الاقتصادي و تقييد برامج التنمية المشتركة .
يبقى التحدي الحقيقي هو كيفية الحفاظ على هذه العلاقات بين الطرفين في ظل هذه التقلبات السياسية لكن من منظور آخر إن التغيير المطروح قد لا يمثل فعلا مشكل حاد على دول المغرب العربي خاصة مع بروز علاقات مع شركاء جدد كالصين و روسيا .