سياسيات تونسيات: تضافر الجهود النسائية من شأنه أن يخفّص نسب العنف المسلط ضدّ المرأة السياسية
تونس-تونس-29-10-2020
توسّع النشاط النسائي السياسي في تونس خلال السنوات الأخيرة، حيث رفعت النساء التونسيات الرائدات ، شعار “أنا أيضا” في السياسة، في ظلّ وضع عالمي تشكّل فيها مشاركة المرأة سياسيا نسبة 5.2 في المائة فقط من رؤساء الحكومات و6.6 في المائة من رؤساء الدول و 24 في المائة من البرلمانيين على الصعيد العالمي.
وظل قطاع السياسة مهيمنا عليه في الغالب من قبل الرجال، كما هو الحال في أماكن عمل بقطاعات أخرى، إلا أن مشاركة النساء في البرلمانات والمجالس المنتخبة والهيئات الحكومية والأحزاب السياسية في تصاعد في العالم بصفة عامة، وتونس على وجه الخصوص، حيث تواصل التونسية تحدي المعايير ‘الجنسانية التقليدية’ التي ساهمت في إقصائها عن السياسة.
والمتابع للشأن السياسي في تونس، يلاحظ أن العنف ضد المرأة في السياسة هو عنف جسدي ونفسي وحتى مادي، وقد ارتفع بشكل تدريجي خلال السنوات الأخيرة، فبرغم تعرّض الرجال أيضا الى العنف في السياسة، إلّا أن العنف ضد النساء هو عنف قائم على الجنس حيث يستهدفهن بسبب جنسهن، مثل التعليقات الجنسية أو التحرش والعنف الجنسي.
ويشكل العنف ضد النساء في السياسة انتهاكا لحقوق الإنسان، كما أن عرقلة مشاركة النساء في السياسية هي أيضا انتهاك للحقوق السياسية.
وفي هذا الإطار، نظّم المركز الدولي للدراسات الإستراتيجيّة الأمنيّة والعسكريّة ورشة عمل حول “العنف المسلط على المرأة السياسية” مساء الخميس 29 أكتوبر 2020 بمقر المركز بتونس .
واستهلّت رئيسة المركز، الدكتورة بدرة قعلول، اللقاء حيث شدّدت على أهمية حضور المرأة في مراكز القيادة، وأحقيتها في المشاركة السياسية مثلها مثل الرجل، معبّرة عن أسفها لاستغلال المرأة كصورة للتسويق في بعض الأعراس الإنتخابية.
وقالت إن دور المرأة وجب أن يكون فعّالا في مختلف المجالات بما فيها المجال السياسي، مشيرة إلى أن حدة التوترات ضدها تنامت بشكل فظيع منذ 2011، ومنذ بروزها أكثر في مراكز سياسية متقدمة.
ودعت إلى العمل والسعي للتصدّي لكل أشكال العنف السياسي المسلّط على المرأة،سواء في البرلمان أوالأحزاب أوعبرمواقع التواصل الإجتماعي التي تُنتهك فيها خصوصيات المرأة السياسية ويُباح فيها شتمها والتعدي عليها .
وتحدّثت رئيسة المركز عن حقّ المرأة في ممارسة السياسة، لافتة إلى أن وتيرة العنف ضدّ المرأة تصاعدت وتفاقمت الممارسات العنيفة في محاولة لتعطيل دورها الفعّال.
ولفتت المتحدّثة إلى شكل من أشكال العنف وهو عنف المرأة ضد المرأة، إضافة إلى العنف المسلط من قبل الرجل، داعية إلى ضرورة تقوية رابط التماسك بين النساء لمقاومة العنف.
كما دعت إلى جعل الفضاء المنزلي فضاءً تشاركيا بين الرجل والمرأة.
وأشارت إلى أنه ، لأكثر من عام، ساهمت حركة “أنا أيضا” الرائدة، ومبادرة”حان الوقت”
المشابهة، في اختراق المواضيع المحظورة وإثارة حوار غير مسبوق حول التمييز الجنسي والمضايقة والعنف الذي تعاني منه العديد من النساء في حياتهن المهنية سيما السياسية.
ومن جانبها، تحدّثت الناشطة المدنية إنصاف فتح الله، عن أهمية تمكين المرأة من اعتلاء المناصب القيادية، مشيرة إلى أن الإنصاف هو المطلب الأبرز في ظل سيطرة العقلية الذكورية في مختلف المجالات بما في السياسي.
ولفتت فتح الله، إلى أهمية العمل وتضافر الجهود من أجل تغيير العقلية التي ترى في المرأة عقلا غير مفكّر أو نصف مفكر، للإنتصار على هيمنة الرجل وكسر الحواجز التي وضعتها العادات والتقاليد البالية.
وقالت الناشطة المدنية، إنه حان الوقت لتتخلّص المرأة من الأدوار التقليدية المسندة إليها والتي عرقلت تقدّمها في بعض الأحيان، مشددة على أهمية الإنتصار لدور المرأة ومكانتها في مختلف المناصب.
وتطرّقت إلى التمييز الذي تعيشه المرأة مثلا في مجال التربية والتعليم في تونس حيث توجد متفقدة تربية مدنية واحدة و24 رجلا متفقدا في كامل الجمهورية، وهذا من شأنه أن يشجع على المنافسة غير السليمة على السلطة والقيادة .
وأضافت الناشطة المدنية، أنه من المؤسف أن تكون المرأة في بلد “علّيسة” بهذا التغييب الممنهج والإقصاء المدروس، برغم إنصاف القوانين والتشريعات لها إلا أنها بقيت مجرد حبر على ورق في واقع أليم ومرير، حسب وصفها .
وتطرقت المتحدثة إلى سعي بعض النائبات إلى ضرب بعضهن البعض بسبب الإختلاف في الإيديولوجيات، لافتة إلى أن هذا السلوك من شأنه أن يشجع الرجال على الغطرسة والتنافس غير البريء.
من جهتها، قالت سلوى سهلول عضو بشبكة حكيمات افريقيا بمنظمة الاتحاد الافريقي، إن التونسية تعيش منذ الإستقلال حربا من أجل الوصول إلى مواقع القرار، مبيّنة أن العنف ضدّ المرأة ينطلق من العائلة.
ودعت إلى ضرورة تدريس المرأة منذ الطفولة أبجديات الثقة في النفس وتجهيزها منذ الصغر على مجابهة كل أشكال العنف المسلطة ضدها.
وتطرقت سهلول، إلى الضغوطات التي تتعرض لها المرأة في المجال السياسي، مشيرة إلى أنه، وفق الإحصائيات الرسمية، ازدادت السنوات الأخيرة نسب العنف بعد تغذية روح الكراهية والمنافسة غير الشريفة والتحريض .
ودعت المتحدثة النساء التونسيات الرائدات إلى التحدّي لإرساء لجنة حكيمات تونس لمقاومة العنف المسلط على المرأة والنظر في قضايا النساء، مشددة على أهمية تضافر كل جهود النساء الفاعلات في المجتمع المدني لبلوغ هدف “القيادة بالقوة الهادئة” والناعمة.
كما تطرقت إلى دور التعليم في مقاومة العنف المسلط على المرأة، مطالبة بوضع مناهج تشدد على أهمية تفادي هذه الظاهرة التي تمسّ من تونس وصورتها.
وفي نفس السياق، رأت الناشطة السياسية، وطفة بلعيد، أن النضال الحقيقي للمرأة ينطلق منذ ولادتها، لافتة إلى أن تجربة البنت هي تجربة هامة يتم تحضيرها على قوالب اجتماعية جاهزة وضوابط للتعامل مستمدة من الإرث الثقافي والديني الذي أصبح سلاحينا ذا حدّين.
وأكدت على أهمية تأطير المرأة في المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان أو أي مجال آخر، ومعاملتها على قدر المساواة مع الرجل والإيمان بقراءاتها ومشاريعها، داعية التحلّي بالحنكة في اختيار حججها عند الحوار والمحاججة، حتى تتجنب العنف المسلط عليها.
كما دعت إلى ضرورة افتكاك المرأة مكانتَها المستحقة بالقوة الناعمة بعيدا عن منطق العنف.
ودعت بلعيد المرأة إلى أهمية الإنخراط في العمل السياسي والصمود لأنها ستجد نفسها في مواجهة الرجل وعدم الإنسحاب أو الرضوخ لأية ضغوط قد تسلط عليها .
وأضافت أن المرأة ليست أداة بل هي شخصية مستقلة ذات أفكار ومسؤوليات تسعى إلى تحقيقها،مشيرة إلى أن معوقات كثيرة تعترض طريقها في حياتها السياسية، أبرزها الترهيب والتخويف، داعية إياها إلى تجاوز مثل هذه الأوضاع لبناء شخصية قوية ومتوازنة.
وأشارت إلى أن المرأة قد تكون عدوة لنفسها حين تستسلم للضغوطات الترهيبية، وأيضا عند التخلي عما تؤمن به من قناعات ومبادئ.
وذكرت أن المرأة هي أيضا عدوة المرأة حيث يتم استغلالها أحيانا لضرب أخرى من قبل بعض الأطراف .
وقالت وطفلة بلعيد: لا بد من رؤية موضوعية لثنائية الرجل والمرأة وعدم الحديث عن الرجل كعدو باعتبار أن التنافس طبيعي .