سوريا في فخ التطبيع

قسم الدراسات والبحوث والعلاقات الدولية 15-07-2025
شهدت الساحة السورية تحولات دراماتيكية بعد الانقلاب السريع الذي أسقط بشار الأسد، والذي جاء نتيجة توافق إقليمي-دولي لفرض واقع سياسي جديد في المنطقة، يكرّس ما يسمى بـ”الشرق الأوسط الجديد” عبر القوة، بعد فشل المقاربات الناعمة السابقة.
وقد بدا أن الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023، واتسعت لاحقًا، ليست إلا صورة حية لمطلب أميركي حيوي، بل وجودي.
مؤتمر الرياض في 14 أيار كان نقطة انعطاف، حيث تولّت السعودية عبر محمد بن سلمان تقديم “الجولاني” – الذي يقود الحكومة السورية الانتقالية – إلى الرئيس الأميركي ترامب، إيذاناً ببداية حملة تطبيع ممنهجة بدأت بالتسريب والنفي، قبل أن تتحول إلى سياسة واقعية مدعومة من الإمارات، التي تُعد العرّابة الإقليمية لمشروع التطبيع المعروف باتفاقيات “أبراهام”.
وقد تكشّف أن الحرب الأميركية-الإسرائيلية على إيران أفضت إلى نتائج غير متوقعة، ما دفع واشنطن إلى إعادة تفعيل مسار التطبيع، ومنح الجولاني وقتًا لتثبيت حكمه في سوريا، مقابل الانخراط في حوارات غير معلنة مع إسرائيل.
وقد ظهرت سلسلة مؤشرات على الأرض تؤكد انخراط دمشق في عملية التطبيع، منها زيارات رسمية متبادلة، تصريحات متكررة لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين، إلى جانب اتفاقات أمنية وعسكرية ضمنية في الجنوب السوري، خصوصًا بمحافظة القنيطرة وجبل الشيخ.
“الجولاني” بدأ خطواته باستضافة وفد يهودي في دمشق في شباط 2025، ثم تلقّى تهديدًا مباشرًا من وزير الحرب الإسرائيلي في نيسان، وزار الإمارات التي رتّبت له لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين، كما تحدّثت الصحف العبرية عن زيارات متبادلة بين دمشق وتل أبيب، جرى خلالها بحث ملفات أمنية وإجراءات “بناء ثقة”.
وفي سياق متصل، اتخذت الإدارة الأميركية خطوات تشجيعية مثل رفع العقوبات، ودمج قوات “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية، مع منح الحكومة الجديدة اعترافًا ضمنيًا كمرجعية وحيدة. كما أُزيلت هيئة تحرير الشام عن لائحة الإرهاب تمهيدًا لدمجها في المشهد السوري الجديد.
سيناريوهات التطبيع:
طرحت إسرائيل عبر قنوات إعلامية ثلاثة سيناريوهات للتسوية:
- إعادة ثلث الجولان قبل خط فض الاشتباك عام 1974.
- تقسيم الجولان إلى ثلاث مناطق: تُسلَّم سوريا جزءاً منه، ويُستأجر جزء آخر.
- احتفاظ إسرائيل بأغلب الجولان وتسليم الثلث المتبقي مقابل ترتيبات أمنية.
في المقابل، تشير المواقف السورية إلى تمسّك رسمي معلن بنفي أي تطبيع، رغم أن الوقائع تثبت عكس ذلك، ما يعكس محاولة لكسب الوقت وتحضير الأرضية داخليًا.
المواقف الداخلية:
لاقى مسار التطبيع رفضًا من جهات عدة:
- أبناء الجولان دعوا إلى استفتاء شعبي قبل أي تنازل عن السيادة.
- مسد (مجلس سوريا الديمقراطي) عبّر عن تخوفه من أن يصبح التطبيع ورقة لشرعنة التنازلات عن الجولان وربما الشمال السوري.
- الجماعات الإسلامية المسلحة ترفض التطبيع، ما يضع الجولاني أمام معضلة داخلية.
- أكاديميون ومثقفون حذّروا من أن النموذج الإماراتي أو المصري لا يقدّم ضمانات للربح الوطني.
- المجتمع المدني أظهر ضعفًا في التعبير عن موقفه، كما ظهر في حادثة بيت جن، وفتح الطرق في القنيطرة.
التثبيت الإسرائيلي في الجنوب السوري:
عملت إسرائيل على تكثيف وجودها العسكري جنوب سوريا عبر إنشاء قواعد عسكرية جديدة في مناطق استراتيجية، لا سيما حول جبل الشيخ ومحيط القنيطرة، مدعومة بعمليات تهجير ممنهجة وقطع طرق وجرف للأراضي، في سياق الضغط لإفراغ المنطقة أو إجبار السكان على التعايش مع الاحتلال.
الإغراءات الاقتصادية والسياسية:
روّج الإعلام الإسرائيلي إلى فوائد التطبيع، مثل إمكانية تصدير الغاز إلى سوريا، ومشاريع مشتركة لإدارة الموارد المائية مع الأردن، وإعادة الإعمار، إضافة إلى “حديقة سلام” في الجولان.
الخلاصة:
بات واضحًا أن الجولاني يدرك أن بقاءه في السلطة مرهون بتوقيع اتفاقية “سلام” تتضمن التنازل عن الجولان، لكنه سعى إلى تأخير الإعلان الرسمي لكسب أوراق داخلية. في المقابل، يبدو أن إدارة ترامب ونتنياهو بحاجة عاجلة لإنجاز دبلوماسي، ما دفعهم إلى تسريع وتيرة المفاوضات والضغوط. جميع المعطيات تشير إلى اقتراب لحظة التوقيع، إما في أيلول خلال اجتماع الجمعية العامة، أو في تشرين الأول المقبل.
في المحصّلة، سوريا تجد نفسها اليوم في فخّ مركّب: بين ضغوط الخارج، واستثمار الداخل في بقاء السلطة، وشعب منهك لم يُستشر في قضاياه المصيرية.
المصدر: موقع الخنادق