أخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات

سلاح الاخوان : الاقتصاد التونسي في فكّ الاطراف الخارجية

اعداد صبرين العجرودي: قسم الدراسات والبحوث والعلاقات الدولية

مراجعة: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية

يقول جمال عبد الناصر ” القوى الرجعية ان خسرت السلطة فهي تلجأ الى سلاح المال وان خسرت سلاح المال فهي تلجأ الى سلاح العنف”

عقب 25 من جويلية، تعالت الاصوات الدولية بين مؤيد لقرارات رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد الملبية لإرادة الشعب، الرافض  لسير تونس نحو مسار إصلاح ما أفسدته الاحزاب السياسية طيلة العشرية السوداء، وخصوصا حزب حركة النهضة الذي ما انفك عن خدمة مصالحه المشتركة مع الاطراف الخارجية مهملا المصلحة الوطنية فضمانه الوحيد هو التبعية الخارجية ولا ولاء له سوى التنظيم العالمي للإخوان والقوى الدولية المهيمنة.

ويمكن القول أنه من البديهي أن تبرز في المشهد الدولي أطراف لا تدعم الخطوة التي اتخذها رئيس الجمهورية، ويعود ذلك تحديدا للمكاسب المُحققة طيلة فترة حكم حزب النهضة، حيث أن الاحزاب السياسية بصفة عامة كانت ممنهجة لخدمة المصلحة الخاصة سواء مع أطراف داخلية أو خارجية.

تعيش البلاد التونسية حاليا وضعا في غاية الحساسية على جميع المستويات، ويبدو أن الخروج من وحل النظام السياسي القديم، أمر لا يبدو بذلك القدر من السهولة خاصة مع الارث الاقتصادي والاجتماعي المنهارين الذي خلفه نظام الاخوان، وتستغل بعض الاطراف الخارجية نفوذها بما في ذلك سيطرتها الاقتصادية على تونس في عهد الاخوان لعرقلة تونس ومنع حدوث نقطة التحول الكبرى التي تحقق إرادة شعب افقدته العشرية السوداء أمل بالعيش الكريم في بلاده.

المنحى الايديولوجي للعلاقة الاقتصادية بين تونس وتركيا

قبل عام 2011، كانت العلاقات التونسية التركية محكومة بنوع من المصالح المشتركة، وإن لم تحقق ذلك القدر من التوازن الضامن للمصلحة الاقتصادية لتونس إلا أنها لم تصل الى ما وصلته في فترة حزب النهضة الاخوانيالذي حكم في تونس لمدة عشرة سنوات من القحط السياسي والاقتصادي والامني والاجتماعي، حيث لم يقع الفصل بين العنصر الايديولوجي الاخواني والعناصر المحققة لمصلحة البلاد فكان بالأساس الدمار الاقتصادي.

وقد تجسّد ذلك على وجه التحديد في المبادلات التجارية بين تونس وتركيا، إذ لم يتم تحقيق مبدأ التوازن التجاري ممّا أثر سلبا على الوضع الاقتصادي في تونس وجعلها في تبعية، وتعاني البلاد منذ عام 2011 من اكتساح مهول للسلع التركية دون وجود تبرير منطقي لذلك، إذ أن الواردات التونسية من تركيا موجودة وبشكل رهيب على المستوى الوطني، وذلك ما يثير عديد التساؤلات:  ما الذي يجعل تونس تشتري بضائع من تركيا لا حاجة ملحة لها ومنها تم ارهاق السوق المحلية ؟

والاهم في ذلك لماذا يقع المجازفة بالاقتصاد التونسي لصالح المصالح الخارجية ؟

لا تكسو الاجابة عن هذا السؤال أي نوع من التعقيد، فالأيديولوجيا هي التي تحكم العلاقة بين الطبقة السياسية المهيمنة على الحكم في تونس والاطراف الخارجية، لا سيّما حزب العدالة والتنمية المعروف بانتمائه الاخواني، فبعد 2011 سيطر الاخوان على كل دواليب الدولة من مؤسسات ومنظمات وجمعيات… أفضى ذلك الى تهاتف الاطراف الخارجية من نفس الايديولوجية باعتبار ان تونس أصبحت ملاذا للتغول وتحقيق المصالح المشتركة بين من هم من نفس الايديولوجيا.

لذلك وجدت تركيا تسهيلات خيالية من حزب النهضة لبسط نفوذها الاقتصادي في تونس، وفي هذا الاطار أشار الخبير المتخصص في الاقتصاد وتنمية الموارد، حسين الرحيلي: “العلاقة بين تونس وتركيا على المستوى التجاري هي علاقة محكومة بمن في السلطة في البلدين ويغلب عليها الطابع الايديولوجي، ولا تضبطها المصالح الاقتصادية المشتركة والتوازن في العلاقات التجارية، بل العلاقات الايديولوجية والشخصية للحاكمين والمهيمنين على السلطة”.

وقد شملت البضائع التركية المثقلة لتونس بعد عام 2011 سلع من قبيل بذور عباد الشمس البيضاء، حيث أدى استيراد هذه المادة من تركيا الى ضرب بذور عباد الشمس السوداء محلية الصنع، ورغم الانخفاض الكبير لكلفة إنتاجها وسعرها بالنسبة للمواطن التونسي إلا أن تونس تقوم بشرائها، ويبيّن ذلك سوء التصرف الاقتصادي المتعمّد، ليس ذلك فقط، تشتري تونس من تركيا كميات ضخمة من النسيج والملابس الجاهزة والمستعملة، حتى أن ذلك أثر على وعي المواطن التونسي وثقافته، وأصبح هو نفسه يقبل على شراء بضائع بالجملة من تركيا ليقوم ببيعها في تونس، كما قامت تركيا بتسهيل سفر التونسيين إليها وعملت على الترويج لثقافتها، حيث أصبح المواطن التونسي البسيط أكثر إقبالا على كل ما هو تركي، ويجسّد ذلك بامتياز القوة الناعمة لتركيا بالاشتراك مع الحزب الإخواني حيث لا يمكن أن يكون ذلك اعتباطيا طيلة العشرة سنوات الماضية.

فقبل 2011 كان هناك ضبط ومراقبة من الجمارك لضمان التوازن وعدم الاضرار بالاقتصاد التونسي، لكن مع تولي حزب النهضة الحكم، أصبحت تركيا تتمتع بجميع الامتيازات الاقتصادية حتى على حساب الاقتصاد التونسي الوطني وذلك ضمن منطق توافق ايديولوجي بين الطرفين.

تداعيات التغول الاقتصادي لتركيا في تونس

من أهم التبعات السلبية لمحاباة حزب النهضة مع تركيا هو عجز في الميزان التجاري بقيمة تقارب مليار دولار في عام 2020، وهو ثالث أكبر عجز تجاري بعد الصين وايطاليا، ففي حين تستورد تونس الكثير من المواد الغذائية المتوفرة في الاسواق المحلية، لا تصدر هي بدورها لتركيا الا عددا أقل بكثير المواد.

وليس ذلك بقليل في ظل انهيار اقتصادي كبير للبلاد التونسية وارتفاع لقيمة الدين الخارجي، وانهيار الدينار التونسي وارتفاع لنسبة البطالة وغيرها من المؤشرات الاقتصادية التي تنم على قرب سقوط البلاد على حافة الهاوية.

كما ساهم الاستيراد الاعتباطي للبضائع التركية في إفلاس الكثير من المؤسسات التونسية الصغرى والمتوسطة المحلية، والتراجع الاقتصادي للكثير منها خاصة المتعلقة بالنسيج والصناعات المعملية، وأدى ذلك بدوره الى ارتفاع نسبة البطالة وتفقير العديد من العائلات التونسية التي فقدت مواطن شغلها نتيجة إغلاق العديد من المؤسسات المنتجة لنفس المواد التي تقوم تركيا بتصديرها الى تونس.

يبيّن ذلك الأهمية التي يوليها حزب النهضة الاخواني للمصالح الخارجية مع الشريك الايديولوجي على حساب المصلحة الوطنية والشعب التونسي.

وقد تمكنت تركيا من الغوص في الاقتصاد التونسي منذ عام 2011 عن طريق ابرام العديد من اتفاقيات الصداقة والشراكة وتقديم الهبات والقروض لتبرير ما ستُقدِم عليه فيما بعد من تغول اقتصادي في تونس عن طريق حزب النهضة الاخواني.

ولم تحقق تونس أية مكاسب من الشراكة مع تركيا، بل على العكس من ذلك حققت الاخيرة مكاسب عديدة من التبادل التجاري مع تونس، حتى أن استثماراتها في تونس لم تتجاوز 2.3 مليون دينار ولا تقوم الا بتشغيل 1600 يد عاملة مقابل تسبّبها في بطالة العديد من التونسيين.

وتنص الاتفاقية التجارية بين تونس وتركيا على التبادل الحر الغير مشروط بين الطرفين، وذلك لا يتلاءم بتاتا مع المصلحة الوطنية لأنها تفتقد الى الضوابط والشروط المحددة للمكاسب التي سيحققها كل بلد من خلال تعامله مع الاخر، لذلك تعالت العددي من الاصوات على رأسها منظمة الاتحاد التونسي للشغل بضرورة إلغاء الاتفاقية التجارية خاصة، بما يحد من مزيد انهيار الاقتصاد التونسي وعلى الاقل ضمان الطابع التنافسي في الاقتصاد التونسي وتشجيع المشاريع الصغرى التي من شأنها أن تساهم في تخفيض نسب البطالة.

 لكن ما دامت الاوضاع تسير بهذا الشكل لن تكون هناك مبادرات محلية وطموح لإنشاء مؤسسات اقتصادية صغرى، لأنها ستجد نفسها بكل بساطة في منافسة غير عادلة مع المنتجات التركية من حيث الجودة والسعر، إذ يضطر الفلاحين في الكثير من الاحيان الى التفريط في سلعهم بتكاليف أقل من كلفة الانتاج حتى يتمكنوا من البيع امام الغزو الكثيف للسلع التركية الرخيصة.

استغلال التغول لتشويه قرارات 25 جويلية

بعد 25 جويلية، تحولت الانظار نحو الاتفاقيات التجارية مع تركيا لما لها من اثار سلبية على الاقتصاد التونسي في مقابل ربح الشريك التركي، وضرورة  تدارك ما يحدث في حق الاقتصاد التونسي والتونسيين بتجميد العمل باتفاقية التبادل الحر أو تعديلها بما يتفق مع مصلحة تونس وضمان التوازن الاقتصادي.

تعود جذور الاتفاقية بين تونس وتركيا الى عام 2005 التي كانت جد معتدلة وتراعي المصلحة التونسية والسوق المحلية بشكل كبير، لكن مع بروز حزب الاخوان في المشهد السياسي انقلبت المعادلة وأصبح وزراء النهضة ومسؤوليها يشتغلون على مصلحة الاقتصاد التركي وتغليب  الاقتصادي التركي في تونس، مما تسبب في الاضرار بمصالح العديد من المؤسسات الوطنية، ضرب الانتاج المحلي، إفلاس بعض الشركات.

كما تمكن الشريك التركي من الحصول على الحصة الاكبر من الصفقات الكبرى ويعود ذلك الى العلاقة الوطيدة بحزب الاخوان، وقامت تونس بتسلم قروض لتوريد سلع تركية متوفرة محليا،

ومع المساعي الكبرى لوقف استنزاف الاقتصاد التونسي، اشار حسين الديماسي وزير المالية الاسبق أن الوقت قد تأخر كثيرا لإنقاذ الاقتصاد التونسي المنهك من سياسيات الاخوان الاقتصادية، حيث ان التباطؤ في إعادة النظر  في كل الاتفاقيات، رغم عديد التحذيرات كلفت تونس عجزا تجاريا كبيرا مع تركيا، فحزب النهضة كان يحمي مصلحة تركيا عن طريق زياد العذراي الذي شغل منصب وزير الاستثمار والتنمية والتعاون الدولي ووزير التجارة حتى أنه في مصالح وزارة الاستثمار كان الموظفين والمديرين يسمونه “وزير استثمار تركيا”.

وبذلك اقتربت الديون الخارجية لتونس لـ 35.7 مليار دولار والبلاد مكلّفة الان بتسديد نحو 5.4 مليار دولار منها في العام الجاري، أي ما يتجاوز 100% من الناتج المحلي الاجمالي، الى جانب سته مليارات دولار لسد العجز في ميزانية العام الجاري.

وقد مثّلت نسبة الدين العام للبلاد 55% من الناتج المحلي الاجمالي حتى نهاية عام 2010 ليقفز نحو 90% خلال العام الجاري.

الخلاصة:

وخلاصة الوضع، فإن التعامل مع تركيا كلف تونس العديد من الخسائر الاقتصادية، وحاليا تسير هذه الازمة نحو التعمق، إذ ان حزب النهضة بالشراكة مع تركيا يعملان على مزيد ضرب تونس على المستوى الاقتصادي عن طريق المؤسسات التركية المستثمرة في تونس للترويج على أن قرارات قيس سعيد زادت من عمق الازمة الاقتصادية في تونس حتى يتم إثارة الرأي العام ضد الرئيس، وليس الطرف الليبي بمعزل عن ذلك، إذ ينتهج نفس السياسة التركية، لمزيد تدمير تونس اقتصاديا، لذلك يجب إصلاح هذا الوضع بما يتوافق مع المصلحة الاقتصادية لتونس حتى لا تنحدر البلاد في وضع اكثر سوءا وخصوصا إلغاء العمل باتفاقية التبادل التجاري الحر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق