سد النهضة الإثيوبي :هل ستحل واشنطن العقدة ؟
ايمن سلامة:أستاذ القانون الدولي العام – مصر
مضت ثمانية أعوام عجاف غير مثمرة ، من مفاوضات ماراثونية ثلاثية ضمت ” الفرقاء الثلاثة ” : مصر و السودان و إثيوبيا ، منذ إعلان إثيوبيا عام 2011 عن بناء أكبر مشروع هندسي حول نهر دولي في القارة الإفريقية، وفي الجولة السابعة عشرة من هذه المفاوضات التي استضافتها العاصمة السودانية الخرطوم مطلع شهر أكتوبر 2019 ، أعلنت مصر إخفاق بل انسداد هذه المفاوضات نتيجة لتعنت الطرف الإثيوبي .
كانت مصر قبل الإنسداد الأخير في الخرطوم ،ناشدت المجتمع الدولي دولا و منظمات دولية ، كي يساعد مصر دولة المصب لنهر النيل و المتعايشة علي النهر منذ فجر البشرية ، وترعرت حضاراتها المختلفة علي ذلك النهر ، لأجل التدخل التوسطي لحلحلة الموقف المأزوم ، المتمثل في إخفاق الدول الثلاثة في إبرام اتفاقيات دولية فنية ملزمة مؤسسة علي إتفاقية إعلان المبادئ المبرمة في مارس 2015في الخرطوم ، تتناول المسائل الفنية العالقة حتي اللحظة الآنية ، و المتعلقة بقواعد الملء و التشغيل لسد النهضة الإثيوبي .
تلقفت الإدارة الأمريكية الدعوة المصرية ووافت السودان و إثيوبيا علي الإجتماع المرتقب في واشنطن في السادس من نوفمبر و لكن الأهم في كل هذه الملحمة ، إشتراك البنك الدولي للإنشاء و التعمير في هذه المباحثات التسهيلية في واشنطن ، بعد الرفض السابق الثنائي الإثيوبي السوداني للمقترح المصري بوساطة البنك الدولي بين الدول الثلاثة .
سياسيا ، من المهم الإشارة إلي أن كلا من مصر و إثيوبيا شريكين مهمين في القارة الإفريقية للولايات المتحدة الأمريكية في كثير من المجالات ، يصعب حصرها ، و يخطئ من يزعم أيا من الدولتين مصر أو إثيوبيا يحظي بمركز تفضيلي أمريكي علي حساب الدولة الأخري ،ويتيح ما تقدمه واشنطن من مساعدات كبيرة للطرفين، إضافة لمكانتها المؤثرة داخل المؤسسات المالية الدولية الرئيسية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ثقلاً لا تستطيع القاهرة ولا أديس أبابا تجاهله.
لكن و بخصوص آلية الوساطة الدولية التي يقوم بها طرف ثالث بين المتنازعين ، سواء كان دولة بعينها، أو منظمة دولية ،أو عدد من المنظمات و الوكالات الدولية مجتمعة ، أو شخصية سياسية دولية بارزة ذات تأثير و رضي من جانب المتنازعين ، يجب الإشارة إلي مسائل دقيقة مهمة ، رسختها الممارسات الدولية ، تأسيسا علي نص ميثاق منظمة الأمم المتحدة علي الوساطة باعتبارها أحد أدوات التسوية السلمية للمنازعات الدولية .
طبقًا لآلية الوساطة؛ فإن الأطراف المتنازعة أو المتصارعة– أثناء الصراعات المسلحة – تجتمع معًا فى لقاء خاص يتم وجهًا لوجه، وبحضور بعض الوسطاء- مثل التوسط الأمريكي المرتقب – وهم عبارة عن طرف ثالث، محايد، يعمل كمحفز تتحدد مهمته فى مساعدة الأطراف على التوصل إلى تسوية أو حل مقبول من كل الأطراف لقضايا النزاع أو الصراع بينهما ؛ فالوساطة تمثل إحدى الآليات السلمية الدبلوماسية غير الإلزامية ، التى تلعب المهارات الشخصية والمهنية- كما في حالة البنك الدولي للإنشاء و التعمير – للوسيط كطرف ثالث ، بالتفاعل مع عوامل أخرى ، دورًا رئيسًا فى تيسير توصل الأطراف المعنية إلى تسوية مقبولة أو حل مُرضٍ لصراعاتهم أو منازعاتهم.
وتتميز الوساطة فى الأساس بكونها اختيارية، وتتجلى هذه الصفة فى كل الأمور، فهى تحكم: مبادرة الوسيط، حيث لا شىء يلزمه بتقديم وساطته، وتتمتع الدول أطراف النزاع بحرية كاملة فى رفضها الوساطة، أو الانسحاب منها فى أى وقت، وفى نهاية المطاف نتيجة الوساطة ليست إلزامية ولا تفرض على أطراف النزاع، ونادرا ما قبلت الدول المتنازعة بالزامية المقترح التوفيقي الذي ينتهي إليه ذلك الطرف الثالث .
فالوساطة: مسعى طوعى، تكون فيه موافقة الأطراف أمرًا حاسمًا من أجل القيام بعملية قابلة للتطبيق والتوصل إلى نتائج دائمة، ويتأثر دور الوسيط بطبيعة العلاقة مع الأطراف، فعادة ما يكون لدى الوسطاء مجال كبير لتقديم مقترحات إجرائية وإدارة العملية، بينما يتفاوت نطاق المقترحات الموضوعية ويمكن أن يتغير مع مرور الوقت.
وتستجيب عملية الوساطة الفعالة لخصوصية النزاع، وتأخذ فى الاعتبار أسباب النزاع ودينامياته، ومواقف الأطراف ومصالحها وتجانسها، واحتياجات المجتمع على نطاق أوسع، فضلًا عن البيئتين الإقليمية والدولية.
وفى بعض الحالات، قد ترفض الأطراف مبادرات الوساطة، وترى فيها تهديدًا لسيادتها أو تدخلًا خارجيًا، وقد توافق بعض أطراف النزاع على الوساطة- كما فى الحالة الإثيوبية الحالية- بينما لا توافق عليها أطراف أخرى، وعلاوة على ذلك؛ فإنه حتى يتم إعطاء الموافقة فقد لا تترجَم دائمًا إلى التزام كامل بعملية الوساطة.
وبمجرد إعطاء الموافقة على الوساطة؛ فمن الممكن سحبها فى وقت لاحق، إذا رفض أحد الأطراف استمرار الوسيط فى جهوده، وهنا يعلن الوسيط انتهاء الوساطة التى يمكن أن يبادر الوسيط أيضا بإنهائها حين يتيقن أنه لا جدوى من الاستمرار فى وساطته فى ظل تعنت أحد الأطراف أو جميعهم فى مواقفهم المتصلبة المغايرة.
ويُعد الحياد حجر الزاوية فى الوساطة، وينبغى أن يكون الوسيط قادرًا على إدارة عملية متوازنة يتم فيها التعامل مع جميع الجهات الفاعلة بشكل منصف، وينبغى ألا تكون له مصلحة مادية فى النتيجة. ويتطلب ذلك أيضًا أن يكون الوسيط قادرًا على التحدث مع جميع الأطراف الفاعلة ذات الصلة بحل النزاع.
إن وسطاء المنظمات والهيئات الدولية–ومنهم البنك الدولي – يضطلعوا بعملهم على أساس الولايات التى تحددها قواعد ونظم تلك الهيئة التى تعينهم. وبالتالى؛ فإن وسطاء منظمة الأمم المتحدة يعملون ضمن سياق ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة.
ويُسيِّر الوسطاء عملهم أيضًا ضمن الإطار الذى تنشئه قواعد القانون الدولى التى تحكم الوضع المعين، وأهمهافي خصوص سد النهضة الإثيوبي : الاتفاقيات العالمية والإقليمية المعنية باستخدام المجاري المائية الدولية في غير أغراض الملاحة .