آسياأخبار العالمبحوث ودراسات

زيارة رئيس دولة الإمارات إلى موسكو: “شراكة استراتيجية في توقيت دولي حرج”…

تؤدي الإمارات دورًا متصاعدًا كوسيط موثوق به في الأزمات الدولية، لا سيما في الحرب الروسية الأوكرانية. فقد توسطت في عمليات تبادل أسرى بين موسكو وكييف، وحافظت على علاقات متوازنة مع الجانبين. من هذا المنطلق، تحمل زيارة الرئيس الإماراتي إلى موسكو بعدًا دبلوماسيًا مهمًا، إذ يُنتظر أن تفتح قنوات إضافية للحوار، وربما تقدم صيغة أولية لتخفيف التوترات أو تسريع تفاهمات إنسانية إضافية.تأتي الزيارة في أعقاب انضمام الإمارات إلى مجموعة “بريكس” مطلع 2024، وهو تطور استراتيجي يكرّس توجه أبوظبي نحو تنويع شراكاتها الدولية بعيدًا عن الهيمنة الغربية. وتلعب موسكو، باعتبارها أحد أقطاب البريكس، دورًا مهمًا في هذا التوازن الدولي الجديد.

تُعد هذه الزيارة فرصة لتعزيز التنسيق ضمن إطار البريكس، وتبادل الرؤى بشأن ترتيبات النظام الدولي متعدد الأقطاب.  وإن توقيت الزيارة يعكس حرص القيادة الإماراتية على مواكبة التحولات المتسارعة في ميزان القوى العالمي، وعدم الاكتفاء بموقع المتفرج، بل السعي لتكريس الإمارات لاعبًا محوريًا على طاولة السياسة الدولية، عبر الجمع بين الدبلوماسية النشطة والمصالح الاقتصادية والحياد البراغماتي.

في إطار العلاقات الثنائية المتنامية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وروسيا الاتحادية، يحتل التعاون الأمني مكانة محورية، خاصة في ظل التحديات المشتركة التي تفرضها قضايا الإرهاب الدولي، والتطرف العابر للحدود، والجريمة المنظمة.وقد شهدت السنوات الأخيرة خطوات ملموسة لتطوير الشراكة بين البلدين في هذا المجال، تمثلت في تبادل الخبرات الأمنية، وتنسيق المواقف في المحافل الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب، إلى جانب توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم تتعلق بالتعاون الشرطي وتبادل المعلومات.

تتقاطع الإمارات وروسيا مصالحهما الأمنية في ملفات حساسة، أبرزها مكافحة تمويل الإرهاب، وملاحقة الجماعات المتطرفة، ودرء مخاطر المرتزقة الأجانب الذين تنقلوا عبر مناطق الصراع مثل سوريا وليبيا وأفغانستان. كما يُنظر إلى التعاون بين الأجهزة الاستخباراتية والشرطية لدى الجانبين على أنه يكتسب طابعًا استراتيجيًا في مواجهة التهديدات غير التقليدية.وقد تمثلت أبرز صور التعاون الأمني في التنسيق المشترك ضمن أطر العمل التابعة للأمم المتحدة ومجموعة العمل المالي (FATF)، فضلًا عن مساهمة البلدين في تعزيز الأمن السيبراني، ومكافحة الجرائم الرقمية التي باتت أداة مركزية في تمويل الإرهاب وتهريب السلاح والمخدرات.

استفادت الإمارات من الخبرة الروسية في تتبع الشبكات المتطرفة القادمة من آسيا الوسطى، في حين قدمت أبوظبي نموذجًا ناجحًا في سياسات الوقاية من التطرف، وإعادة التأهيل، وهو ما لاقى اهتمامًا روسيًا خلال المشاورات الثنائية. وكانت هناك جهود مشتركة لتأمين الفعاليات الدولية الكبرى، وتبادل التدريب المتخصص في مكافحة الإرهاب، سواء في البيئة الحضرية أو في مواجهة التهديدات الكيميائية والبيولوجية

تأتي زيارة محمد بن زايد آل نهيان إلى موسكو في توقيت دولي بالغ الدقة، وتُعد امتدادًا لمسار تصاعدي في العلاقات الإماراتية – الروسية، ما يجعل من نتائجها المحتملة أكثر من مجرد بروتوكولات دبلوماسية، بل خطوات عملية تعزز التوجهات الاستراتيجية لكلا البلدين. تشهد العلاقات الإماراتية الروسية نموًا لافتًا، خصوصًا في المجالات الاقتصادية والتجارية والطاقة. فالدولتان تشتركان في تحالف “أوبك+”، ولديهما مصالح مشتركة في تنظيم سوق النفط العالمي، خاصة في ظل اضطرابات الطاقة التي خلفتها الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا. وتشترك روسيا والإمارات برؤية متقاربة ومشتركة في مجمل الملفات الدولية وكذلك في ملفات الشرق الأوسط أبرزها حل إقامة الدولتين: إسرائيل وفلسطين وتعمل بشكل مشترك تحت الأمم المتحدة، “بريكس” ومجموعة “شنغهاي”. وتأتي الزيارة ضمن جهود لتعزيز هذه الشراكة الاستراتيجية، وتوسيع مجالات التعاون في قطاعات أخرى كالتكنولوجيا والاستثمار والقطاع المالي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق