أخبار العالمأمريكاالشرق الأوسطبحوث ودراسات

زمن التحوّل في واشنطن: كيف تعيد غزة صياغة السياسة الأمريكية؟

إعداد الدكتورة ميسون بشير قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 06-11-2025

تمثّل الانتخابات الأمريكية الأخيرة لحظة فارقة في تشكيل ملامح الدور الدولي لواشنطن. ليس فقط لأن وجوهًا سياسية جديدة صعدت إلى الواجهة، بل لأن فوز عدد من المسؤولين ذوي الخلفية العربية والمسلمة يكشف تحوّلًا أعمق يجري داخل المجتمع الأمريكي نفسه. هذه النتائج لا يمكن فصلها عن الزلزال الأخلاقي والسياسي الذي أحدثته الحرب على غزة، والتي وضعت الولايات المتحدة أمام اختبار غير مسبوق لمصداقيتها وقيمها المعلنة.

من بين المؤشرات اللافتة صعود قيادات تعبّر عن شريحة اجتماعية كانت مهمّشة لعقود، وتجرؤها على حمل خطاب سياسي يختلف عن المسار التقليدي تجاه الشرق الأوسط. بروز هذه الوجوه يُحيل إلى ثلاث متغيّرات أساسية في الداخل الأمريكي:

أولًا، زيادة وزن الأقليات المؤثرة في المدن الكبرى ومشاركتها الفاعلة في القرار المحلي.

ثانيًا، تنامي وعي الشباب بقضايا العدالة العالمية، ما جعل فلسطين حاضرة بقوة في ساحات الجامعات والشوارع.

ثالثًا، اهتزاز الثقة بالسياسة الخارجية التقليدية لواشنطن القائمة على دعم غير مشروط لإسرائيل.

كل ذلك يفرض على الإدارة الأمريكية المقبلة مراجعة محسوبة، لا بدافع التعاطف الأخلاقي فقط، بل لحماية مكانة الولايات المتحدة في نظام عالمي يتّجه نحو تعددية حقيقية. فدول الجنوب العالمي، ومعها قوى صاعدة، أصبحت تتعامل مع موقف واشنطن من غزة بوصفه معيارًا لمدى احترامها للقانون الدولي وحقوق الإنسان. وهذا التحوّل ليس عابرًا، بل يدخل في صلب التنافس الاستراتيجي على شرعية قيادة العالم.

من هنا، يمثّل صعود سياسيين يدركون حساسية الملف الفلسطيني فرصة لإعادة بناء السياسة الأمريكية بما يوازن بين التحالفات التقليدية ومتطلبات الشرعية الدولية. فالإدارة الجديدة ستواجه أسئلة صعبة:

كيف يمكن الحفاظ على أمن إسرائيل دون تجاهل حقوق الفلسطينيين؟

إلى أي حد يمكن أن يستمر تبرير العمليات العسكرية رغم الكلفة الإنسانية الهائلة؟

وما هو شكل التسوية السياسية القادرة على إنهاء دوامة العنف بدل إعادة إنتاجها؟

لن يتغيّر موقف واشنطن بين ليلة وضحاها. فمراكز النفوذ الاقتصادية والأمنية ما زالت تمسك بخيوط القرار. لكن دخول أصوات جديدة إلى المشهد يمنح القضية الفلسطينية موقعًا داخل نقاش السياسات لا على هامشها. وهذا بحد ذاته تحوّل في الاتجاه التاريخي، وهو ما بدأت تظهر ملامحه في الكونغرس والبلديات والشارع السياسي الأمريكي.

الحسم المستقبلي سيتوقف على قدرة هذه القيادات على توظيف شرعيتها الانتخابية في توجيه النقاش العام نحو مقاربة أكثر توازنًا. فسياسة القوة التي اتبعتها الولايات المتحدة منذ عقود أثبتت محدوديتها. أما سياسة تعترف بالحقوق الفلسطينية وتلتزم بالقانون الدولي، فقد تكون البوابة الأخيرة لاستعادة ثقة الشعوب بدور أمريكا العالمي.

إن ما تشهده واشنطن اليوم ليس مجرد تبدّل في أسماء الفائزين، بل هو بداية إعادة تعريف للذات السياسية الأمريكية.

وغزة، بصمودها وكلفتها الإنسانية الكبرى، أصبحت مركز السؤال الأخلاقي الذي سيحدّد وجه السياسة الأمريكية في زمن يتحوّل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق