رمال متحرّّكة تعصف بالمنطقة العربية
بدرة قعلول: مركز الدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية
أصبح موضوع مستقبل الإرهاب والتطرف في البلدان العربية وفي المناطق المجاورة التي تعاني من تنامي هذا الخطر، مطروحا بقوة وبصورة ملحة. فبعد ثماني سنوات من ثورات ما سمي”الربيع العربي” والتحولات الكبرى الجيوسياسية وبروز ظاهرة التطرف والإرهاب بشكل كبير، أضحت المنطقة اليوم أمام خطر يهدد الأجيال القادمة وموروث سوف يؤرقها لسنوات طويلة.
في هذه الورقة البحثية نسعى إلى استشراف واقع المنطقة في المستقبل لتفادي ما يمكن أن يحدث،في ظل شكوك حول قيام الدول العربية باستخلاص الدروس والبحث عن حلول عبر مقاربات شاملة، مع أن الواقع يقول إن ما حصل هو مجرد تنظير بدون تفعيل ،خاصة أن هذه الحكومات لم تشتغل على موضوع الوقاية من هذه الظاهرة لأن العلاج مكلف وربما ليس بالناجع. لكن هناك حقيقة مؤلمة في الدول العربية، وهي أن الإرهاب قد تمدد وتفرع وخلق لنفسه حواضن ظاهرة وخفية و زرع بذوره وراهن منذ البداية على إعادة إنتاج فكره المحموم المدمر للأوضاع القائمة،لذا وجب تشخيص الحالة الراهنة للإرهاب وتفرعاته في منطقة الشرق الأوسط وبلدان الخليج وشمال إفريقيا. فكيف تطور الإطار ألمفاهيمي لظاهرة الإرهاب ؟
وكيف ت تنامت الظاهرة ميدانيا وصنعت لنفسها أنصارا وميلشيات؟ كيف أصبح الإرهاب اليوم يتجلى في أخطر مراحله و صوره ؟ من الواضح أن الإرهاب بكل أشكاله الإديولوجية والعسكرية لديه مفهوم واحد اسمه ضرب كل مقومات الدولة ليضعفها ويسقطها خاصة من خلال جناحه السياسي ليلتحق به الجناح العسكري وهذا ما حدث ويحدث. ينتهج الإرهاب العنف الإيديولوجي والعنف المعنوي والمادي من خلال أفراده وجماعاته السرية والمعلنة التي تستعمل مبدأ التقية لإقناع العالم بـ”أنهم ديمقراطيون ومعتدلين” او كما تحلو لهم التسمية “وسطيون”،في حين أن غايتهم الوحيدة هي هدم الدولة والإنقضاض عليها ..فهم لا يسكنون إلا في الخراب ولا يمكن أن يتواجدوا إلا على أنقاض جثث المجتمعات وضرب قيمها ومقومات حياتها منتهجين التكفير والتهميش وخاصة التجهيل وإفراغ العقول من العلم والمنطق إلى الجهل و الميتافيزيقا.
وأصبح التعريف المتداول وشبه المجمع عليه هو أن الإرهاب ظاهرة عالمية تمس كل البلدان وليس لها حدود، وجريمة دولية تقوم على مخالفة قواعد القانون الدولي والقانون الوطني من خلال الإعتداء على الأرواح والممتلكات العامة أو الخاصة.
وقد طرح المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية بتونس عقب ما سمي”الربيع العربي”،مسالة هامة، تركزت حول أسباب ودوافع بروز الإرهاب وتنامي هذه الطاهرة..
تونس المدنية والحداثية أصبحت أول مصدر للإرهاب بعد أحداث عام 2011، كما تحولت ليبيا إلى ثكنة لتدريب الإرهابيين وتم تدمير مقومات الدولة وسادت الفوضى وانتهكت فيها كل الأعراف..
طال الإرهاب أيضا كلا من سوريا والعراق واليمن ومصر لينتشر إلى بقاع أخرى جنوب الصحراء الكبرى..فمن الذي يخطط للمنطقة العربية؟ وأية تغيرات وتحولات ترسم لها من وراء البحار،مع إدراكنا العميق أنه لا وجود للصدفة في عالم السياسة؟ والواقع أن ما أفرزه “الربيع العربي” من مشاكل خطيرة خاصة باعتلاء جماعات الإسلام السياسي الحكم وتغلغلها في مفاصل الدولة، على غرار النموذجين التونسي المصري مما أدى إلى تعثر كل ما هو تغيير نحو الإيجابي والأفضل، إذ نرى على الصعيد السياسي ضعف دول وسقوط أخرى ودخول بعضها في حروب أهلية، وفي كل هذه الحالات يتغذى الإرهاب ويمدد وينفذ عمالياته حسب كل دولة.
ومن الطبيعي أن تحاول القاعدة، بعد مقتل بن لادن وتولي الظواهري قيادة الجماعة، تصعيد أنشطتها الإرهابية في دول المنطقة العربية لإعادة تأكيد وجودها وتأثيرها.
وفي هذا السياق، ربما تكون قيادة الظواهري تزمي إلى تضييق الفجوة بين القاعدة وجماعات الإسلام السياسي في البلاد العربية وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، مستفيدين من حالة الإضطراب وعدم الإستقرار في المنطقة العربية في مرحلة ما بعد الربيع العربي.
وبالنسبة للقاعدة لا فرق لديها بين الديمقراطية العلمانية والديكتاتورية العلمانية، فكلاهما غير إسلامي أو غير جهادي، وهدفها الأساسي هو بناء نظام إسلامي جهادي، وهو ما قد لا يتحقق في دول الربيع العربي أو في بعضها مباشرة، كذلك يعتقدون لا يمكن أن تتحقق بوسائل سلمية، بل باستخدام العنف العسكري الميداني الإرهابي .
ولمحاربة هذه الأفكار الإرهابية وما يتبعها من ممارسات وجب على الدول العربية وخاصة دول الربيع العربي انتهاج مقاربة سياسية وفكرية وثقافية واقتصادية في تواصل مع جماهيرها. وتعتبر القاعدة التنظيم الإرهابي الأقدم والأقوى ضمن طاهرة الإرهاب الدولي قبل بما يسمى الثورات العربية، ولكن مع أحداث 2011 وما ترتب عليها من تحولات كبرى سياسية واستراتيجية ببروز داعش،تحول هذا الأخير إلي التنظيم الأكبر والأوسع والأقوى والأكثر تأثيرا في المنطقة العربية، حتى إذا قورن بتنظيم القاعدة.
وضمن خطة مراكز صنع القرار الأمريكي لغيير خريطة الشرق الأوسط لصالح إسرائيل بدرجة كبيرة،اتخذ داعش مركزه الرئيسي شمال شرقي سوريا وشمال غربي العراق، وهما منطقتان متجاورتان شهدتا غيابًا للدولة أو ضعفًا لوجودها، أو صراعًا تاريخيًا مؤثرًا بين القوى الدينية الإسلامية من سنة وشيعة مع بعضها البعض، وغيرهما من الطوائف الدينية والجماعات العرقية.
ولأن عناصر داعش لم يكونوا في الصورة من قبل، ولأن قياداتهم توجد على الأرض العربية في العراق أو سوريا أو ليبيا، بينما قادة القاعدة يقيمون في باكستان أو أفغانستان، ولأن الدول العربية التي حدثت فيها ثورات غابت فيها الدولة أو تفككت أو ضعفت ولم يعد نظامها السياسي قويًا أو فاعلًا، كما هو الحال في ليبيا والعراق وسوريا واليمن، فإن ذلك كله قد أوقع المنطقة في مهب رياح إعادة تشكيلها.
وكان لدور تركيا في التعاطي مع الثورات العربية، وبخاصة في الحالة السورية تأثير مهم نتج عنه تجنيد آلاف المقاتلين من عديد الدول العربية ، وكذلك من بلدان أوروبية، للقتال في سوريا والعراق، وحتى لو قيل إن تركيا الآن تشارك في ضرب مناطق يوجد بها داعش ، وربما بتنسيق مع أمريكا ودول غربية أوروبية إلا أن ذلك لا يعني أن موقف تركيا من مسألة داعش لم يتغير كما هو عليه الحال الآن، وهو ما يشير إلى تغيرات في السياسات والمواقف الغربية، وبالذات الأمريكية، وإن كانت تتم كلها في إطار تحرك إستراتيجي من جانبهم يستهدف تقسيم أو إضعاف أو تفكيك الدول العربية خاصة بلدان الشرق الأوسط والخليج وشمال إفريقيا بحيث ينتهي تأثيرها الإقليمي والدولي ويسمح بالتالي لقوى أخرى بالهيمنة و السيطرة وفي مقدمتها إسرائيل مثلا.
ولم تقتصر التأثيرات السلبية والخطيرة الناتجة عن تمدد داعش على الدول الشرق الأوسط إذ لاشك في أن ما حدث هناك كان له ارتدادات طالت دولة القلب أو المركز العربي: مصر التي قاومت بضراوة التمدد الداعشي. لذلك فإن المواجهة الناجحة والفاعلة لمثل هذه التنظيمات الإرهابية تقوم على اتخاذ عديد السياسات والمواقف الإستراتيجية العسكرية والسياسية والإقتصادية والفكرية، إلى جانب المواجهة العسكرية والأمنية على أرضية تحالف دولي ترعاه الأمم المتحدة ودولها الأعضاء وبخاصة الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي، مسنودٍ بقوى إقليمية رئيسية مثل مصر والمملكة العربية السعودية والجزائر، وربما سوريا والعراق مستقبلا، وإن كانت هاتان الدولتان تمثلان ساحة المواجهة لقوى الإرهاب المتعدد القوميات والجنسيات على أراضيهما الآن.
ومن الاهمية بمكان بلورة تصور سليم دقيق وفاعل ومتكامل لمواجهة حاسمة مع تنظيمات الإرهاب والقوى الظلامية.