رامافوزا يسعى لترميم العلاقات مع واشنطن وسط ضغوط سياسية وتجارية وجدل حول ملف الأقلية البيضاء

قسم الأخبار الدولية 21/05/2025
أطلق رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا زيارة حساسة إلى العاصمة الأميركية واشنطن، في محاولة لإعادة ترتيب العلاقات مع إدارة الرئيس دونالد ترامب التي وصلت، وفق مراقبين، إلى أدنى مستوياتها منذ عقود. وتُعدّ هذه الزيارة الأولى من نوعها لرئيس أفريقي إلى البيت الأبيض منذ عودة ترامب إلى الحكم، فيما تخيم على الزيارة ملفات متداخلة تتراوح بين نزاع تجاري محتدم، وانتقادات لسياسات جنوب أفريقيا الداخلية، وانقسام حاد بشأن مواقف البلدين من إسرائيل وحرب أوكرانيا.
وجاءت الزيارة بعد أيام من إعلان إدارة ترامب استقبال 59 لاجئاً من الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا، وهي خطوة اعتبرها رامافوزا تدخلًا غير مبرر في الشأن الداخلي، خاصة في ظل تأكيداته بأن البيض لا يتعرضون للتمييز رغم أنهم يشكلون أقلية لا تتجاوز 7% من السكان ويملكون ما يزيد على 70% من الأراضي الزراعية.
ويشكّل قانون “نزع الملكية” الجديد الذي أقرّ في يناير/كانون الثاني الماضي أبرز نقاط التوتر، إذ يتيح للحكومة مصادرة أراضي دون تعويض لصالح فئات مهمشة، ما أثار حفيظة ترامب ورجل الأعمال إيلون ماسك، وفتح الباب أمام اتهامات بـ”التمييز ضد البيض” و”الإبادة الصامتة”، وهي رواية تنفيها بريتوريا بشدة وتعتبرها دعاية سياسية تستغلها أطراف يمينية في أميركا.
وفي هذا السياق، قال بيان صادر عن الرئاسة الجنوب أفريقية إن المحادثات المرتقبة مع ترامب ستتناول قضايا استراتيجية وثنائية ودولية ذات اهتمام مشترك، في حين يلف الغموض موقف البيت الأبيض، الذي لم يصدر أي تعليق رسمي عن الزيارة.
عقوبات اقتصادية ومساعدات موقوفة
ومنذ عودته للرئاسة، فرض ترامب سلسلة من الإجراءات العقابية ضد جنوب أفريقيا، أبرزها وقف مؤقت للمساعدات الطبية والمالية، وفرض رسوم جمركية باهظة تصل إلى 55% على وارداتها من السيارات والمعادن، وهو ما اعتبره رامافوزا “عقابًا اقتصاديًا” يضر بالشراكة الإستراتيجية بين البلدين، ويهدد فرص النمو في القارة الأفريقية برمتها.
كما علّق ترامب برامج الدعم الخاصة بمكافحة الإيدز، والتي كانت الولايات المتحدة تمول نحو خمسها. وقد أرجع هذه الخطوات إلى “تمييز عنصري تمارسه بريتوريا”، بالإضافة إلى موقفها في محكمة العدل الدولية، حيث قادت جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل تتهمها بارتكاب أعمال إبادة جماعية في غزة، وهو ما فجّر غضب واشنطن.
صراع المصالح الجيوسياسية
تتزامن الزيارة مع اقتراب تسليم جنوب أفريقيا رئاسة مجموعة العشرين للولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني، مما يمنح اللقاء زخماً خاصاً في ضوء التحولات الدولية الراهنة.
ورغم حياد جنوب أفريقيا المعلن في ملف الحرب الروسية الأوكرانية، فإن علاقاتها التاريخية مع موسكو، وامتناعها عن التصويت لإدانة روسيا في الأمم المتحدة، تثير تحفظات أميركية متزايدة، بينما تسعى بريتوريا إلى لعب دور وساطة، خاصة بعد استقبالها الرئيس الأوكراني زيلينسكي في أبريل الماضي، وتواصلها مع ترامب حول ضرورة إنهاء الحرب.
اختبار لشراكة مضطربة
تتجه الأنظار إلى ما ستفضي إليه القمة الثنائية اليوم، في ظل انقسام حاد في التوجهات السياسية والاقتصادية للبلدين، وتنامي الاستقطاب الدولي حول ملفات الأمن العالمي والعدالة الاجتماعية. وبينما تسعى جنوب أفريقيا لإعادة تفعيل شراكتها التجارية مع واشنطن، يراهن ترامب على تصعيد ضغوطه كورقة انتخابية داخلياً. ويبقى السؤال: هل يتمكن رامافوزا من رأب الصدع مع إدارة تبدو أكثر ميلاً للمجابهة من الحوار؟