رافع طبيب: لا نستبعد أبدا عودة القصف المتبادل وانهيار الاتفاق الهلامي المسقط في اي لحظة

قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 25-06-2025
كتب الدكتور رافع طبيب تحليلا استراتجيا على موقعه في الفيسبوك حول مآلات وتأثيرات المعركة الكبرى التي واجهت خلالها إيران، الامبراطورية وأذرعها العالمية وأذيالها الإقليمية لمدة تقارب الأسبوعين.
وفي بداية تحليله قال الدكتور رافع طبيب “ملاحظة في البداية : لا نستبعد أبدا عودة القصف المتبادل وانهيار الاتفاق الهلامي المسقط في اي لحظة.”
عبقرية التكنولوجية وصلابة العقيدة والتغيرات الجيوسياسية :
كانت المواجهة فاتحة العهد القادم في العلاقات الدولية التي أرادت الامبراطورية الآفلة ان يكون عنوانها اخضاع الأمم خارج اي قانون وبعد اسقاط اي معادلات تحكمها موازين القوى.
بمقاومتها كل مشاريع أمريكا “اسرائيل انحدرت نهائيا الى دورها الأصلي ككيان وظيفي عملياتي” التي حددت اهدافها بإسقاط الدولة الايرانية، ثم جرِّ طهران للإذعان التام والعودة لمائدة التفاوض بدون شروط، انتهاءا بترشيح ابن الشاه المخلوع لقيادة البلاد حالاً.
تمكنت ايران من المرور الى التجربة تحت النار والقتال لقدرات ترسانتها الصاروخية المدمرة والتي دكت مباشرة الكيان بدقة فائقة وبتشبيك معقد بين تشكيلات المسيرات وسهام الصواريخ الهجمات السيبرنائية والتي تجاوزت ال40٪ من الاختراقات لمنظومة القبة الحديدية بمستويات اعتراضها السبع واشتراك 16 جيشا غربيا. في حين، روجت أمريكا وتوابعها ان القبة تمنح ما بين ال95٪ الى 99٪ من الحماية ضد كل المنظومات البالستية الحالية والمستقبلية عالميا.
ازاء هذا الفشل التكتيكي والاستراتيجي، لم يعد هناك مجال للإقرار بأن سردية التفوق التكنولوجي العسكري ونظريات الاستعلاء العنصري المبنية على مقولة “الكيف يعوض عن الكمِّ” قد انهارت تماما وأصبحت من الماضي حين تكون ضمن تشكُّلٍ جيوسياسي تصطدم فيه المشاريع الامريكية بقوى صلبة ذات قدرات وعقيدة وارادة قتالية عالية.
أيقنت امريكا ان استراتيجيات الإغتيالات واستهداف القيادات ومزج البروباغاندا بالعمليات الاستخباراتية النوعية لا تنفع مع مجتمعات يوحدها الولاء للوطن والراية وتحكمه مؤسسات قائمة قادرة على تجديد طواقم التحكم والتسيير ولا تحلم بديمقراطية المنطقة الخضراء وكابول.
اما الصدمة الكبرى، فقد أتت من قلب المؤسسة الاعلامية الأمريكية التي أعلنت أحد قنواتها الأبرز : سي.ان.ان وساندتها في ذلك “نويورك تايمز” ان الضربات الموجهة للمنشآت النووية الايرانية كانت فاشلة ولن تؤخر المشاريع البحثية سوى أسابيع، الوقت اللازم لإعادة فتح البوابات المؤدية الى قلب المفاعلات.
سقطت أهم دعاية للإمبراطورية وتبين بالكاشف ان دخول أمريكا عصر ما بعد الحقيقة الذي يعتمد على التأثير العاطفي عوضا عن الإقناع، قد يكون فاشلا، فالبشرية لا تتبع من تبينت حدود قدراته العسكرية والاقتصادية كما انحداره الأخلاقي وكذبه.
اما على المستوى الاستراتيجي البحت، فقد ترسّخ للمتابعين ان نظرية الكيان – الحصن، منطلق التفكيك المجالي المؤمن في الشرق، قد اصبحت خلفنا. فمنذ اندلاع الطوفان، غادر اسرائيل ما يقارب المليون مستوطن من النخب والطبقات المرفهة ومن اصحاب الجنسيات القادمين من أمريكا وأوروبا الغربية.
فمنذ 13 جوان 2025، لم يبق للكيان اي مظلة استراتيجية وسقطت كل مشاريع تأمين غلافه الأول المكون من الكيانات المطبعة والذليلة.
لقد غيرت الحرب البالستية ومنظومات الصواريخ فرط الصوتية وصمود العقائد الوطنية والدينية كل صيغ الصدام ورسم خرائط الجيوسياسة.
انتهى عصر العمليات الاستخباراتية والإختراقات العليا القادرة على اسقاط الأوطان حين تكون الدولة ومؤسساتها وعقيدتها مبنية على تراث الأمة ومصالحها وانتماؤها لأحلاف صلبة وقدرة على التفاعل مع شعوبها. الامبراطورية والكيان لا ينتصران في شرقنا الا بوجه الجيوش الفاسدة والأنظمة الفردانية والشعوب المفككة ثقافة وفكرا.