رائحة الدم التي لا تزول من الذاكرة.. رواندا تسترجع جراح الإبادة بعد ثلاثة عقود من المذبحة

قسم الأخبار الدولية 03/06/2025
أعاد الصحفي محمود العدم سرد مأساة رواندا من قلب العاصمة كيغالي، حيث لا تزال شوارع المدينة تحمل بصمات الدماء التي سالت خلال إبادة جماعية وُصفت بأنها من أبشع الجرائم في التاريخ الحديث. فبين أبريل ويوليو عام 1994، قُتل نحو مليون شخص في غضون مئة يوم فقط، في مذبحة استهدفت أساسًا أقلية التوتسي على يد متطرفين من جماعة الهوتو، وسط تحريض إعلامي وحكومي مباشر وصمت دولي مطبق.
أسباب تاريخية وصناعة استعمارية للصراع
كشف التقرير خلفيات الكارثة، معتبرًا أن جذورها تعود إلى الحقبة الاستعمارية، حين عمدت ألمانيا أولًا ثم بلجيكا لاحقًا إلى تقسيم السكان عرقيًا، وإذكاء صراعات بين التوتسي والهوتو. منح المستعمر سلطات إدارية وكنسية إلى التوتسي في البداية، قبل أن يقلب ولاءه لصالح الهوتو إثر ثورة الخمسينيات، ما أدى إلى تهجير عشرات الآلاف من التوتسي وخلق فجوة اجتماعية عميقة، غذّتها صحف وإذاعات موجّهة من الكنيسة والسلطة.
رواية القتل الممنهج عبر الإعلام والبطاقات
سلّط التقرير الضوء على دور الإعلام في تسريع وتيرة الإبادة، حيث بثت إذاعة “RTLM” الرسمية موسيقى وخطابات تمجّد الهوتو وتشيطن التوتسي، فيما أصدرت الصحف قوائم استهداف باسماء الضحايا، وحرّضت على القتل بإعلانات صريحة. كما كانت بطاقات الهوية -التي أنشأها الاستعمار البلجيكي لتصنيف السكان عرقيًا– أداة مركزية في فرز وقتل الضحايا.
دور الكنيسة والمليشيات المسلحة في المجازر
منحت الكنيسة الكاثوليكية منصات إعلامية للهوتو، مثل صحيفة “كينا ماتيكا”، التي صوّرت التوتسي كـ”غرباء” لا حق لهم في الوطن. وبموازاة ذلك، أنشئت ميليشيات “إنتراهاموي” التي لعبت دورًا حاسمًا في تنفيذ المجازر، مستهدفة كل من يُشتبه بانتمائه للتوتسي، حتى لو بالملامح فقط.
وبعد نهاية المجازر، أعادت الجبهة الوطنية الرواندية بقيادة بول كاغامي السيطرة على البلاد. وعلى أنقاض الدولة المنهارة، تولّى كاغامي زمام الأمور عام 2000، محددًا هدفين أساسيين: المصالحة الوطنية، وإنهاء الفقر والفساد. وفعلاً، حظرت السلطات الجديدة التصنيفات العرقية، واعتمدت دستورًا جديدًا، كما نظّمت محاكم الجاكاكا الشعبية لمحاكمة المشاركين في الإبادة.
الملف الفرنسي والدور الإسلامي
أشار التقرير إلى تورط فرنسا في دعم النظام الذي نفّذ المجازر، وهو ما كشفته تقارير دولية ومحلية لاحقًا، في حين برز دور الأقلية المسلمة في حماية المدنيين التوتسي، وهو موقف حظي بإشادة رسمية من الحكومة الرواندية.
وعبر مقابلات مع ناجين وشهادات حية، اختتم العدم تقريره بالتأكيد على أن المذبحة لم تكن مجرد فصل دموي في تاريخ القارة، بل جرح مفتوح في الضمير العالمي، يستدعي مراجعة دور القوى الاستعمارية، وضرورة بناء نظم عادلة تمنع تكرار مثل هذه الكوارث.