بعيدا عن المدح أو القدح،وتقديسا لمنهج الموضوعية سعيا إلى ملامسة الحقيقة ونفض ما تراكم من غبار على عديد القضايا والأحداث التي شهدها الوطن العربي،وفي مقدمتها ما لحق ثورة الفاتح من سبتمبر التي حلت ذكراها الخمسون هذه الأيام،لايمكن لباحث نزيه إلا أن يلتزم جانب استنطاق الوقائع والأحداث بعيدا عن الكم الهائل من الترويجات الحاقدة وعمليات التشويه والشيطنة التي صاحبت الحرب على الثورة منذ السنوات الأولى التي أعقبت قيامها عام 1969.
في سياقها الزمني،جاءت الثورة حاملة مشروعا تنمويا محليا، وآخر قوميا تحرريا رافدا للعمل العربي لتجاوز آثار النكسة الخطيرة التي هزت الوطن العربي عام 1967،واتضحت بوادر هويتها الأولى جلية منذ أن اختارت كلمة سرها القدس.
في هذه الذكرى، نترك بعض الوقائع الموثقة تتحدث عن نفسها،وتكشف عن سرها.
محليا، كانت خمس قواعد أمريكية وبريطانية جاثمة على الأرض الليبية تم طردها قبل مرور سنة من انطلاق الثورة،ثم جاءت عملية تأميم النفط الذي كان محتكرا من الشركات الغربية،وعرفت البلاد ثورة زراعية هائلة أعقبتها حركة تصنيع واسعة ومن بينها مصنع الحديد والصلب الضخم بمدينة مصراتة،وصولا إلى إنجاز مشروع النهر الصناعي لنقل المياه العذبة من قلب الصحراء عبر شبكة 4000 كيلومترإلى كل المدن الليبية.
مشروعات عديدة حوّلت ليبيا في ظرف سنوات قصيرة من إحدى أفقر عشر دول فى العالم إلى دولة مزدهرة، ومن بينها:
– رصف 24 ألف كيلومتر من الطرق الحديثة داخل المدن وخارجها.
– إنشاء 10 موانئ بحريهة.
– بناء 3000 مدرسة وإضافة 30 ألف فصل دراسي في التعليم الأساسي والثانوية .
. بناء 20 جامعة و 25 كلية و80 معهد بين عالٍ و متوسط –
– إنشاء 50 محطة لتوليد الطاقة الكهربائيه منها الغازية والبخارية.
– – إنجاز 600 مستوصف ومجمع طبي داخل أحياء المدن والقرى.
– تأسيس جمعية الدعوة الإسلامية التي بنت ما يقارب 5000 مسجد وجامع داخل ليبيا وخارجها وخاصة في القارة الإفريقية، إلى جانب تخرج 61 ألف إفريقي من كلية الدعوة الإسلامية.
قوميا،لا يمكن لمراقب منصف إلا أن يثمن المساهمة الكبيرة للراحل معمر القذافي في حرب أكتوبري جانب كبير منها عام 1973 حين كان يشرف بنفسه على شحن الأسلحة من المطارات الليبية إلى مصر،كما يذكر التاريخ أن الزوارق التي عبر بها الجيش المصري قناة السويس وفرتها ليبيا في جانب كبير منها ،إضافة إلى طائرات الميراج التي كانت ليبيا قد استلمتها لتوها من فرنسا ودفعت بها في سماء المعركة.
المقاومة الفلسطينية بدورها شهدت أكبر دعم لها من قبل ثورة الفاتح عسكريا وماديا وسياسيا طيلة سنوات كفاحها ضد الإحتلال، في ذات الوقت الذي كانت الثورة تخوض معركة الوحدة لبناء القوة الذاتية العربية لمواجهة التحديات المعاصرة في عصر القوة والتكتلات الدولية..
عمل القذافي بقوة على اللغة العربية كلغة رسمية في المحافل الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة.
عديدة أيضا هي الدلالات التي تبرهن على أن رحيل القذافي شكّل خسارة لإفريقيا، إذ أنه كان عنصرا أساسيا في المشهد الإفريقي..بادر إلى دعم حركات التحرر الإفريقية ضد نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا، وعمل على إرساء أسباب النهوض لقارة استعبدت واستغلت قرونا متتالية.
كثيرة هي المحطات المضيئة التي تستعصي على النسيان،وفي المقابل يكشف المشهد الحياتي عن خباياه منذعام 2011 بمشاهد مروعة من الإنفلات الأمني والفوضى وتغول الميليشيات والنهب للممتلكات العامة واستباحة البلاد من قبل المرتزقة والتنظيمات الإرهابية.
نترك الوقائع تتحدث، لمن يريد أن يدرك حقيقة المؤامرة، وهذه المرة على لسان القائد الأعلى الأسبق لحلف شمال الأطلسي الجنرال ويسلي كلارك.. يقول :”حوالي عشرة أيام بعد حادثة 11 سبتمبر 2001 ، ذهبت إلى وزارة الدفاع ، وبعد أن قابلت الوزير دونالد رامسفيلد ، هبطت إلى الطابق السفلي لمقابلة بعض الاشخاص الذين كانوا تحت إمرتي..أحد الجنرالات ناداني قائلا :”سيدي ، عليك القدوم والتحدث معي لفترة وجيزة”.
قال : “لقد أنخذنا قرارا ، سنخوض الحرب في العراق”.
قلت له :”هل وجدوا أي دلائل تربط صدام حسين بالقاعدة ؟
قال :”لا… لا جديد في هذا ! “
تابع الجنرال كلارك كلامه قائلا:”عدت لرؤيته بعد عدة أسابيع ، وفي ذلك الوقت كنا قد بدأنا القصف الجوي في أفغانستان”.
قلت له : “هل لا نزال على قرارنا بالحرب في العراق ؟
قال :”بل أسوأ”..ثم إنحنى على مكتبه وتناول مذكرة وقال :”لقد استلمت
هذه من الأعلى ، من مكتب وزير الدفاع ، هذه مذكرة تصف كيف علينا إحتلال 7 دول في مدة 5 سنوات:العراق – سوريا – لبنان – ليبيا – الصومال – السودان ثم ننتهي في إيران”.