خطاب تاريخي للرئيس الصيني في قمّة استثنائية صينية افريقية
الصين وأفريقيا: رؤية مستقبلية مشتركة للتنمية المستدامة عبر الابتكار والتعاون متعدد الأقطاب
إعداد صبرين العجرودي قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 05-09-2024
اشراف ومراجعة الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي
مثّل خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ بعنوان “العمل يدا بيد على دفع عجلة التحديث، وبذل جهود مشتركة لبناء مجتمع المستقبل المشترك” دعوة مباشرة للتعاون العالمي، خصوصاً بين الصين والدول الأفريقية، من أجل بناء مستقبل مشترك قائم على التنمية المستدامة والابتكار.
وقد ركز خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ بعنوان “العمل يدا بيد على دفع عجلة التحديث، وبذل جهود مشتركة لبناء مجتمع المستقبل المشترك” على التعاون بين الصين وأفريقيا خلال قمة منتدى التعاون الصيني-الأفريقي (FOCAC) لعام 2024.
كما شدّد على ضرورة العمل المشترك لتحقيق التحديث والتنمية المستدامة في كلا الجانبين، من خلال استثمارات في التكنولوجيا والبنية التحتية، وتوسيع التعاون في المجالات العلمية والاقتصادية، مع التركيز على بناء مستقبل مشترك يعزز منازعات الأمم وتنوع الحضارات.
أهم النقاط التي تناولها الرئيس شي جين بينغ في كلمته
-
التحديث المشترك:
أكد الرئيس شي على أهمية الشراكة بين الصين وأفريقيا لتحقيق التحديث والتطور، مشيرا الى أنّ بلاده مستعدة لمشاركة خبراتها وتقنياتها في مجال التصنيع، الزراعة، والبنية التحتية، مع التركيز على الحد من الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي.
-
التكنولوجيا والابتكار:
شدد “شي” على أهمية الابتكار والتكنولوجيا في دفع عجلة التحديث. كما اقترح تعزيز التعاون في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، التنمية الخضراء، والابتكار الصحي، من خلال إنشاء مختبرات مشتركة، يمكن للدول الأفريقية والصين الاستفادة من التقدم التكنولوجي لتعزيز النمو المستدام.
-
البنية التحتية والتجارة:
تطرق الرئيس شي إلى الدور الحيوي الذي تلعبه البنية التحتية في تعزيز التكامل الاقتصادي. وقدمت الصين التزامات بدعم مشاريع البنية التحتية الكبيرة في أفريقيا، مثل بناء الطرق والموانئ، لتمكين التجارة الإقليمية والدولية.
-
الاستدامة وحماية البيئة:
أكد الرئيس شي على ضرورة تطوير حلول مستدامة لحماية البيئة، مع التركيز على الزراعة الحديثة، وإنتاج الطاقة المتجددة، وتقنيات خفض الكربون، هذه الجهود تعتبر جزءاً من رؤية الصين لمستقبل أخضر ومستدام، وهي تعكس التزامها المتزايد بالتصدي للتغير المناخي وتعزيز التنمية الخضراء. ويتماشى هذا التعاون البيئي مع التحديات العالمية التي يواجهها العالم اليوم مثل تغير المناخ.
-
التعددية:
دعا شي إلى دعم التعددية في النظام الدولي، مشيراً إلى أن التعاون الدولي يجب أن يعتمد على الاحترام المتبادل والمساواة، مع رفض ممارسات الهيمنة التي تقوض مصالح الدول النامية.
-
مجتمع المستقبل المشترك:
اختتم شي خطابه بالدعوة لبناء مجتمع دولي أكثر تعاوناً وتكافلاً، حيث يتم احترام السيادة الوطنية وحل النزاعات عبر الحوار والتفاوض.
بالتالي يعكس الخطاب رؤية الصين لعالم أكثر تكافلاً وتعاونا في ظل التحديات العالمية المتزايدة مثل التغير المناخي، عدم الاستقرار الاقتصادي، والصراعات الدولية.
كما تسعى الصين من خلال تعزيز شراكتها مع أفريقيا إلى تعزيز التنمية المستدامة على الصعيد العالمي، وتقوية العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع القارة الأفريقية، ما يساهم في تحقيق مصالح مشتركة لكلا الطرفين.
يمكن اعتبار هذا الخطاب جزءاً من الاستراتيجية الصينية لتوسيع قوّتها العالمية عبر مبادرات مثل “الحزام والطريق”، التي تهدف إلى تعزيز الروابط الاقتصادية والسياسية بين الصين ودول أخرى، خاصة في أفريقيا.
قراءة في التوجهات الاستراتيجية للصين في ظلّ التحديات العالمية الراهنة من خلال كلمة السيد الرئيس “شي”
يعكس الخطاب أبعاد عميقة تتعلق بالتوجهات الاستراتيجية للصين في إطار علاقتها مع أفريقيا والتحديات العالمية الراهنة، متمثّلة في:
-
تعزيز دور الصين كقوة عالمية مسؤولة:
حيث أكد شي جين بينغ على الدور الذي ترغب الصين في لعبه كقوة عالمية ملتزمة بالتنمية المستدامة وتحقيق المصلحة المشتركة لجميع الأطراف. وهي رؤية ليست جديدة، فهي تتماشى مع سياسة الصين الخارجية التي تسعى منذ سنوات إلى توسيع نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي عالميًا، خاصة من خلال مبادرة الحزام والطريق التي تركز على تعزيز الربط الاقتصادي والبنية التحتية مع الدول النامية، بما في ذلك أفريقيا.
-
مواجهة الرؤية الأحادية للغرب من خلال تعددية الأقطاب:
وهي إحدى الرسائل الضمنية في الخطاب تتعلق بتحدي الهيمنة الغربية على الساحة الدولية، وذلك من خلال دعوته للتعددية، إذ ينتقد الرئيس الصيني النظم الدولية التي تسيطر عليها القوى الغربية والتي قد تعوق مصالح الدول النامية. وترى الصين أن بناء شراكات جنوب-جنوب مع أفريقيا يعزز فكرة النظام العالمي المتعدد الأقطاب الذي يعترف بحق الدول النامية في تقرير مصيرها ودورها في الحوكمة العالمية.
هذه الرؤية تتناقض مع النماذج التقليدية للعلاقات الدولية التي فرضت فيها القوى الكبرى شروطًا اقتصادية وسياسية صارمة على الدول النامية.
-
التركيز على الابتكار كمحرك للنمو:
من خلال تركيزه على التكنولوجيا والابتكار، يعكس خطاب شي رؤية الصين للتنمية الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين، حيث أن التطور المستدام ضمن منظورها في أفريقيا يعتمد على تجاوز نموذج الاقتصاد القائم على الموارد الطبيعية إلى نموذج قائم على المعرفة والتكنولوجيا.
-
الدبلوماسية الثقافية والإنسانية:
لم يقتصر خطاب الرئيس الصيني على الجوانب الاقتصادية أو التكنولوجية، بل ركز أيضًا على القيم المشتركة التي تجمع الصين وأفريقيا، مثل التسامح والسلام والتنمية الشاملة. وهي دبلوماسية ثقافية تسعى من خلالها الصين إلى تعزيز الروابط الإنسانية مع الدول الأفريقية، ما يجعل التعاون بين الطرفين أكثر استدامة، ويخلق بيئة أكثر تقبلاً للشراكات الاستراتيجية في المستقبل.
خلاصة:
بالتالي خطاب شي جين بينغ هو تجسيد لسياسة الصين الشاملة تجاه أفريقيا التي تتجاوز المصالح الاقتصادية البحتة إلى تقديم نموذج عالمي للتعاون القائم على الاحترام المتبادل والتطور المشترك. من خلال تعزيز الابتكار، تحقيق التنمية المستدامة، والتمسك بتعددية الأقطاب، وهو تعزيز لمكانتها كقوة عالمية مسؤولة تراعي مصالح جميع الأطراف، في الوقت الذي تسعى فيه لتوسيع نفوذها على الصعيد الدولي.