حنا تيتيه المبعوثة الأممية الجديدة إلى ليبيا: التحديات والفرص في مرحلة مفصلية
إعداد صبرين العجرودي قسم البجوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية 28-01-2025
في خطوة هامة للأمم المتحدة، أعلن الأمين العام أنطونيو غوتيريش تعيين حنا سيروا تيتيه، من غانا، ممثلة خاصة له في ليبيا ورئيسة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في البلاد. هذا التعيين يأتي في وقت حاسم بالنسبة للأزمة الليبية التي تمر بتحديات سياسية وأمنية معقدة، ويُتوقع أن تواجه المبعوثة الجديدة ملفات معقدة ومهام دقيقة لضمان تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في البلاد. وُلدت تيتيه في 31 مايو 1967 بمدينة زيجيد المجرية لأب غاني وأم مجرية، وقد تمتعت بتجربة مهنية غنية في المجال السياسي والدبلوماسي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
خلفية مهنية راسخة
تمتلك حنا تيتيه سجلاً حافلاً في العمل الدبلوماسي الدولي، حيث شغلت العديد من المناصب الرفيعة في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. تولت مؤخراً منصب المبعوثة الخاصة للأمين العام إلى منطقة القرن الأفريقي بين عامي 2022 و2024، وسبق أن كانت ممثلة خاصة للأمين العام في الاتحاد الإفريقي بين 2018 و2020. وسبق لها أيضاً أن عملت كمدير عام لمكتب الأمم المتحدة في نيروبي، مما منحها خبرة هائلة في التعامل مع النزاعات السياسية والمعقدة في قارة أفريقيا.
في مسيرتها السياسية، شغلت تيتيه مناصب وزارية مهمة في غانا، حيث كانت وزيرة للتجارة والصناعة بين 2009 و2013، ثم وزيرة للخارجية بين 2013 و2017. كما كانت عضوًا في البرلمان الغاني لفترتين، حيث ساهمت بشكل فعال في صياغة التشريعات الوطنية. هذه الخبرة الواسعة في القيادة السياسية جعلتها واحدة من الشخصيات الأكثر تأثيرًا في إفريقيا.
التحديات أمام تيتيه في ليبيا
تتولى حنا تيتيه هذا المنصب في ظل ظروف بالغة التعقيد في ليبيا، التي ما تزال تعاني من حالة انقسام سياسي وأمني منذ سقوط النظام السابق في 2011. وفي تاريخ الأزمة الليبية، تعاقب تسعة مبعوثين أمميين على الملف الليبي، دون أن يتمكن أي منهم من تحقيق استقرار حقيقي أو تقدم ملموس نحو حل سياسي دائم.
وتتمثل الملفات التي ستواجهها المبعوثة الجديدة في عدة محاور رئيسية: أولها، تعزيز الحوار بين الأطراف السياسية المتنازعة، والتي ما تزال في انقسام حاد بين الشرق والغرب الليبي.
ثانيًا، ملف الانتخابات المتعثرة منذ عام 2014، والتي تحتاج إلى دعم قوي لإحيائها وإتمامها على نحو يلبي تطلعات الشعب الليبي.
ثالثًا، التحديات الأمنية التي تعيق أي تقدم، وخاصة على صعيد تنفيذ اتفاقات اللجنة العسكرية (5+5) التي تواجه عراقيل متواصلة، خاصة من الأطراف في غرب ليبيا.
التحديات الأمنية تُعتبر من أبرز العوائق، حيث لا تزال الأسلحة منتشرة على نطاق واسع في البلاد، مما يزيد من تعقيد جهود نزع السلاح وإنهاء النزاع المسلح. هذا الأمر يتطلب حلولًا جذرية وقرارات شجاعة من المبعوثة الجديدة، تتضمن إعادة بناء الثقة بين الأطراف المتصارعة وإحياء مسار الحوار العسكري والسياسي بشكل يتسم بالمرونة والفعالية.
دعم دولي وبيئة دولية مؤيدة
رغم هذه التحديات، تشير بعض التحليلات إلى أن تكليف حنا تيتيه يمكن أن يمثل فرصة تاريخية لإنهاء حالة الجمود. فقد أُحيطت عملية التعيين بظروف دولية قد تؤثر إيجابيًا على مسار الأزمة الليبية. فالتوافق الدولي بين القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وروسيا، حول الملف الليبي قد يفتح نافذة جديدة للتعاون متعدد الأطراف في دعم جهود المبعوثة الأممية.
وفقًا للمحللين، فإن الدعم الدولي، ضروريًا لنجاح تيتيه. ويرتبط هذا الدعم بتحقيق توازن في المصالح الإقليمية والدولية، حيث تتنافس بعض القوى الإقليمية على النفوذ في ليبيا، مما يضيف مزيدًا من التعقيد إلى الوضع الراهن.
تقييم الوضع الحالي وآفاق النجاح
في هذا السياق، يرى بعض الخبراء السياسيين مثل الدكتور يوسف الفارسي أن حنا تيتيه ستواجه تحديات جسيمة على المستوى السياسي والأمني. ومن أبرز هذه التحديات، تعزيز الحوار بين الأطراف السياسية المتنازعة، ودفع عملية الانتخابات المتوقفة. ويرى الفارسي أن المسار الذي بدأته سابقتها، ستيفاني ويليامز، يجب أن يستمر، ولكن بمرونة أكبر واستراتيجيات جديدة قد تساعد على تجاوز حالة المراوحة التي تميز الأزمة الليبية.
ويُتوقع أن يكون لأدوات تيتيه السياسية والديبلوماسية، مثل الوساطة بين الأطراف المتنازعة، دور حاسم في التقدم نحو المصالحة الوطنية. ولكن، في الوقت ذاته، يشير الخبراء إلى أن نجاح المبعوثة يعتمد بشكل كبير على قدرتها في كسر الحلقة المفرغة من الفشل التي ميّزت عمل سابقيها، والتي تمثلت في انعدام الثقة بين الأطراف السياسية وتزايد التوترات الأمنية.
الآفاق المستقبلية
بناءً على خلفيتها وتجربتها الواسعة، يمكن لحنا تيتيه أن تضع بصمتها في ليبيا إذا نجحت في إعادة بناء الثقة بين الفرقاء السياسيين، ونجحت في إحياء عملية الانتخابات. يتفق المحللون على أن المعركة الحقيقية ستكون في إحداث تحولات جذرية على الأرض، تضمن دمج الأطراف المتنازعة في مسار سياسي دائم، بعيدًا عن الانقسامات التقليدية التي لطالما أضعفت جهود السلام.
وفي ظل الظروف الحالية، يبدو أن ليبيا أمام فرصة جديدة لتحقيق الاستقرار السياسي، خاصة مع دخول تيتيه على خط المساعي الأممية في سياق دولي يتسم بالتوافق، وهو ما يعزز الآمال في تحسين الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد.