حروب “البينغ بونغ” بين إسرائيل وإيران.. مواجهات مفتوحة ومخاطر كبيرة
إعدلد الدكتور حسن أبو طالب: مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
بالرغم من كونها لعبة رياضية بالأساس، يتنافس فيها لاعبان أو أربعة لاعبين، يقذفون الكرة فوق طاولة مستطيلة في مواجهة بعضهما البعض، والفائز هو من يتحكم في الكرة ويمنع سقوطها حين تأتى من منافسه، ثم يعيدها بقوة إليه، وهكذا تُنال النقاط ويتحدد الفائز الأكثر تركيزاً، والأكثر قدرة على توجيه الضربات في محلها المرغوب. هذه اللعبة المسماة “بينغ بونغ”، أو كرة الطاولة، صارت نشاطاً دبلوماسياً مشهوداً في العام 1971، حين تواجه لاعبان صيني وأمريكي في إحدى المناسبات الدولية للعبة، حيث تبادل بعدها الطرفان الزيارات التبادلية، مما مهد إلى تحول كبير في موقف الولايات المتحدة تجاه الصين الشيوعية، فتم الاعتراف بها وبسياستها المسماة الصين واحدة، بما يعنيه التخلي الأمريكي عن مبدأ استقلال تايوان التي تطالب بها الصين الأم.
دبلوماسية الـ”بينغ بونغ” في نشأتها على النحو السالف ذكره، كمصطلح وكعملية رياضية سياسية في الآن ذاته، كانت تعنى ببساطة فتح الأبواب المغلقة أمام تحولات إيجابية بين أطراف بينها خلافات وصراعات كبرى، فإذا بمنافسة ودية بين لاعبى البلدين تحول العداء إلى انفتاح واعتراف وتبادل دبلوماسي ومصالح مشتركة. ومن ثم يحدث تحول كبير على المستوى العالمى وفق مبدأ “الصداقة أولاً والمنافسة ثانياً” الذى رفعته الصين آنذاك، ومثل لها انفراجه كبرى في علاقتها مع واشنطن ومع العالم بأسره.
“بينغ بونغ” الشرق الأوسط.. صراع دامى
في منطقتنا؛ يأخذ الأمر منحى عكسياً، فبدلاً من التوجه التنافسى السلمى كما في حالة بكين وواشنطن، إذا به يأخذ منحى صراعياً مدمراً لأصحابه ولمن حولهم، وهو ما نشهده في الصراع الذى بات مكشوفاً بين طهران وتل أبيب، وكما تشير المواقف فثمة ضربة هنا وضربة مقابلة لها، والمجال مفتوح لضربات متبادلة في المستقبل القريب.
حين أقدمت إيران على توجيه ضربة صاروخية لإسرائيل في 13 أبريل 2024 سميت “الوعد الصادق”، رداً على قيام إسرائيل بقصف مبنى القنصلية الايرانية في دمشق، عملاً بحق الرد القانوني، بدأت عملياً مرحلة جديدة في صراع الطرفين، يمكن وصفها بمرحلة المواجهة المباشرة، بعد سنوات طويلة من المواجهات غير المباشرة، ثم تكررت الجولة مرة أخرى بعد أن أقدمت إيران في الأول من أكتوبر الجارى على توجيه ضربة صاروخية على أصول عسكرية إسرائيلية سميت “”الوعد الصادق 2″، أبرزها قاعدة نيفاتيم التي تحتضن عدداً كبيراً من الطائرات الإسرائيلية الأمريكية الصنع من طرازي إف 16 وإف 35، فأصابت بعضها بأضرار جسيمة، وهى الجولة التي رأت فيها إسرائيل عملاً عدائياً لا يمكن تجاهله ولابد من الرد عليه، علماً بأن الضربة الإيرانية كانت بمثابة رد على قيام إسرائيل في 31 يوليو الماضي باغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس حين كان في زيارة لإيران، ثم اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني، والذى يعد “درة الوكلاء” الإيرانيين المحليين في لبنان وفى الشرق الأوسط ككل، يوم 27 سبتمبر الماضى، وبصحبته العميد عباس نيلفوروشان، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني.
الضربة الصاروخية الإيرانية في الأول من أكتوبر عبّرت عن قدرة الصواريخ الإيرانية في الوصول إلى العمق الإسرائيلي وإلى أهداف محددة بدقة، لاسيما الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ الباليستية الإيرانية المنشأ، في اجتياز كافة المنظومات الدفاعية الصاروخية الإسرائيلية الأكثر تطوراً وتعقيداً، والتي أصيب بعضها في الهجوم الإيراني نفسه.
كما عبّرت أيضاً عن قرار إيرانى بحتمية الرد على الانتهاكات الإسرائيلية للمصالح الإيرانية ذات الصلة المباشرة بالأمن القومى، الأمر الذى نظرت إليه حكومة الحرب الإسرائيلية والولايات المتحدة باعتباره تطوراً خطيراً، يجب معاقبة فاعله، مع الأخذ في الاعتبار الفارق الكبير الذى ظهر في موقفى الطرفين حول حدود وطبيعة الرد الإسرائيلي المضاد.
تباين أمريكي-إسرائيلى
قامت الرؤية الإسرائيلية على ضرورة الرد الحاسم، والقيام بحملة جوية كبرى تصيب مفاصل القوة العسكرية والنفطية والنووية الإيرانية في مقتل، لاستعادة قوة الردع الإسرائيلية وإظهار القدرات الإسرائيلية في مهاجمة أي كائن يتجرأ على “أمن إسرائيل ووجودها”، وأياً كان موقعه الجغرافى. أما عملياً، فقد تبين أن هذا الطموح ليس بقدرة إسرائيل وحدها، وأن الدعم، بل والمشاركة الأمريكية العسكرية المباشرة في مثل هكذا ضربة قاصمة لإيران لا غنى عنها. وهنا اصطدمت أحلام حكومة الحرب الإسرائيلية التي يسيطر عليها الوزيران المتطرفان بن غفير وسموتريتش، وينصاع لهما رئيس الوزراء نتنياهو بلا تردد، اصطدمت بواقع محدودية إمكانات الإجهاز الإسرائيلية منفردة على القدرات الشاملة لإيران. كما اصطدمت أيضاً بموقف أمريكى رافض لمثل هذه الأحلام المجنونة التي تورط الولايات المتحدة نفسها في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، وتضر بمساحة واسعة للغاية بمصالحها في المنطقة ومصالح كبرى لكل حلفائها وأصدقاها.
تبلور الموقف الامريكى مبدئياً في حق إسرائيل بتوجيه ضربة لإيران، حتى يحفظ الإسرائيليون ماء وجههم، ومعاقبة إيران بضوابط تحول دون اندلاع صراع إقليمى لا يمكن السيطرة عليه، ولا يحقق أمن إسرائيل، بل يدفع إلى خسارتها الكثير من الأشياء، بما فيها أمن إسرائيل ذاته.
وبعد جولة من المناكفات الدعائية والتصريحات المتضاربة والاتصالات المتبادلة، استطاعت الولايات المتحدة إقناع بنيامين نتنياهو بأن يقتصر الهجوم على المواقع العسكرية وحسب، ويستبعد تماماً المواقع النووية والنفطية، نظير أن تقدم واشنطن مزايا ودعماً لوجيستياً وعسكرياً كبيراً لإسرائيل، تمثل أبرز بنوده في نشر بطاريتين للدفاع الصاروخي في طبقات الجو العليا المعروف باسم “ثاد”، وأن يقوم الجنود الأمريكيون أنفسهم بتشغيلها لحماية الأجواء الإسرائيلية من الصواريخ الإيرانية في حال قررت الرد المباشر على الهجوم الإسرائيلي حال حدوثه، كما أرسلت عدة أسراب من الطائرات اف 35 إلى قواعد أمريكية في المنطقة، وحرَّكت حاملة طائرات لتكون قريبة من الإقليم، في رسالة ردع مباشرة لإيران.
وجاء الهجوم الأمريكى على مواقع لحركة أنصار الله الحوثية في الحديدة ومواقع يمنية أخرى ليلة 17 أكتوبر بالطائرات القاذفةB2 الخفية، والتي انطلقت من قواعدها في الأراضي الأمريكية، لترسل رسالة عملية إلى الولايات المتحدة يمكنها أن تستنفر كل قواتها العسكرية الضاربة لحماية إسرائيل ولردع الوكلاء الإيرانيين في المنطقة.
ضوابط أمريكية للصراع الإيراني-الإسرائيلى
تمثل الهدف الأمريكي المباشر من كل الأنشطة العسكرية والدبلوماسية في وضع ضوابط على الهجوم الإسرائيلى على إيران وحصره في نطاق عملياتي لا يؤدى مباشرة الى مواجهة إقليمية، كما وضع أيضاً قيوداً على أى تحرك عسكرى إيرانى فورى، في ظل رسائل وإشارات أبُلغت بها طهران مسبقاً بأن الرد الإسرائيلي لن يخرج عن نطاق معين، ويجب أن يُقبل به كرد يغلق عملية المواجهات المتبادلة.
وجاءت عملية تسريب متعمد لوثيقتين تضمنتا تقديرات الاستخبارات الأمريكية حول التجهيزات الإسرائيلية للهجوم على إيران، بمثابة تقييد غير مباشر للتحرك الإسرائيلي من خلال كشف نواياه والاستعدادات العملية التي يقوم بها، ورسالة بأن الولايات المتحدة لديها مصالحها التي يجب أن تُراعى ولا يتم التهوين بها، فضلاً عن تنبيه للجانب الإيراني لاتخاذ خطوات تحول دون تعرضه لمفاجآت غير محسوبة، ومن ثم تهدئة رد فعله المرتقب.
تحركات إيرانية ذات دلالة
ويلاحظ هنا أمران:
- الأول، يتمثل في أن جولة وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى لعدد من دول المنطقة، وشملت مصر والأردن وتركيا والسعودية والعراق وقطر، فضلاً عن اتصالات مع أمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، وذلك في ظل المناورات الدعائية المتبادلة مع إسرائيل، قد حملت رسائل متعددة المستويات حول رؤية إيران بِشأن من يتعاون مع إسرائيل لضرب بلاده، واعتبار أى تعاون بمثابة مشاركة في الهجوم الإسرائيلي، ومن ثم يحق لإيران أن ترد على هذا القدر من التعاون وفقاً له.
- والثاني، ينصرف إلى إعلان دول مجلس التعاون الخليجى والعراق والأردن حيادها التام ورفضها أن تكون أراضيها نقطة انطلاق أو عبور للطائرات الإسرائيلية للهجوم على إيران. ويعد موقف الحياد تعبيراً عن الحرص الشديد لمحاصرة أية آثار سلبية قد تنتج عن الهجوم الإسرائيلي على مصالحها، وهو الحياد الذى بدا مقيداً إلى حد كبير لأسلوب عمل الهجوم الإسرائيلي، دون أن يمنعه تماماً، لاسيما وأن القدرات الجوية الإسرائيلية أمكنها بالفعل اختراق أجواء العراق دون أى مقاومة، نظراً لافتقاره منظومات للدفاع الجوى تعمل بعيداً عن الوجود الأمريكي.
في ظل هذه البيئة المفعمة بالتطورات المتضاربة والجهود المبذولة للسيطرة المسبقة على تداعيات الهجوم الاسرائيلى الذى أصرت عليه حكومة الحرب في تل أبيب، تم تنفيذ الهجوم بهدف استعادة الردع المفقود مع إيران ووكلائها في الإقليم، وتطبيقاً لمنهج ضرب من يجرؤ على الإضرار بما يوصف بأمن إسرائيل ووجودها، فضلاً عن أهداف أخرى سعت تل أبيب لتحقيقها، من قبيل الحد من القدرات العسكرية الإيرانية لاسيما إنتاج الصواريخ بأنواعها المختلفة والطائرات المسيرة التي يمكنها أن تصل إسرائيل مباشرة من الأراضي الإيرانية أو من اليمن ومن جنوب لبنان، وتحقيق مزيد من الانكشاف في سماء إيران من خلال ضرب منظومات الدفاع الجوى الإيرانية، وبما يسمح لإسرائيل بمعاودة الهجوم مرة أخرى لضرب المنشآت النووية بحرية ودون أدنى قلق من رد الفعل الإيراني، وهو ما أشار إليه نتنياهو أكثر من مرة بعد انتهاء الهجوم، معتبراً أن الأمر لم ينته وأن هناك تكملة لهجوم آخر، وأن تعطيل أو تدمير القدرات النووية الإيرانية ما زالت أهدافاً إسرائيلية يُنتظر إنجازها.
على الصعيد الإيراني، يلاحظ ثلاثة مستويات:
- الأول، يتعلق بعدم الإفصاح عن حجم الخسائر التي حدثت بالفعل في المواقع التي تم قصفها، مع رد فعل أوّلى بالغ في التهوين من حجم الهجوم الإسرائيلي.
- والثانى، يتمثل في أن المرشد الأعلى علي خامنئى حدد عدة مبادئ في التعامل مع الهجوم الإسرائيلي، أبرزها عدم التهوين مما جرى مصحوباً بعدم المبالغة فيما جرى، بمعنى النظر بواقعية لحجم الخسائر ودلالة الهجوم الإسرائيلي ذاته دون الانزلاق إلى تحليلات أو مناظرات تغلب عليها العواطف، وفى السياق ذاته إشارة ذات دلالة بشأن مسئولية أجهزة الدولة في حماية أمن البلاد والمواطنين، بما في ذلك إظهار قدرة الأجيال الإيرانية على تطوير الأدوات المفيدة لتحقيق الأمن الذى لا تنازل عنه، وهى إشارة عبّرت عن توجيه غير مباشر للإعداد برد يتناسب مع مبدأ الحفاظ على أمن البلاد، ويردع الأعداء، وهو ما تم تفسيره بأن إيران لن تتنازل عن حقها في الرد المناسب والأسلوب المناسب.
- المستوى الثالث، ينصرف إلى بعض تصريحات لنواب إيرانيين بضرورة الرد الفوري والحاسم، وهو ما قيّده عمليا رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، حين أكد أن الرد أمر مؤكد لكنه سيراعي الاعتبارات الضرورية.
مجمل الموقف الإيراني أن ثمة رداً مناسباً لابد من القيام به يراعى أمن البلاد، والتجهيز الحكيم، والقدرات المتاحة، وإعداد الجبهة الداخلية لأية تطورات مستقبلية.
ووفقاً لتسريبات أمريكية نشرت في الإعلام الأمريكى يوم 31 أكتوبر الجاري، قيل أنها منسوبة لمصادر رسمية، فإن إيران تتجهز لرد ضد إسرائيل، والمحتمل أن يتم قبل الانتخابات الأمريكية في 5 نوفمبر المقبل، ولكن دون تقديم دلائل عملية، ما يؤكد أن الولايات المتحدة تمارس ضغطاً معنوياً على إيران بهدف الحد من أي رد فعل إيراني لاسيما في الفترة الحرجة التي تسبق الانتخابات الرئاسية بأيام معدودة، علماً بأن مصادر إيرانية تلمح إلى أن الرد الإيراني ليس بالضرورة أن يكون عسكرياً وصاروخياً، بل يمكن أن يكون عملاً سيبرانياً كبيراً ضد المؤسسات المدنية والعسكرية معاً.
جدل الضربة الاستباقية في إسرائيل
إسرائيلياً، وبالرغم من التأكيد على أن هجوم 26 أكتوبر الجاري حقق أهدافه، لاسيما في تعطيل “كافة منظومات الدفاع الجوي الإيرانية”، وتعطيل مرافق مهمة لصنع الصواريخ الباليستية دون أن تقدم مقاطع مصورة تؤكد هذا الزعم، فإن الحالة الضبابية التي عبّرت عنها النخبة الإيرانية وتضمنت وجود توجيه ولو بأسلوب غير مباشر من المرشد الأعلى علي خامنئى بالرد على الهجوم الإسرائيلي، كان له تأثيره المباشر على الجدل في الداخل الإسرائيلي، والذى تنازع بين تيارين: الأول، يهدد بمواجهة إيران بعنف أكبر إن وجهت صواريخها على الأراضي الإسرائيلية. والثانى، يدعو إلى القيام بعملية استباقية كبرى تدمر كل ما يمكن تدميره من الإمكانات العسكرية الإيرانية، لمنعها من أى رد مستقبلي، ولتأكيد مقولة الردع الإسرائيلي فائق القوة.
في هذا السياق من المناكفات العسكرية والدعائية بين إيران وإسرائيل ومعها الولايات المتحدة، من المهم ملاحظة أن ثمة تركيزاً أمريكياً على تسوية دبلوماسية للعدوان الإسرائيلي على لبنان وحزب الله، وكلاهما قبل تطبيق القرار 1701 الصادر في أغسطس 2006، والقاضي بخروج إسرائيل من كافة الأراضي اللبنانية مقابل نشر الجيش اللبناني في الجنوب وعلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية بدعم من قوات اليونيفل الدولية، وانسحاب مسلحى حزب الله وأسلحتهم إلى شمال نهر الليطانى.
وثمة مسودات يتم البحث في تفاصيلها لإنجاز وقف إطلاق نار قبل الانتخابات الامريكية يستمر شهرين يطبق خلالهما القرار الدولى، وبما يفيد المرشحة كمالا هاريس الديمقراطية في مواجهة المنافس الجمهوري الشرس دونالد ترامب.
إيران والقرار 1701.. موافقة ضمنية
في ظل هذه الصيغة المتداولة، فإن قبول حزب الله لتطبيق القرار 1701 على النحو المشار إليه يعنى أن ثمة موافقة إيرانية ضمنية لمثل هذه الصيغة والتي بشكل ما تحفظ لحزب الله ما تبقى له من قوة عسكرية.
وتلك بدورها رسالة بأن طهران تدرك جيداً الوضع القاسي الذى يمر به الحزب في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية جواً وبراً، بالرغم من الخسائر البشرية غير المسبوقة التي حققها مقاتلو الحزب في القوات الإسرائيلية التي تحاول اكتساب مواقع داخل الأراضى اللبنانية وتطهيرها من أسلحة الحزب وبنيته التحتية.
أخذاً في الاعتبار التطورات المتلاحقة والتغير في المواقف والخسائر البشرية والمادية التي يعانيها كل أطراف الصراع، يبدو أن حرب الـ”بينغ بونغ”، الإيرانية الإسرائيلية، وجولات الصدام واحدة تلو أخرى، لم تصل إلى نهايتها بعد، وما دام أصل الصراع لم يجد التسوية المناسبة لحقوق الشعب الفلسطيني وتخلى إسرائيل حكومة ومقيمين عن الغطرسة والعنف غير المسبوق وعمليات الإبادة الجماعية في غزة والانتهاكات الفظيعة في الضفة الغربية، فلن يتحقق أمن إسرائيل، كما سيجد الإيرانيون ووكلاؤهم في الإقليم المبررات التي تدفعهم دائماً للإضرار بإسرائيل وتذكير كل من فيها بأنها كيان قابل للفناء الوجودى في مدى زمنى قصير.
وإذا كانت دبلوماسية الـ”بينغ بونغ” الصينية الأمريكية قد فتحت أبواباً للتواصل السلمى رغم الصعوبات وتباين المصالح، ففي الحالة الإيرانية الإسرائيلية تجسد الصراع المفتوح ومخاطر بلا حدود لطرفيها المباشرين ولمن حولهم شرقاً وغرباً.