أخبار العالمبحوث ودراسات

حرب النجوم :عسكرة الفضاء

اعداد رباب حدادة : قسم الدراسات والبحوث والعلاقات الدولية

مراجعة : الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية

منذ إرسال الاتحاد السوفياتي لأول قمر اصطناعي(سبوتنيك-1) في1957، ثم إرسال الولايات المتحدة الأمريكية القمر الصناعي “إكسبلورر” في جانفي 1958، فتح باب التنافس التكنولوجي من اجل غزو الفضاء الخارجي وتميزت فترة النصف الثاني من القرن العشرين باحتكار القطبين الأمريكي والسوفيتي للصناعات والاستكشاف في هذا المجال، بنهاية الحرب الباردة، كما بدأت تبرز قوى منافسة أخرى على الساحة، حسب البعض مثلت سنة 2007 مرحلة قطيعة تكنولوجية في مجال غزو الفضاء.

من الصعب الفصل التام بين الاستعمال المدني والعسكري أحيانا للأقمار الصناعية حيث تستعمل بعض الأقمار للغرضين في نفس الوقت. وتم توظيف الأقمار الصناعية عسكريا من أجل الاستطلاع والتواصل والتجسس وهذا ما يعرف بـ”عسكرة الفضاء”(militarization) التي تجاوزتها المؤسسات العسكرية وأصبحت التجارب تركز على “تسليح الفضاء” (weaponization).

يعرف لورنس نوردن الباحث بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية تسليح الفضاء كونه:

“من ناحية، القدرة على تدمير أو تحييد أقمار صناعية معادية مؤقتة بأسلحة مضادة… ويمكن أن تستعمل هذه الأسلحة ضمن المدار مع إمكانية إطلاقها من الأرض أو من الطائرات- ومن ناحية أخرى، يشمل تسليح الفضاء أيضا نشر الأسلحة في مدارات  تستهدف، إما أهدافا على اليابسة، أو القذائف المارة عبر الفضاء الخارجي، الأولىتسمى “Space To Earth Weapons (STEW)” والثانية “(Ballistic Missile Defense, (BMD””.

فما هي تجليات تسليح الفضاء؟

وما هي تبعيته على الأمن الدولي؟

1/ سباق جديد نحو التسلح

نشهد في السنوات الأخيرة تسابقا نحو التسلح في الفضاء الخارجي بين القوى الكبرى في إطار تقاسم النفوذ والهيمنة، وسيتزايد هذا التسابق بتقدم دول أخرى في مجال التكنولوجيات الفضائية وإدراج هذا المجال ضمن الأولويات الجديدة لمختلف المؤسسات العسكرية.

 أشار جون كولينز في كتابه “القوات العسكرية الفضائية” إلى “أن السنوات الخمسون القادمة ستكون مفتاح السيطرة العسكرية فيها هو فضاء المحيط الأرضي الذي يغلف الكرة الأرضية بسماكة ثمانين ألف كيلو متر، فمن يسيطر على هذا الفضاء يتحكم بكوكب الأرض، ومن يسيطر على كوكب القمر يتحكم بفضاء المحيط الأرضي”.

نشير هنا بشكل خاص إلى توظيف “الانظمة المضادة للأقمار الصناعية”، التي شهدت تجارب عديدة تعرف بـ ATAS( anti-satellite test) وتعد الصين أول المبادرين بتجريب منظومات السلاح المضادة للأقمار الاصطناعية حين قامت في 11 جانفي2007، بتدمير قمر اصطناعي FY-1C، الذي أطلق في 10 ماي 1999، على ارتفاع 850 كيلومترا، وذلك باستخدام صاروخ بالستي أطلقته من الأرض.

 هذه التجربة سبقتها تجربة أخرى سنة 2006 تمكنت من خلالها بكين من الإضرار بمستشعرات قمر صناعي أمريكي للتجسس”KH-11″ بتوظيف الأشعة الصينية، هذه التجارب جعلت الصين تتصدر الواجهة إلى جانب روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، بشكل مفاجئ.

بعد ذلك، أرادت البحرية الأمريكية، تذكير الصين بقدراتها العسكرية في اعتراض الأقمار الاصطناعية، فقامت بتدمير القمر الاصطناعي العسكري للاستطلاع الراداري N.R.O.-21، فوق المحيط الهادئ، الذي يقع على مدار 247 كيلومتر، والذي أصبح خارج عن السيطرة.

للقيام بذلك، أطلقت البحرية  صاروخ بالستي موجه”S.M.-3″من البارجة البحرية” U.S.S. Lake Erie ” و كان ذلك في 20 فيفري2008.

تعد الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة الأولى من حيث امتلاك الأقمار الاصطناعية العسكرية التي بلغ عددها 123 قمرا، وقد أعلنت مزيدا من العزم في الحفاظ على صدارتها أمام تنافس دولي شديد مع المحور الروسي-الصيني.

أعلنت واشنطن في ديسمبر 2019 عن تشكيل قوة الفضاء الجوية  كفرع سادس مستقل في قواتها المسلحة وهي تعمل على تطوير أقمار صناعية قادرة على مواجهة هجوم من قوات معادية كالتشويش أو الاكتشاف بالنسبة لأقمار التجسس، ولعل ابرز نموذج يتم العمل عليه اليوم هو”NTS-3″  الذي سيتم إطلاقه في 2022 ويتميز بإشارات عالية تحميه من التشويش إلى جانب ترددات قابلة للبرمجة والتوجيه.

روسيا والتي خدمتها الإرث السوفياتي من البنى التحتية والمعلومات في مجال الفضاء جعلها كذلك من دول الصدارة ويقول رئيس الوكالة الفضائية الروسية، دميتري راغوزين، “لأسلحة الجديدة والمتطورة في المستقبل ستكون في الفضاء الخارجي، حيث ستكون حقلا للاختبارات ومكانا للتجارب، وأن بلاده ليست قلقة لأنها تمتلك أسلحة صاروخية لا تزال الأفضل في العالم، وتضمن توفقها الكامل”.

في نوفمبر 2019 أعلن الرئيس الروسي فلادمير بوتين عن نجاح موسكو وضع نظام الليزر العسكري المحمول (بيريسفيت) في مداره وهو نظام هجومي وهو نظام مراقبة فضائية يمكنه استهداف الأقمار الصناعية في أي مدار.

تقدر الأقمار الصناعية العسكرية الروسية بـ74 قمر وهي تعمل على تطوير المزيد خاصة اقمار التجسس والاستطلاع لعل أخرها وانجحها «كوزموس 2543» الذي أطلق في 2019.

وقبل فترة وجيزة قامت روسيا بتجربة سلاح مضاد للأقمار الاصطناعية في 16 نوفمبر 2021، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها أنهت “بنجاح تجربة دُمر بنتيجتها الجسم الفضائي (تسيلينا-د) الموضوع في المدار منذ عام 1982 وهو غير نشط”.

لم يتم الكشف عن السلاح المستعمل أو خصائصه وإنما جاء التصريح عاما من قبل موسكو بعد التنديدات الأمريكية والأوروبية التي سبقت الإعلان الرسمي للتجربة من قبل روسيا، واعتبرت واشنطن أن التجربة الروسية”خبيثة” وتهدد عمل الوكالة الدولية للفضاء وطاقمها للخطر بسبب الإسقاطات الفضائية والشظايا التي تسببت بها وأكد وزير الخارجية انطوني بلينكن ان بلاده وحلفائه لن تصمت عن تصرف موسكو “غير المسؤول” حسب تعبيره.

رئيس وكالة  الفضاء الامريكية، بيل نيلسون، ندد بالتجربة قائلا “صدمني هذا العمل غير المسؤول والمزعزع للاستقرار”.

التجربة الروسية لأنظمة مضادة للأقمار الاصطناعية أثارت مخاوف حلف شمال الأطلسي لما تعكسه من ازدياد التسلح الروسي في الفضاء وجاهزيته القتالية.

2/ مخاطر تسليح الفضاء على الأمن والسلم

التنافس الدولي على تجارب الأسلحة في الفضاء تنذر بأخطار حروب مستقبلية مهددة للأمن والاستقرار العالمي خاصة وان التشريعات والقوانين في هذا الجانب من التسلح والتجارب عموما ضعيف.

في مرحلة سابقة لمخاطر الأسلحة في الفضاء لابد أن نعرض لخطر تجارب تلك الأسلحة أولا لما ينجر عنها من شظايا وإسقاطات فضائية خطيرة.

فالاختبار التي قامت به الصين في 2007 انجر عنه 3500 قطعة فضائية، والاختبار الذي قامت به الهند في 2019 ويعرف بعملية”Shakti” الذي أطاحت فيه الهند بأحد أقمارها المتركز على مدار منخفض، نتج عنه قرابة 270 قطعة فضائية.

وفي اصطدام بين القمر الاصطناعي الروسي “Kosmos 2251″والقمر الاصطناعي لشركة ايريديوم وهو”Iridium 33” نتج ما يقارب 2000 شظية، وكان ذلك في سنة 2000 .

الولايات المتحدة التي تندد اليوم بتجارب باقي الدول، كانت في الحقيقة سباقة في هذا النوع من التجارب الذي خلف أضرارا بالغة ونشير بالأساس إلى مشروع “ويستفورد”، الذي قام في إطاره العلماء الأمريكيين بإقامة شبكات ممتدة من الأسلاك النحاسية في مستوى القطبين الشمالي والجنوبي من اجل تأمين اتصالات الراديو، إذا ما قامت القوات السوفياتية بقطع الاتصالات، من خلال تدمير الكابلات البحرية.

وبما ان طبقة الاينوسفار التي تمكن من تأمين الاتصالات بعيدة المدى مهددة دائما بالعواصف الشمسية، اقترح العلماء الأمريكيين بناء شبكات نحاسية تعمل بمثابة عاكس يسمح ببث موجات الراديو بعيدة المدى في المدار المنخفض للأرض دون الاعتماد على الغلاف الجوي، وتم بذلك إقامة مشروع “ويستفورد” في ماي 1963 بشبكة تكونت من نصف مليار من الخيوط النحاسية.

 كان للمشروع نتائج ايجابية في السنوات الأولى لكن فاعليته لم تدم، حيث احترق جزء من الكابلات بعد دخولها في الغلاف الجوي لخفة وزنها والبقايا الأخرى مازال بعضها متناثرا في القطبين.

كان مشروع ويستفورد هو أول المشاريع العسكرية في الفضاء الجوي التي ندد بها العلماء لعرقلتها لفترة قدرتهم على رصد النجوم والظواهر الفضائية، وبدأ حينها التحذير من خطر النفايات الفضائية على العالم.

يشهد الفضاء الخارجي اكتظاظا في الأجسام المتواجدة في المدارات حول الأرض من بين أقمار صناعية وشظايا ناتجة عن اختبارات الأسلحة المضادة للأجسام الفضائية وهو زخم سيتزايد في السنوات المقبلة لما تعده الدول من منظومات جديدة سيتم إطلاقها.

منذ 1957 إلى اليوم أطلق أكثر من 8500 قمر اصطناعي ويحتمل أن يتم خلال العقد المقبل إطلاق 14000 جسم فضائي من قبل الشركات العالمية أهمها “OneWeb” و ” Space X”.

وأصبحت الشركات تطور أقمارا صناعيا أكثر قدرة على المناورة وتغزوا المدارات والتجسس على باقي الأقمار الصناعية دون الكشف عنها والتفطن إليها من أنظمة منافسة أو معادية، كما يتم تطوير أسلحة مضادة للأجسام الجوية وبرامج عسكرية ومدنية لاكتساب اعلي قدر من المراقبة الفضائية. في هذا الإطار تجدر الإشارة إلى ما يعرف بأنظمة “إدراك  الوضع الفضائي”(Space Situational Awareness (SSA) ).

تعرف الايروسبايس إدراك الوضع الفضائي بـ”القدرة على معرفة الأجسام الفضائية وتوصيفها وبيئتها التشغيلية، وهذا يشكل عنصراً حاسماً من عناصر الوعي بمجال الفضاء، والذي يتلخص في قدرة صانعي القرار على فهم بيئاتهم التشغيلية الحالية والمتوقعة، بقدر ما هو ضروري تماماً.

وهي  نشاط تتبع الأجسام في الفضاء، التعرف عليها إنشاء مداراتها، فهم البيئة التي تعمل فيها، والتنبؤ بمواقعها المستقبلية والتهديدات لعملياتها. وتستخدم البيانات للتنبؤ بالأعباء بين الأجسام وتحذير مشغلي الفضاء من المسارات القريبة التي يحتمل أن تكون خطرة، لتمكنهم من القيام بمناورات تجنبهم الاصطدام.

وفي بعض الأحيان، قد تكون هناك حاجة إلى التنبؤ بالحطام الناجم عن أحداث التجزئة أو العواصف النيزكية أو غيرها من الأحداث الطبيعية التي قد تؤثر على العمليات والرد عليها.”

من أهم برامج “اس.اس.اي” نجد برنامج الشركة الأمريكية” AGI”، وهي شركة برمجيات أمريكية تهتم بتطوير الحلول للمنظمات الجوفضائية والدفاعية، وتشرف عن طريق برنامجها الذي أطلقته في 2014 على مراقبة أكثر من 9000جسم فضائي. نذكر كذلك برنامج الوكالة الأوروبية للفضاء “ESA” الذي يلعب دورا هاما في إدماج الاتحاد الأوروبي ضمن السباق الدولي لتطوير التكنولوجيات الفضائية وخاصة دعم استقلاله العلمي عن الوكالات الأمريكية.

التسابق نحو التسلح والنتائج السلبية للتجارب العسكرية للأسلحة في الفضاء الخارجي أصبحت عمل خطير على الأمن الدولي، خاصة ان التشريعات الدولية في هذا المجال ضعيفة جدا، تبعا لذلك لا نجد معيير واضحة لاستعمال الفضاء الخارجي وتحديد النشاطات فيه.

نجد اتفاقيات دولية عامة مثل اتفاقية 1967 حول “المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في ميدان استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي”، وهي اتفاقية اطارية ليست مواكبة بما يكفي للتطورات الحديثة، كما أن عدد كبير من الدول لم يصادق عليها. وتنصص بالأساس على حرية الاكتشافات العلمية للفضاء، وعدم امتلاك حقوق ملكية للفضاء الخارجي من اي دولة، مع تحمل المسؤولية عن نتائج التجارب.

ورغم الجهود الأممية لتجاوز هذا النقص التشريعي عجزت الأمم المتحدة في مارس 2019 للوصول إلى اتفاق حول إقرار اتفاقية للحد من التسابق نحو التسلح في الفضاء الخارجي على خلفية عدم توافق بين الثلاثي روسيا وأمريكا والصين، ما ينذر بعودة حرب باردة جديدة، تعيدنا إلى فترة التنافس الأمريكي السوفياتي لغزو الفضاء.

خلاصة:

الوضع أصبح أكثر سوءا اليوم لتزايد الاستخدامات العسكرية للفضاء الى جانب تعدد الدول المستثمرة، التي يغذيها الى جانب الطموح العسكري، الجشع.

فالقوى الكبرى توجهت الى البحث عن الثروات الباطنية في الكواكب الأخرى، خاصة المعادن البلاتينية (البلاتين والبلاديوم والروبيديوم والإيريديوم) والمعادن النادرة التي تمثل مادة أولية هامة في الصناعات الحيوية والحديثة مثل إنتاج الطاقة وصناعة البطاريات والإلكترونيات وتكرير البترول، باستنزاف الموارد الباطنية على الأرض أصبحت الدول العظمى تبحث عن البديل خارج الكوكب.

التجارب العسكرية في إطار التسلح أصبحت خطرا مباشرا على السلم الدولي، في ظل عجز القوانين الدولية الراهنة على حماية العالم من حرب نجوم غير مستبعدة في ظل احتداد التنافس بين الدول، الى جانب كل ذلك أصبحنا نعيش تحت خطر إضافي وهو تصدير هذه الأزمات إلى الفضاء الخارجي، اذ أن اغلب الدول وشركاتها تطور برامج اكتشاف للكواكب لغايات متعددة كاستخراج المعادن وبناء القرى…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق