جوزف عون يتولى رئاسة لبنان: الرئيس الرابع عشر في مرحلة مفصلية من تاريخ البلاد
قسم الأخبار الدولية 09/01/2025
أدى العماد جوزف عون اليمين الدستورية كرئيس جديد للبنان، ليصبح الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية، في وقت تواجه فيه البلاد أزمات سياسية واقتصادية خانقة. جاء انتخاب عون بعد أشهر من الفراغ الرئاسي الناتج عن الانقسامات الحادة بين القوى السياسية اللبنانية، مما جعل من اختياره محطة حاسمة لإعادة ترتيب المشهد السياسي في البلاد.
مسيرة عسكرية حافلة قادت إلى الرئاسة: من هو جوزف عون؟
العماد جوزف عون هو شخصية عسكرية بارزة واسم ارتبط بالاحترافية والحيادية في المؤسسة العسكرية اللبنانية. وُلد عون عام 1964 في بلدة العيشية بجنوب لبنان، ونشأ في بيئة متواضعة تشكلت فيها ملامح شخصيته القيادية والمهنية. انضم إلى الكلية الحربية اللبنانية عام 1983، حيث بدأ مسيرته العسكرية التي امتدت لعقود، مميزًا نفسه كضابط ملتزم ومتفانٍ.
المراحل المبكرة لمسيرته العسكرية
بعد تخرجه من الكلية الحربية، شغل عون مناصب عسكرية متعددة في مختلف المناطق اللبنانية، حيث عايش فصول الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت حتى عام 1990. برز اسمه كضابط مسؤول عن الحفاظ على الأمن في مناطق حساسة وسط التوترات الطائفية والسياسية.
- قيادة لواء التاسع في الجيش اللبناني
بفضل أدائه العسكري المتميز، تقلد جوزف عون العديد من المناصب القيادية، وكان أبرزها قيادته للواء التاسع في الجيش اللبناني. أظهر خلال هذه الفترة كفاءة عالية في تنفيذ العمليات العسكرية، خاصة في المناطق الحدودية، حيث لعب دورًا حيويًا في التصدي للتهديدات الأمنية.
- قائد للجيش اللبناني
في مارس 2017، تم تعيينه قائدًا للجيش اللبناني، وهو المنصب الذي أكسبه شهرة واسعة داخليًا ودوليًا. خلال قيادته، أدار الجيش في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد، تضمنت تحديات أمنية كبيرة مثل الأزمة السورية، وظهور تنظيمات متطرفة على الحدود اللبنانية، والنزاعات الحدودية مع إسرائيل.
- المرحلة الآنية: الانتقال لرئاسة الجمهورية اللبنانية
جاء انتخاب جوزف عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية نتيجة التوافق بين القوى السياسية على شخصيته التي تجمع بين المهنية العسكرية والقدرة على التواصل مع مختلف الأطراف. يعتبر وصوله إلى الرئاسة خطوة استثنائية في تاريخ لبنان، حيث أصبح أول رئيس يحمل خلفية عسكرية حديثة ويتولى المنصب في ظل أزمات معقدة.
- معركة الجرود: علامة فارقة في مسيرته
كان عام 2017 محطة بارزة في حياة جوزف عون، حيث قاد الجيش اللبناني في معركة “فجر الجرود” ضد تنظيم “داعش” والجماعات المتطرفة التي كانت تتمركز على الحدود الشرقية للبنان. أثبتت العملية قدرة الجيش اللبناني على مواجهة الإرهاب بفاعلية، مما عزز مكانته كرمز للوطنية والكفاءة.
الحيادية وبناء العلاقات الدولية
تميز عون طوال مسيرته بتمسكه بمبدأ حيادية الجيش اللبناني، وهو ما أكسبه احترام الأطراف السياسية المختلفة. كما عمل على توسيع نطاق العلاقات الدولية للجيش، حيث عزز التعاون مع الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى للحصول على دعم لوجستي وتدريبي ساعد في تحديث قدرات الجيش.
شخصيته وإرثه العسكري
يعرف عن جوزف عون الالتزام بالعمل المؤسساتي والقدرة على اتخاذ قرارات صعبة في أوقات الأزمات. يُعد مثالًا على الضابط العصري الذي نجح في تطوير الجيش ليصبح قوة فعالة على الرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية التي واجهت لبنان خلال العقدين الأخيرين.
من المتوقع أن تنعكس خبرته العسكرية وحياديته على مسيرته السياسية كرئيس، حيث تتجه الأنظار إليه لقيادة البلاد في هذه المرحلة الحرجة التي تتطلب قيادة حازمة وحلولًا استراتيجية للأزمات.
طريق محفوف بالعقبات: كيف سيواجه جوزف عون أزمات لبنان؟
تولى جوزف عون منصبه في واحدة من أصعب المراحل في تاريخ لبنان الحديث، حيث يواجه البلد أزمة اقتصادية خانقة تجاوزت تداعياتها الحدود المعهودة. فقد انهارت العملة الوطنية بشكل كبير، ما أدى إلى فقدان القيمة الشرائية وتراجع القدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية. تصاعدت معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة، وأصبحت أكثر من 80% من الأسر تعيش تحت خط الفقر، بينما يعاني النظام المصرفي من شلل شبه كامل.
على الصعيد السياسي، يجد لبنان نفسه غارقًا في أزمة معقدة ناتجة عن الانقسامات الطائفية العميقة التي تعرقل تشكيل الحكومات وإقرار الإصلاحات الهيكلية المطلوبة. حيث يواجه الرئيس الجديد صعوبة في توحيد القوى السياسية المتناحرة، مما يشكل عقبة أمام تنفيذ الإصلاحات الأساسية التي يطالب بها المجتمع الدولي، كشرط لتقديم المساعدات المالية التي تعد شريان حياة للبنان في الوقت الحالي.
إقليميًا، تتفاقم التحديات مع استمرار التوترات مع إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بملف ترسيم الحدود البحرية والنزاعات حول موارد الغاز والنفط. كما تمثل العلاقة مع سوريا، المتأثرة بالتغيرات الإقليمية والدولية، تحديًا آخر في صياغة سياسة خارجية متوازنة. بالإضافة إلى ذلك، يلقي دور حزب الله، وتأثيره القوي على السياسات الداخلية والخارجية، بظلاله على قدرة الدولة على اتخاذ قرارات مستقلة، مما يثير قلق الأطراف الإقليمية والدولية ويزيد من تعقيد مهمة الرئيس في تحقيق الاستقرار.
في هذا السياق المليء بالتحديات، يواجه جوزف عون اختبارًا صعبًا لقيادة البلاد نحو إعادة بناء المؤسسات، واستعادة الثقة الشعبية والدولية، وتحقيق توافق داخلي يمهد الطريق نحو الخروج من هذه الأزمات المتراكمة.
آمال اللبنانيين واستحقاقات المرحلة
يعلق اللبنانيون آمالًا كبيرة على جوزف عون لقيادة البلاد نحو الاستقرار، لا سيما مع الحاجة الملحّة لإطلاق حوار وطني شامل بين مختلف الأطراف، والعمل على تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية عميقة. يتطلب ذلك تعزيز استقلالية القضاء، ومكافحة الفساد، وإعادة بناء الثقة مع المجتمع الدولي، الذي يربط دعمه للبنان بتنفيذ هذه الإصلاحات.
يبقى السؤال حول قدرة جوزف عون على تحقيق التوازن بين القوى السياسية المختلفة، وتفعيل دور المؤسسات الدستورية، في وقت يسوده الانقسام والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، التي تتطلب قيادة حاسمة وحلولاً غير تقليدية لإخراج البلاد من أزمتها.