جريمة ضد الإنسانية بنك الجلد الاسرائيلي: “سيطرة على جسد الفلسطينيين في حياتهم وفي موتهم”
إعداد صبرين العجرودي قسم البحوث والدرسات الإستراتجية
مراجعة الدكتورة بدرة قعلول
تونس 01-12-2023
“بنك الجلد الإسرائيلي”…؟؟؟؟
لعلّه مفهوم غامض أو يمكن أن يكون صادما لقارئيه، فرغم ما تمّ تداوله من سنوات عديدة حول الجرائم الفاضحة التي يرتكبها كيان الإحتلال الصهيوني في حق الفلسطينيين إلاّ أنّ الجدل حول سرقة أعضاء الفلسطينيين عادت الى الواجهة من جديد بعد الانتهاكات الخطيرة التي وقعت في الفترة الأخيرة، ليس فقط فيما يتعلّق بسرقة أرض فلسطين، إنّما ايضا بسرقة “جلد شهدائها”.
وبالعودة الى ملامح هذه الجريمة، نذكر أنّه في أوائل عام 2014 كشفت مديرة بنك الجلد الإسرائيلي المنشئ منذ عام 1985 “ملكا شآووت” خلال تحقيق تلفزي تمّ بثه في القناة العاشرة الإسرائيلية، أنّ احتياطي إسرائيل من “الجلد البشري” في تلك الفترة ناهز 170 متر مربع، وعلى الرغم من أنّ هذا الرقم لا يغطي حاجة سكّان إسرائيل إلاّ أنّ هذا البنك تفوّق في أن يكون أكبر بنك جلد في العالم رغم الكثافة السكانية الضئيلة لإسرائيل مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية، ورغم إنشائه بعد 40 عاما من “بنك الجلد الأمريكي”.
كما أشارت مصادر إلى انّ التحقيق بيّن أنّ إسرائيل تحتل المرتبة 33 من بين 55 دولة أوروبية في زراعة الأعضاء، وهي مرتبة مريبة مقارنة بعدد السّكان وفقا لتقرير نشرته لجنة زرع الأعضاء في الاتحاد الاوروبي في أواخر عام 2007.
والمثير للاستغراب أيضا هو تصدرّ إسرائيل المرتبة 18 في زراعة القلب، رغم أنّ هذه العملية تعد في غاية التعقيد نظرا في أنّه لا يمكن استخراج هذا العضو إلاّ من شخص حديث الوفاة، والحال أنّ الإسرائيليين يحتلون المرتبة الثالثة في رفضهم التبرع بالأعضاء.
بالتالي تبرز هذه التناقضات في الأرقام بين المراتب والكثافة السكانية مقارنة ببعض البلدان الكبيرة وجود ممارسة غير قانونية تجعل إسرائيل تحتل مراتب عالية في زرع الأعضاء وفي وجود كميات كبيرة من الجلد البشري، ألا وهي استغلال أعضاء ضحايا الحرب على فلسطين.
إنشاء بنك الجلد الإسرائيلي وانتهاك واضح للاتفاقيات الدولية
إصابة العديد من الاسرائيليين نتيجة حرب عام 1973 هو السبب الرئيسي الذي يقف وراء شرعية وجود بنك جلد إسرائيلي، وكان الهدف منه علاج الجنود الإسرائيليين الذين لم يجدو سابقا وسيلة لإنقاذ حياتهم، لذلك أقر “مجلس الحاخامات” الاسرائيلي بضرورته، خاصّة بعد مساهمته الكبيرة في إنقاذ حياة الجنود في حروب اخرى بعد عام 1985.
“ينبغي تشكيل لجنة تحقيق دولية في احتجاز اسرائيل جثث قتلى في غزة وشبهات سرقة أعضاء منها”، وهو عنوان لتقرير صادر عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في توثيقه لهذه الجرائم الفاضحة التي قام بها المحتل الاسرائيلي منذ السابع من اكتوبر الماضي، حيث قام الجيش الاسرائيلي باحتجاز جثث لقتلى من مجمع الشفاء الطبي في غزة، والمستشفى الاندونيسي في شمال القطاع ومحيط ممر النزوح إلى وسط وجنوب القطاع.
كما قام الجيش الاسرائيلي وفقا لما أشار إليه تقرير المرصد الى أنّه عمد الى إستخراج عدد من الجثث الاخرى من مقبرة جماعية في إحدى ساحات مجمع الشفاء الطبي.
وذكر أيضا إلى أنّ الجيش الاسرائيلي لازال يحتجز عشرات القتلى، في حين أنّه تمّ تسليم البعض الآخر الى اللجنة الدولية للصليب الأحمر للقيام بعملية الدفن، وكانت الجثث متجمدة بدرجة أقل من أربعين تحت الصفر مع فرض شروط من بينها عدم تشريح الجثث المسلّمة.
وفيما يتعلّق بالجثث التي تمّ تسليمها، اشار المرصد الاورومتوسطي الى انّ الاطباء الذين قاموا بإجراء كلّ الفحوصات لاحظوا وجود أعضاء مسروقة كالكبد والكلى والقلب.
في نفس السياق، أشار بعض الاطباء الآخرين الى انه لا يمكن الجزم بوجود تلاعب بجثث القتلى وسرقة أعضائها نظرا في أنّ هناك بعض الجثث التي كانت قد فقدت أعضائها من الهجمات والتفجيرات التي تعرضوا لها أو أنّها خضعت لعمليات جراحية، لذلك فإن الكشف الظاهري الطبي الشرعي لا يعد كافيا لإثبات هذه الجريمة.
إلاّ أن هناك دلالات تاريخية حول ممارسة اسرائيل هذه الجريمة منذ عقود، حيث انّه لا يمكن القول بأنّها تعتمد على جلد العمال الأجانب، إذ أنّهم بدأوا بالعمل بعد خمسة سنوات من تاريخ تأسيس البنك، لذلك يمكن القول أنّها ظلت طيلة تلك الفترة السابقة تعتمد على أعضاء الفلسطينيين، وما يؤيد ذلك أنّه من المستحيل الاعتماد على أعضاء العمّال ذلك لأنّه في حالة حدوث الوفاة تعود الجثة إلى موطن الميت، وبإعتبار عملهم بصفة قانونية من خلال عقود عمل فإنّ أي تلاعب بأعضاء الجثة يقع اكتشافه مباشرة.
كما ذكر المرصد بعض الأرقام المتعلّقة ببنك الجلد الإسرائيلي، حيث تمّ حجز 145 جثة إلى جانب 255 في مقابر الأرقام، في حين أنّ 75 جثة مفقودة ينكر الجيش الاسرائيلي تورّطه في احتجازهم.
ويُذكر أنّ الكيان الصهيوني عمد الى تخصيص مقابر سرية جماعية في مناطق عسكرية مغلقة تقوم فيها بدفن جثث الفلسطينيين الذين سرقت منهم أعضائهم.
وقد وفّرت إسرائيل إطار قانوني لتشريع جريمتها في سرقة أعضاء جثث الفلسطينيين، حيث صدر قرار عن المحكمة العليا في إسرائيل في عام 2019 يسمح للحاكم العسكري بالاحتفاظ بالجثث والقيام بدفنهم مؤقتا الى حين التصرف في أعضائهم، وقد تمّ تشريع قانون في نهاية عام 2021 يتيح للشرطة والجيش الاسرائيلي الإحتفاظ برفات قتلى فلسطينيين.
كما قامت أيضا بالاستغلال غير القانوني لجثث الفلسطينيين ليس فقط في معالجة جيشها وإنّما أيضا في المخابر الطبية بالجامعات، وهو الأمر الذي أشارت إليه الطبيبة الإسرائيلية “مئيرة فايس” بوضوح في كتابها “على جثثهم الميته”، بأنّه يقع استغلال أعضاء الجثث في مداواة اليهود الاسرائيليين وفي القيام باختبارات طبية في جامعاتهم، كما أوضحت خلال التحقيق إلى أنّها كانت قد أجرت مقابلة مع مدير معهد الطب العدلي ليخبرها بأنّه تمّ الضغط عليه من أجل تزويد بنك الجلد بالأعضاء إلاّ أنّه رفض ذلك ليتم فيما بعد إقالته.
ونقلا عن مصادر اخرى ذكرت الطبيبة: “في السنوات التي كنت أعمل فيها هناك، تم أخذ أعضاء من جثث، ونقلها إلى بنوك أعضاء متعددة. وبالإضافة الى كل المهمات الملقاة على عاتق المعهد العدلي، فإن المعهد يزود بنك الجلد الاسرائيلي بأعضاء بشرية… لم يأخذوا أعضاء من الجنود، كانوا يأخذون من الآخرين. وفي فترات محددة تم أخذ أعضاء من الفلسطينيين، ثم المهاجرين الجدد، ثم من العمال الأجانب”.
من جهته أكّد المدير السابق لمعهد أبو كبير للطب الشرعي في إسرائيل أنّه يتم سرقة اعضاء بشرية وانسجة وجلد لقتلى فلسطينيين بطريقة سرية دون علم عائلات الجثث، وأيدت ذلك شبكة CNN الأمريكية في تحقيق قامت به في عام 2008 مشيرة خلاله الى أنّ إسرائيل تعتبر اكبر مركز عالمي لتجارة الأعضاء البشرية بطرق ملتوية وغير قانونية، في حين تبرّر هي الجريمة باعتبارها وسيلة للضغط الأمني دون التزامها بتطبيق كافّة القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تنص على إحترام جثث القتلى حتى وإن كان في إطار حرب.
حيث تنص اتفاقية جينيف الرابعة لعام 1949 فيما يتعلّق بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، على أنّه في حالة لم يكن هناك صراع ذات طابع دولي فمن الضروري على أطراف النزاع على الاقل الالتزام بحماية الأشخاص غير المقاتلين وأفراد القوات المسلحة العاجزين عن القتال بسبب آثار الحرب أو إذا كانوا في حالة احتجاز، ومن بين أهم المحظورات التي نصت عليها الاتفاقية هي الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية وبخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب.
وبموجب المادة 32 فإنه يحجر على الاشخاص المحميين المعرّفين ضمن المادة الرابعة من الاتفاقية جميع أنواع القتل والتعذيب والعقوبات البدنية والتشويه والتجارب الطبية أو العلمية التي لا تقتضيها المعالجة الطبية.
أمّا المادة 33 فإنها تمنع معاقبة الأشخاص لإرتكابهم جريمة لم ترتكب شخصيا. وتبعا لذلك فإنّ العقاب الجماعي هو جريمة حرب، وحجز جثث الأشخاص المحميين حسب الإتفاقية وسرقة أعضائهم دون تسليمهم للدفن بكرامة وحسب معتقداتهم الدينية يصنّف وفقا لما أشار إليه المرصد الأور ومتوسطي إلى أنّه نوع من أنواع العقاب الجماعي المحظور.
الخلاصة
في النهاية يمكننا القول أنّ هذا الملف الخطير لم يتم التعاطي معه بالأهمية اللازمة والمطلوبة، ويتم التطرق إليه فقط من حين الى آخر عند صعود مستوى النزاع. وعموما فإنّ الجرائم الحاصلة ضد الفلسطينيين لازالت مستمرة رغم وجود العديد من الإتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الانسان… ولا يزال كيان الإحتلال الصهيوني يظرب عرض الحائط كل المواثيق الدولية والقانون الدولي ويعتبر نفسه فوق كل القوانين والأعراف الدولية والمواثيق الدولية…
وفيالمقابل المجتمع الدولي ينظر إليه عاجزا ومنهم من هو مؤييد لجرائمه ومشارك معه بالسلاح والعتاد والأموال لإبادة الشعب الفلسطيني…
فمتى ستسفيق البشرية على نفاق وكذب المجتمع الدولي وخاصة الغرب الذي يساهم ويشارك الكيان الصهيوني في جرائمه ضد الإنسانية…؟