تونس و”مجموعة البريكس”: طريق الحرير بين إفريقيا وأسيا
تقرير فاتن جباري
تقديم :
تسعى تونس حسب ما تشير تقارير عديدة للانضمام إلى مجموعة “البريكس” باعتباره بديلا سياسيا واقتصاديا وماليا سيُمكن تونس من الانفتاح على العالم الجديد وهكذا ا يبدو أن الأمر لا يتوقف عند حدود الطموح الاقتصادي التونسي بل يتعداه إلى رهان سياسي عبر محاولة الانضمام إلى المجموعة كما ان اقتراح الصين توسيع “بريكس” يُعد مؤشراً على فرصة هامة و محتملة بالنسبة إلى تونس لا بد من الاستفادة منها اقتصاديا و سياسياً لتخفيف حدة الضغوط الغربية، فضلاً عن محاولة التقليل من الشروط القاسية لصندوق النقد الدولي.
فالمتأمل في شأن الساحة الدولية سيلاحظ بلا شك ان كل من روسيا والصين تمتلكان خطة إستراتيجية لإعادة هندسة العلاقات الدولية وخلق تحالفات جديدة اكثر أمنا وتتحرك هذه الخطى نحو فسح المجال واتاحة الفرص امام الدول النامية و التي سئمت من تعامل الغرب معها على أساس غالب ومغلوب وناهب ومنهوب، لأنها تريد أن يكون لها دور آخر فهذا المحور الروسي- الصيني أصبح يستهوي كثيراً من الدول سواء في الخليج العربي أو في منطقة شمال افريقيا على غرار الجزائر وكذلك تونس هذا في وقت بدأت فيه الصين وروسيا بالتوسع بقوة في المنطقة العربية على جميع الأصعدة سواء اقتصادياً أو سياسياً أو عسكرياً في ظل تراجع الدور الأمريكي ونمو المصالح المشتركة بين بكين وموسكو…هذا التراجع الغربي أعطى هامشاً للدول العربية للانضمام للمنظمات التي أسستها الصين وروسيا مثل البريكس و شنغهاي خصوصا بعد إعادة العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة بكين وهو نجاح صيني واختراق للنفوذ الأمريكي ب منطقة الشرق الأوسط .
فكيف سترسم تونس هذا الحلم الجديد ، خاصة أن مسألة عضوية المجموعة ترتبط بالعلاقات الدولية والحسابات الاستراتيجية والتحالفات، بالنظر إلى ما يشهده العالم من تحولات جيوسياسية راهناً ؟
اولا – تونس في مجموعة البريكس : الدوافع والمحفزات
اليوم تتدارس المواقف الرسمية بالبلاد مدى امكانية مبادرة تونس نحو تقديم طلب رسمي للانضمام إلى منظمة “بريكس” خاصة بعد ما ابدت جمهورية الصين الشعبية ترحيبا بذلك. الصين التي قالت إنها منفتحة على تعزيز التعاون مع الدول النامية، من خلال ما اعرب عنه المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية ، بأن الصين ستواصل الحفاظ على روح الانفتاح والشمولية والتعاون القائم على المنفعة المتبادلة لبريكس والعمل مع شركائها في شمال افريقيا لتعزيز التعاون مع الأسواق الناشئة والدول النامية الأخرى والمساهمة بشكل مشترك في توسيع عضوية بريكس من خلال مناقشات شاملة وتوافق في الآراء.
لتستفيد بذلك تونس من هذه التغيرات التي تعيش في وقعها كسائر بلدان العالم تحت تأثير معركة خارجية بين القوى العالمية وتتموقع في المشهد الجديد بمكتسبات هامة ابرزها الانتعاش الاقتصادي وضخ العملة الصعبة وانعاش العملة الوطنية التي انزلقت الى مطبات مقلقة امام العملات الاجنبية المرجعية باعتبار ان مجموعة البريكس التي تظم الصين و البرازيل وروسيا والهند وجنوب افريقيا تسعى الى اصدار عملة جديدة منافسة للدولار الامريكي وحتى تحقق هذه الدول استقلاليتها على مستوى العملة مما سيخلق توازنا اقتصاديا بما سيمكن من خلاق سوق عالمي للعملة منافس لصندوق النقد الدولي وتصبح بالتالي هناك خيارات امام تونس في طلب تمويلات كانت محتكرة من قبل جهات مالية معينة.
تتطلع تونس للانضمام إلى مجموعة “بريكس”، في مسعى لتعزيز حضورها، ليس فقط الاقتصادي، ولكن السياسي أيضاً ولعل الرهان السياسي الذي تعتمد عليه تونس في السعي إلى عضوية “بريكس” يستند إلى عدد من الأسباب التي يتمثل أهمها في:
اولا – تنشيط الدور الإقليمي لتونس في شمال أفريقيا: يبدو أن تعثر المفاوضات التي تُجريها تونس مع صندوق النقد الدولي يذهب إلى أبعد من مجرد مطالب بإصلاحات اقتصادية إلى مسائل سياسية حيث تحاول دول غربية ممارسة ضغوط على الرئيس قيس سعيّد للتراجع عن بعض الإجراءات المتخذة و الإصلاحات الفردية للبلاد مستغلة أزمة تونس المالية.
وبالتالي، فإن الإعلان عن السعي التونسي للانضمام إلى مجموعة “بريكس” سيُمثل خطوة للتقارب السياسي مع روسيا والصين، هو نوع من المراهنة المحسوبة على دعم كل منهما وسط مؤشرات على توجه البلدين إلى مواجهة النفوذ الغربي في شمال أفريقيا، بما يعني محاولة تونس تنشيط دورها الإقليمي في هذه المنطقة التي تحتدم فيها معركة النفوذ والتمدد بين روسيا والصين وبين القوى الغربية.
– تأكيد التقارب السياسي مع روسيا والصين: من الناحية التاريخية، ترتبط تونس بشراكة استراتيجية مع الدول الغربية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)، وبالتالي فالطلب التونسي للانضمام لـ”بريكس” يمثل خطوة سياسية ترمي من خلالها إدارة الرئيس قيس سعيّد إلى تأكيد التقارب السياسي مع القوتين الآسيويتين (روسيا والصين)، حيث إن الموافقة على طلب العضوية تمتد ربما إلى سنوات.
وقد أحيت مشاركة الرئيس التونسي في القمة العربية – الصينية، التي عقدت بالسعودية في 9 ديسمبر الماضي دعوات تونسية من جهات متعددة ومنها القوى السياسية المُساندة ، إلى انتهاج دبلوماسية جديدة من خلال تعزيز الانفتاح باتجاه الشرق بخلاف التعويل المُفرط على الغرب وعلى صندوق النقد الدولي، الذي تقول إنه يشترط على تونس إجراءات لها تكلفة اجتماعية باهظة.
– تخفيف شروط الصندوق والضغوط الغربية: أثار رفض تونس لشروط إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، التساؤلات بشأن البدائل التمويلية المطروحة أمام بلد يُعاني من فجوة هائلة في الموازنة ومن حاجته إلى سداد ديون عاجلة ذلك ان برنامج الإصلاحات الذي يفرضها الصندوق سيكون له تبعات و اضطرابات شعبية ستنجم عن تنفيذ برنامج الصندوق الذي يتضمن رفع الدعم والتقليص من كتلة الأجور.
أحد الخيارات البديلة أمام تونس في الوقت الراهن هو “أن تطرح بجدية مسألة الانضمام إلى مجموعة بريكس” خاصةً أن ذلك يتوافق مع توقيع تونس على مذكرة تفاهم للانضمام إلى مبادرة “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير” وذلك مع الاخذ بعين الاعتبار إمكانية تدخل روسيا لدى الجزائر ودفعها إلى تسريع دعمها لتونس سواء في شكل مالي عاجل أو في شكل استثمارات…
ثانيا – فرصة التوجه شرقا :–تعزيز الاقتصاد ومحاولة إنجاز مشاريع طموحة
تنقسم الاتجاهات الوطنية في تونس بين مؤيد يرى انه على تونس الاتجاه شرقاً لبناء علاقة وطيدة مع روسيا والصين مستفيدين من حال الفتور التي تخيم على العلاقات التونسية- الغربية بسبب تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل وأيضاً الوضع السياسي في البلاد خصوصا بعد الموقف الرسمي الرافض “الإملاءات الخارجية” للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تئن تحت وطأتها البلاد من خلال البحث عن انموذج ومعادلات اقتصادية جديدة اكثر عدالة وانصاف .
كما سيمكن هذا الانضمام تونس من الاتجاه امام صناعات جديدة في عدة مجالات منافسة و مزيد توسيع مجالات التبادل الاقتصادي و الاستثمار مع دول المعسكرات الشرقية من ذلك الصناعات التكنولوجية و الصناعات الثقيلة والرفع من مستوى صادراتها الخارجية وتنويع فرص عملها في مجال الاعمال على راسها قطاع التصدير ومجال ريادة الاعمال وهذا لن يتحقق الا من خلال اقتناص الفرص وحسن التموقع ضمن المشهد الاقتصادي الجديد وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية من قبل مسؤولي الدولة في اللقاءات والمشاورات مع دول المعسكر الشرقي حيث تُراهن تونس على أن الإعلان عن محاولتها الانضمام لمجموعة “بريكس” يمكن أن يُساهم في الحصول على تمويل خارجي يدعم ميزانيتها، ولا سيما مع ارتفاع عجز الموازنة إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق بيانات وزارة المالية التونسية
ولعلّ ذلك يتكامل مع اتجاه تونس إلى توسيع نطاق الخيارات المتاحة أمامها على الساحة الدولية عبر تبني سياسة التوجه شرقاً، وهو ما بدا جلياً في انضمامها إلى عضوية البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، لتُصبح بدءاً العضو رقم 90 فيه، وهى الخطوة التي يمكن أن تتيح لها ولو نسبياً القدرة على تقليص تداعيات عدم الحصول على قرض صندوق النقد الدولي.مع الاخذ بعين الاعتبار حساسية القرار واثار انحياز تونس نحو المعسكر الشرقي ونعي هذا خاصة فيما يتعلق بالحرب الروسية الاوكرانية والشراكة الأورومتوسطية التي تربط بلادنا بشركائنا التقليديين منذ امد التاريخ .
اما المواقف التي مازالت ترى وان المناخ الحالي للبلاد لا يزال يتيح لها بعد فرصة الالتحاق بركب الدول التي التحقت رسميا ضمن البريكس الدولي على اعتبار وان تونس لا يمكن أن تقضي بجرة قلم على 70 عاماً من التحالفات التونسية التي كانت مدروسة في وقتها وجعلت البلاد تختار أثناء الحرب الباردة المعسكر الليبرالي على حساب المعسكر الاشتراكي فعندما نقارن وضع تونس بوضع دول عربية أخرى كان لها خيار آخر وقتها أي الانحياز للمعسكر الاشتراكي، في وقت تمتعت فيه البلاد ب وضع سياسي واقتصادي أفضل بكثير على رغم الصعوبات الحالية، والتعاون مع العالم الحر كما كان يسمى بعد الحرب العالمية الثانية مكّن البلاد من تحقيق نجاحات تنموية مهمة…فبحسب هذه الاتجاهات يبدو من المغامرة الأن تغير الحليف الاستراتيجي الاول لتونس خاصة أن ليست هناك أسس موضوعية لعلاقة تونسية مع روسيا مثلا، وليس هناك تبادل للزيارات على مستوى الرؤساء لذلك من الممكن إضفاء تعديلات على خياراتنا من دون تغيير تحالفاتنا الإستراتيجية بين عشية وضحاها لأن ذلك سيفقد البلاد مصداقيتها وصداقاتها التي أقامتها على مدى أعوام .
ثالثا – روسيا وأمريكا وأوروبا : الصراع من أجل افريقيا
تونس ليست الوحيدة التي بدأ فيها نقاش حول الانضمام إلى “بريكس” حيث سبقتها الجزائر بخطوات أكثر جرأة من خلال تقديمها العام الماضي طلباً في هذا الاتجاه، وعلى رغم سعيهما المشترك إلى التغلغل في شمال أفريقيا، إلا أن بكين وموسكو لا تستخدمان الأدوات نفسها ففيما تضخ الصين استثمارات ضخمة لتحقيق ذلك، لا تخفي روسيا اعتمادها على البعد العسكري لترسيخ موطئ قدم لها من خلال تعزيز التعاون مع الحليف التقليدي الجزائر والحضور عبر الجناح الروسي” فاغنر ” في ليبيا.
الغرب دخل مرحلة التراجع من حيث الحضور والتأثير في المغرب العربي وفي عموم أفريقيا، لكن ليس إلى الحد الذي ندعي فيه نهاية النفوذ الغربي فهو يمتلك أذرعاً وشبكات مصالح ويمكنه الضغط وخلق أزمات ربما تعجز دول المغرب العربي وحتى الأفريقية عن حلها، ذلك ان هذه القوى لن تتنازل ببساطة عن مناطق نفوذها لمصلحة روسيا بل سيكون هناك نوع من الصراع المحتدم بين تلك القوى وعلى دول المنطقة أن تستعد لهذا الصراع”.
فالقضية المركزية للأميركيين الآن هي إخراج فاغنر من ليبيا ثم التوجه إلى بلدان الأخرى مثل السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهي دول دخلت معها الولايات المتحدة في شراكات لمنع مزيد من توغل فاغنر في القارة الافريقية وهذا الأمر قد يشكل تهديدا بل حربا ضارية دبلوماسية وسياسية بين روسيا وامريكا و اوروبا حول شمال أفريقيا والقارة بأسرها.
رابعا – منظمة شانغهاي : الدور الاستراتيجي للصين
“شنغهاي للتعاون” هي منظمة دولية أوروآسيوية تأسست في شكل تحالف سياسي واقتصادي وعسكري في مدينة شنغهاي الصينية من قبل 6 دول في البداية و هي: الصين، وروسيا، إضافةً إلى إيران، وانضمت لاحقاً كل من الهند وباكستان إلى المنظمة كعضوين كاملي العضوية في 2017، في قمة أستانة وبذلك يتم توحيد 5 دول تملك إمكانات نووية في منظمة إقليمية واحدة. وتضمّ المنظمة أيضاً دولاً غير أعضاء يحملون صفة مراقب ومنها: بيلاروسيا، وأفغانستان، ومنغوليا، ونيبال، وكمبوديا، وأرمينيا، وسريلانكا وانضمت في الآونة الأخيرة كل من مصر وقطر والسعودية ، وثمّة العديد من الدول المهتمّة بإقامة علاقات مع المنظّمة مثل: البحرين، والإمارات، والعراق، وسوريا، وكلّها تسعى لأن تنضم إلى “شراكة الحوار”.
ويُشكّل أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون ما يقرب من نصف سكان العالم ما يجعلها أكبر تحالف سياسي إقليمي في العالم وغالباً ما تسمى منظمة شنغهاي في الغرب بـ”التحالف الشرقي”. تهدف منظمة شنغهاي للتعاون إلى تعزيز سياسة حسن الجوار بين الدول الأعضاء، إلى جانب دعم التعاون بينها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ومواجهة التكتلات الدولية بالعمل على إقامة نظام دولي ديمقراطي وعادل .
واذ تسعى منظمة شانغهاي الدولية على التوسع لتشمل أغلب الدول العربية والأفريقية والآسيوية وهي تقابل قمة مجموعة العشرين لأعلى الاقتصاديات في العالم، وقد تتبلور لاحقاً إلى حلف عسكري لأن أحد بنود المنظمة حماية الوضع الجيوسياسي والجغرافي للدول الأعضاء.هذا التقاسم ناتج عن تراجع النفوذ الأمريكي وإفساح المجال للكثير من الدول العربية لأن تتحرك بحرية وأن يكون لها خيارات متعددة تستطيع من خلالها بناء مصلحتها الوطنية دون أي اعتبار للمصالح الأمريكية خصوصا امام تراجع النفوذ الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة بالمنطقة وإحلال شركاء ومنافسين جدد في السياسة الدولية وتحديداً بمنطقة الشرق الأوسط ومنها الصين وروسيا.
وحيث يؤكد دخول الصين وروسيا إلى المنطقة من بوابة الاقتصاد في ظل الفرص الاستثمارية والتجارية الثمينة التي يمكن أن يستفيد منها كثير من الدول الصغيرة و الناشئة وكذلك الدول ذات الوزن الاقتصادي الهام حيث تتوسع هذه العلاقات إلى صفقات اقتصادية و عسكرية وصولاً إلى تمتين العلاقات السياسية من ذلك دول الخليج والمغرب العربي وتحديدا منطقة شمال افريقيا.