تونس وحرب الكابتاغون: المخدرات و أفيون الإرهاب
فاتن الجباري: قسم البحوث والدراسات القانونية
مراجعة الدكتورة بدرة قعلول
المقدمة :
المخدرات او ارهاب الكبتاغون الذي يرتبط استهلاكه بمخدر الارهابيين و الشبكات الدولية التي تستهدف الدولة التونسية هي القضية الاخطر التي تؤكد حجم التهديد الامني و التحدي الاجتماعي و الاقتصادي الذي تواجهه البلاد ومدى ارتباطه بالمشهد السياسي حول من يقف ويدبر لوضع تونس امام سيناريوهات خطيرة قد تقوض الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتدمر حياة الأفراد والمجتمع وغالبا ما يكون المستهلكون والمدمنون ضحايا لشبكات تجارية قوية تحقق عائدات مالية كبيرة حيث تمتلك هذه الشبكات المنظمة دوليا ناتج داخلي خام يفوق عائدات دولة بحالها ؟
حرب الكابتاغون عملية “نوعيّة” جديدة قامت بها الأجهزة الأمنية اللبنانية، إذ تمكّنت فرقة مكافحة المخدّرات في الجمارك اللبنانية من ضبط نحو مليون و800 ألف حبّة “كبتاغون” معدّة للتصدير إلى تونس عبر مرفأ بيروت. كشف عنها وزير الداخلية اللبناني في أكتوبر 2022
مخدر الكابتاغون هذا المخدر الذي يعتبر من اخطر “وسائل التجنيد” التي يستخدمها الإرهابيون للإيقاع بشرائح من الشباب في حبائل التطرف والإرهاب، كعمل شائع بين منفذي العمليات الإرهابية و التفجيرات الانتحارية حيث تقوم الشبكات الإجرامية بالاتجار بمجموعة من المخدرات ولا سيما الحشيش والكوكايين والهيروين والكابتاغون . ومع ازدياد سهولة اختراق الحدود الدولية، ما فتئ تعاطي المخدرات والحصول عليها ينتشران في جميع أنحاء العالم
الارقام المفزعة بخصوص استهلاك المخدرات في تونس حيث أثبتت دراسات وإحصائيات ازدياد ظاهرة الإدمان على المخدرات في أوساط المراهقين والشباب خلال السنوات الاخيرة في تونس . وبيّنت دراسة ميدانية أصدرتها خلية علوم الإجرام بمركز الدراسات التشريعية والقضائية حول “المخدرات والعود: الواقع والتحديات” أن “نسبة المتعاطين للمخدرات بمختلف أنواعها لدى المراهقين والشباب قدرت بـاكثر من 57 بالمئة لدى الفئة العمرية 13 و18 سنة. وتبلغ نسبة المبتدئين في استهلاك المخدرات لأول مرة منذ سن المراهقة حسب الدراسة نفسها 86.8%..
المخدرات المخطط الجديد لسياسة التخدير
عالم المخدرات في تونس ، سوق لا تكسد وطلابها في ازدياد، عجزت المقاربة الأمنية عن معالجة أسباب ودوافع الإقبال عليها خاصة من الشباب ، وعمقتها الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة، ويرى باحثون أن مشروع قانون تقنين إنتاج وترويج واستهلاك مادة “القنب الهندي”، سيزيد الأمر سوءًا ولن يكون حلًا لهذه الآفة.
تقترن كلمة الأفيون في ذهن المتلقّي بمرجعيّتين على الأقل، الأولى واقعيّة سلوكيّة إجراميّة تتّصل بالانتشار المفزع للمخدرات في تونس ترويجًا واستعمالاً، وهو ما تكشفه التقارير الأمنية وتؤكده اللجنة الوطنية للوقاية من الإدمان من خلال أرقام وإحصائيات مثيرة للجدل، أمّا المرجعية الثانية التي تحيل إليها كلمة أفيون فهي نقديّة تتمثّل في إحدى المقولات لفلسفة ماركس ونصّها وفق إحدى الترجمات “إنّ الدين أفيون الشعوب وزفرة المضطهد .
“فالافيون ” بحسب اخصائي طب النفس الحديث هو المخدر الذي يؤدي الى بلوغ المرحلة قصوى من الوهم الخرافي الجنوني المتعصب الذي يثير حالة نفسية من الشعور بالعظمة الشديدة و القوة الخارقة التي توصل حد الاقدام على العمليات التفجيرية الانتحارية دون خوف تكون عوارضه البدائية الهيجان والغليان انه السلاح المدمر الذي كان محور صفقة دموية تستهدف الدولة التونسية الى مرحلة الحرب الاهلية …
تشير اغلب الدراسات المتخصصة في علم الاجتماع السلوكي الى ان “بنية العقل الثوريّ” في تونس اصبحت مستهدفة بشكل خطير جدا حتى من قبل شبكات اعلامية مافيوزية لها اذرع اجنبية فالإعلام التونسي لعب دورا حاسما في صناعة جيل جديد وفق قوالب متشابهة ومفرغة من كل مرجعية فكرية او هوية متأصلة بأسلوب ذكي جدا يعتمد الكذبو الدجل وانتشار الأوهام والمغالطات التي يعرضها محترفوها عرضًا مثيرًا يتسرّب إلى عقول البسطاء والسذج، حيث يقع الترويج الى نمط جديد يستهدف فئة الشباب والمراهقين كاستهلاك الكحول والمخدرات وحتى الذوق العام بدخول مضاهر سلوكية جديدة حاملة لفكر هجين متعصب …يحدث ارباكا خطيرا في بنية النظام العام الاجتماعي فينتهي الأمر إلى حالة شعورية وذهنية وسلوكية عامّة أقرب إلى فوضى الخواطر واضطراب الأفكار والتصورات، فلا يستطيع المرء أن يتخذ موقفًا واضحًا صارمًا، فيغدو من فرط الغموض والالتباس بلا اختيار ولا إرادة ولا عزم، وينزل شيئًا فشيئًا إلى قاع اليأس والتسليم والقنوط ومن ثم الهروب من الواقع نحو دمار نفسي اجتماعي تام حتى الانتحار واول هذه الفئات المستهدفة هي من صفوف الشباب و التلاميذ و حتى الكهول …
مادة يخطط لها على المدى المتوسط والبعيد وتعمل عليها شركات الإنتاج والتسويق العالمية التي لا يعرف مصدرها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي و العمل على إتقانها لتقنع بها الجمهور المستهدف، الإدمان على المخدرات بمختلف أصنافها والمواد العشوائية من مشتقات المواد الكحولية ، له تداعيات صحية خطيرة، والأخطر أنّ المدمنين عادة لا يكتفون بمواد محددة بل يبحثون في كلّ مرة عما هو أكثر تأثيراً، وقد يقترفون مختلف الجرائم للوصول إلى غايتهم.
ان أضرار هذه المواد لا تقتصر على الوفاة التي تخلف عادة ضحية واحدة بل تمتد إلى الجرائم المرتكبة من جراء الإدمان، ومن بينها الاغتصاب والقتل وغيرهما من الجرائم العنيفة البشعة، فمنسوب الجريمة ارتفع بنسب ملحوضة جدا خلال الاونة الاخيرة وفي كثير من الأحيان، يرتبط الاتجار بالمخدرات بأشكال أخرى من الجريمة، مثل غسل الأموال و الفساد.
كما يمكن للشبكات الإجرامية أن تستخدم مسالك الاتجار لنقل منتجات أخرى غير مشروعة في ضوء اعتماد المجرمين أساليب أكثر ابتكارا لإخفاء المخدرات أثناء نقلها، تواجه أجهزة إنفاذ القانون بتونس صعوبات في الكشف عن هذه المواد المخبأة وبالإضافة إلى ذلك، يتم إنتاج أنواع جديدة من المخدرات الاصطناعية بشكل منتظم، وبالتالي تحتاج الاجهزة الامنية إلى أن تكون باستمرار على دراية بالاتجاهات الجديدة للسوق غير المشروعة والمنتجات التي تباع فيها.
تاريخ الكابتاغون في القتال الانتحاري
تاريخيا انتشر استخدام مثل هذه المخدرات بين المحاربين، وقد استخدمت بعض الأنظمة الشمولية مثل النازية لزيادة معدّلات المغامرة والإقدام، وتمّ توزيعها على نطاق واسع في جميع أنحاء الجيوش العسكرية ، ولتعزيز الآثار المنشطة وللحثّ على اليقظة المطولة، كما ثبت أن الجنود من الجانبين في الحرب العالمية الثانية تناولوا كميات كبيرة من مركب الكابتاغون كوسيلة لمحاربة التعب ورفع الطاقة ومعدلات التهور لتحفيز روحهم الانتحارية، كما استخدمها بعض الطيارين الأمريكيين في حرب الخليج، وقد تمّ تدمير أجساد وعقول الجنود الذين تناولوها، بعد أن حوّلتهم إلى آلات قاتلة في الحرب، وكان مصيرهم بعد انتهاء المهمة عادة، إما الانتحارأو المصحات العقلية لمعالجة الأمراض النفسية والإدمان. فالحرب الأهلية السورية اججهاً تصدير واستهلاك كميات متزايدة من المخدرات غير القانونية.
في تحقيق أجرته وكالة “رويترز” يكشف أن التجارة بمادة “الكبتاغون” المصنع في كل “سوريا” و لبنان و باكستان و الإكوادور بلغت إيراداتها ملايين الدولارات حيث استعملت عائداته لشراء الأسلحة، و معدات العتاد الحربي ذلك ان إنهيار القانون والنظام والبنية التحتية في “سوريا” وانتشار المجموعات المسلحة فيها، حوّلوها إلى منتج رئيسي للمخدرات، بعد أن كانت لفترة طويلة نقطة عبور للمخدرات القادمة من أوروبا و”تركيا” و”لبنان” والمتجهة إلى دول الخليج الغنية فمن يقف اليوم وراء قدوم هذا الطاعون المميت الى تونسة؟
أباطرة وزعماء عصابات جلب المخدرات إلى تونس قد تكون معلومة من السلطات التونسية بناءا على معطيات دقيقة تتحصل عليها الدولة من منظمة الشرطة الدولية في اطار التعاون الامني المشترك و الجريمة الدولية المنظمة لكنها مكبلة بدخول مهربين بارونات او وسياسيين كبار لما لديهم من ارتباطات ومصالح مع هذه العصابات الدولية أو أنهم يخشون نفوذ وبطش وسطوة زعمائها.
وبالتالي لا يمكن الضرب على أيدي هؤلاء العابثين بأمن البلاد واستقرارها في غياب الشجاعة والإرادة، فيتم الاكتفاء بملاحقة صغار المروجين والمستهلكين من عموم المواطنين الذين يتم بعد الاشتباه فيهم القبض عليهم وإجراء التحاليل اللازمة لمعرفة استهلاكهم من عدمه للمواد المخدر…
أرقام مفزعة كشفتها دراسة حديثة أعدتها الجمعية التونسية لطب الإدمان، جاء فيها أن نصف التلاميذ في تونس جربوا التدخين والمخدرات، وأنه يوجد أكثر من 400 ألف مدمن على المخدرات، إضافة إلى 33 ألفًا يتعاطون المخدرات من خلال الحقن.
وقدرت إحصاءات غير رسمية أن المادة الأكثر استهلاكًا في صفوف التلاميذ الذين تقل أعمارهم عن 20 سنة، هي مادة “القنب الهندي” أو ما يعرف ب “الزطلة” بنسبة 92.70 % وقرابة 72% يستهلكون الحبوب، وبحسب إدارة الطب المدرسي والجامعي التابعة لوزارة الصحة التونسية، فإن التلاميذ الذين جربوا المواد المخدرة بالمؤسسات التربوية يتوزعون بين 61.1% في صفوف الذكور و40.9% في صنف الإناث.
كما كشف تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات ، أن 68% من مخدر الكوكايين يصل إلى أوروبا عبر دول منطقة شمال إفريقيا، وهو رقم يؤكد أن منطقة شمال إفريقيا (المغرب والجزائر وتونس) باتت مركزًا لتجارة المخدراتو رغم أن تونس دولة غير منتجة للمخدرات والأفيون، فإن الكميات المصادرة من أجهزة الدولة توحي أن تجارتها انتعشت واستهلاكها في تصاعد مستمر، حيث أعلنت وزارة الدفاع في وقت سابق أنها حجزت في الآونة الاخيرة ، قرابة طن من القنب الهندي، إضافة إلى طن في منطقة رمادة بتطاوين ، وذلك دون احتساب ما صادرته باقي الأسلاك الأمنية كالشرطة والحرس والديوانة .
تونس سوق عبور للمنوعات و المخدرات تؤمنها الشبكات الارهابية المتوغلة
أكدت تقارير أممية ومنظمات دولية أن تونس تصنف على أساس منطقة “عبور”، ومسارات المخدرات في منطقة شمال إفريقيا تنطلق من المغرب بصفتها دولة منتجة، مرورًا بالجزائر ثم تونس ومنها إلى ليبيا، فيما أورد تقرير صدر حديثًا عن مؤسسة “نيو فرونتير داتا” أن المغرب يُعد ثالث أكبر سوق لترويج القنب الهندي ومخدر الحشيش المستخلص منه في القارة الإفريقية، حيث تفوق قيمة المتاجرة في هذا النوع من المخدرات 3.5 مليار دولار سنويًا، بينما يقدر عدد المدمنين على استهلاك مخدر الحشيش في المغرب بنحو 1.7 مليون فرد، فيما غابت الجزائر وتونس عن لائحة الدول العشرين الأوائل لمستهلكي القنب الهندي، إلا أن تقاريرًا كشفت ازدهار السوق المحلية التونسية، رغم غياب الإحصاءات الدقيقة.
لا يرتبط دور الجماعات الجهادية في الاتجار بالمخدرات بإنتاج المخدرات فحسب، بل بالتمويل الذي تحصل عليه من خلال فرض ضرائب على المنتجين في بعض المناطق، والمتجرين في جميع المناطق تقريبًا. وتحصل التنظيمات الجهادية على التمويل من قطاعاتٍ مختلفة من تجارة المخدرات تتراوح من توفير الحماية، إلى الدعم في النقل، إلى الوساطة. ومن ثم، يجب التصدي للاتجار بالمخدرات من خلال ثلاث طرق مختلفة: العسكرية، والتشريعية، والاقتصادية.
أولًا وقبل كل شيء، يجب ألا يقتصر الأمر على مكافحة غسل الأموال فحسب، بل يشمل التصدي إلى العصابات الإجرامية المنظمة أيضًا التي تتعاون مع الجماعات الجهادية، من خلال محاولة تفكيك النماذج الإجرامية التي يمكن للإرهابيين تكرارها بغض النظر عن منطقة عملياتهم الجغرافية. ويجب أيضًا تدعيم الأنشطة والأدوات اللازمة للتحقيق في تمويل الإرهاب المباشر وغير المباشر وتعقبه. ومن الضروري تعزيز الأدوات التكنولوجية في الموانئ والمطارات وحتى شبكات الأنترانت باعتبارها اكبر سوق افتراضي لتجار المخدرات .
مسالك التهريب الدولية اخذ بعدا اقليميا بين دول الجوار معني بترويج وتعاطي مخدر القنب الهندي في تونس العاصمة وفي بعض المناطق الحدودية كـ(القصرين)، حيث ان مسار تهريب المخدرات التقليدي ينطلق من ” المغرب” ، عن طريق مهربين كبار مغاربة إلى المدن والمحافظات الجزائرية ومنه نحو الطرق الصحراوية ، أو إلى محافظات الوسط والشرق الجزائري ، لتصل إلى عنابة وتبسة الحدوديتين مع تونس، لتدخل عبر المسالك الوعرة إلى محافظة “جندوبة” والقصرين، ومنهما إلى العاصمة تونس والمناطق الساحلية (سوسة المنستير).
كما تشير مصادر أمنية تابعة الى وحدات الحرس الوطني ان كل من ولايات الكاف وقفصة وتوزر شكلت بدورها ، بوابات حدودية لتدفق المخدرات إلى تونس خلال عمليات امنية تركزت بالمعابر و المفترقات و الحدود فبعد تشديد الخناق على المعابر التقليدية (المناطق الحدودية) بين الجارتين تونس والجزائر، في إطار حملة شاملة لمقاومة الإرهاب من الجانبين، اتخذ “بارونات” التهريب مسالك أخرى حيث تحتمي هذه العمليات بواسطة التواجد الارهابي كدرع دفاعي يؤمن عبورها ، فهؤلاء المهربون محترفون في ابتكار حيل متنوعة وطرق جديدة لنقل مختلف الممنوعات حتى من خلال استعمال الدواب .
المسالك الجبلية الوعرة
الدواب والسيارات العادية وذات الدفع الرباعي، كشفت أجهزة مكافحة المخدرات في تونس وادارة الديوانة ، لجوء المهربين إلى استعمال القوارب السريعة أوما يُعرف بـ(زودياك)، لنقل ممنوعاتهم والإفلات من الرصد والمراقبة، وتعتمد هذه الطريقة على إخفاء مخدر القنب الهندي داخل عجلات السيارات وإلقاؤها في البحر، ثم يتم الاتصال بالهدف (المستقبل) بواسطة الهاتف وتحديد موقع البضاعة بواسطة تقنية تحديد الموقع، ليأتي قارب آخر وينتشل المخدرات، وفي كثير من الأحيان يلفظ البحر عدة صفائح وأكياس مملوءة بالزطلة، أين عثرت عليها فرق حرس الحدود .اليخوت أيضًا من الوسائل التي يعتمد عليها المهربون في نقل المخدرات، فهي عادة لا تجلب أنظار الأمن لأن مستعمليها من الأثرياء وذوي السلطة. يُذكر أن فرقة مكافحة المخدرات قذ ضبطت أكثر من 3 أطنان من مخدر الزطلة محملة على يخت، وقبض على 3 أجانب يحملون الجنسية الإسبانية بميناء الحمامات السياحية خلال العام 2015.
“تجارة المخدرات في تونس عرفت انتشارًا في الآونة الأخيرة مقارنة بالسنوات الفارطة، رغم المجهودات الأمنية المكثفة في سبيل منع تدفقها على البلاد من الحدود البرية والبحرية أو عن طريق المطارات والموانئ”
الأمن ومكافحة المخدرات
لقد عرفت تجارة المخدرات في تونس انتشارًا في الآونة الأخيرة مقارنة بالسنوات الفارطة، رغم المجهودات الأمنية المكثفة في سبيل منع تدفقها على البلاد من الحدود البرية والبحرية أو عن طريق المطارات والموانئ، ذلك ان المهربين يعمدون إلى تغيير طرق إدخال “السموم” بصفة دورية، وهي في كثير من الأحيان مبتكرة، وتعمل الفرق الأمنية المختصة على مواكبتها ومجاراتها من خلال أجهزة الاستعلامات “المخابرات” والعمليات الاستباقية في اطار تربصات دولية تابعة للانتربول الدولي او دورات تكوينية مشتركة بين وزارة الدفاع و الداخلية بما فيها امن الحدود والموانئ وامن المطارات و الطيران المدني و ادارة الديوانة .
الفرق المختصة التابعة للمؤسسة الديوانية بدورها تعمل على تطوير قدراتها وترفيع جاهزيتها، من خلال المتابعة الدقيقة للطرق التقليدية والمبتكرة التي تعتمدها مافيات الأفيون، برًا وبحرًا وجوًا، حيث ان تونس شهدت في الآونة الأخيرة تحسنًا في أداء مؤسستها الأمنية في تعاطيها مع ملف التهريب عامة والمخدرات خاصة، تمكنت تقريبًا من إحباط اغلب محاولات إدخال القنب الهندي ومخدر الكوكايين والهيروين.
السوق محلية و النقاط المصنفة سوداء
تجار المخدرات الذين ينشطون بالاحياء المتاخمة للعاصمة تونس كحي التضامن و جهة الملاسين و حي هلال وغيرها من الاحياء لمعروفة بانتشار بيع واستهلاك “مخدر الزطلة “، أن تجارة المخدرات عرفت انتعاشة كبيرة خاصة بعد الثورة بفعل غياب الأمن واتساع دائرة الفوضى، إضافة إلى انشغال أجهزة الدولة في مكافحة مختلف الاضطرابات الامنية الاخيرة .
كميات المخدر التي تصل إلى العاصمة التونسية لصغار المروجين عن طريق التهريب أو ما يُعرف بـ(الكونترا)بكميات متفاوتة، وتدخل تونس عبر المناطق الحدودية مع الجزائر، وتُباع بعدها قطعًا (صابونة) تُقسم إلى أحجام مختلفة حسب السعر ، مضيفًا أن في كل حي أو منطقة صغيرة يوجد (بائع) أو أكثر، وأغلبهم معلومين لدى فرق الأمن.
ما يعرف “بالكيف” او التكيف في تونس أصبح أمرًا مألوفًا ومتداولًا تستعمله كافة الشرائح الاجتماعية ذكورًا وإناثًا، وهنا تكمن المفارقة ” اذ من المستحيل أن تكون الكميات الرهيبة التي تُضخ في تونس تدخل دون علم بعض أجهزة الدولة والقائمين عليها، اذ من الممكن وجود تسهيلات أو متواطئين”، من خلال عمليات الارتشاء بمبالغ متفاوتة الأهمية، حيث تبقى “الرؤوس” بعيدة عن كل ملاحقة أو تتبع.
المقاربة القانونية من وجهة حقوقية لكنها فاشلة
- قانون المخدرات التونسي القمعي غير الاصلاحي يبدو أن مشروع القانون المتعلق بتخفيف العقوبات على تعاطي المخدرات قد لا ينجح في معالجة الإشكاليات الحقوقية في القانون الحالي. حيث طالبت المنظمة الدولية السلطات التونسية بمراجعة القانون وإلغاء جميع العقوبات السجنية المتعلقة بتعاطي أو حيازة مخدرات لغايات ترفيهية.
ويحجر القانون عدد 52 المؤرخ في 18 ماي 1992 المتعلق بالمخدرات استهلاكها وشراءها وبيعها أو تصديرها أو توريدها أو التوسط فيها أو ترويجها أو تهريبها، وحجر تحجيرًا باتًا زراعة كل النباتات الطبيعية المخدرة وكل العمليات الصناعية والتجارية المتعلقة بها إلا في الأحوال المسموح بها قانونًا وذلك بالنسبة لميادين الطب والصيدلة والبيطرة والبحوث العلمية فقط، وقد أوجب القانون على كل مالك أو حائز على أرض تحتوي نباتات مخدرة إعدامها بنفسه.
ويعاقب بالسجن من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 1000 دينار إلى 3000 دينار، كل من استهلك أو مسك لغاية الاستهلاك نباتًا أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها قانونًا والمحاولة تستوجب العقاب، كما يعاقب بالسجن من 6 أشهر إلى 3 أعوام وبغرامة من 1000 دينار إلى 5000 دينار، كل من تردد على مكان أعد وهيئ لاستهلاك المخدرات، أما المروج للمواد المخدرة، فتتراوح العقوبة من 6 سنوات إلى 10 سنوات وبغرامة من 5000 دينار إلى 10 ألاف دينار، أما المهرب أو المورد فيعاقب بالسجن من 10 أعوام إلى 20 عامًا وغرامة مالية من 20 ألف دينار إلى 100 ألف دينار. ويحكم بأقصى العقاب المستوجب للجريمة، إذا ارتكبت ضد قاصر لم يبلغ 18 عامًا كاملة أو بواسطته أو من له سلطة عليه بداخل المؤسسات التربوية، أو إذا ارتكب أو شارك فيها أحد الأشخاص الذين عهد إليهم القانون مكافحة ومعاينة جرائم المخدرات والبحث فيها أو أحد المسؤولين عن إدارة أو حراسة الأماكن التي تحفظ فيها المواد المخدرة، ويتم الحكم بأقصى العقاب المقرر للجريمة في صورة العود.
ويمكن للمحكمة المختصة أن تأذن إلى جانب العقوبات الأصلية بفرض المراقبة الإدارية على المحكوم عليه لمدة 10 سنوات وبحرمانه لمدة تتراوح بين 5 و10 سنوات من مباشرة الحقوق والامتيازات كالحق في الوظيفة العمومية، وحمل السلاح والأوسمة الشرفية الرسمية والحقوق المدنية والسياسية والحصول على جواز سفر أو السفر إلى الخارج، كما يفرض القانون التونسي طرد وترحيل الأجنبي المحكوم عليه من أجل جرائم المخدرات من التراب التونسي بمجرد قضائه للعقاب ويحجر عليه دخول البلاد التونسية مدة 10 سنوات إن كان العقاب من أجل جنحة، ومدى الحياة من أجل جناية وكل من يخالف ذلك يعاقب بالسجن من عام إلى 5 سنوات وبغرامة من 1000 دينار إلى 5000 دينار، والمحاولة موجبة للعقاب، وتسقط الدعوى العمومية بمرور 5 سنوات إن كانت ناتجة عن جنحة، وبمرور 10 سنوات إن كانت ناتجة عن جناية، ويسقط العقاب المحكوم به بمرور 10 أعوام بالنسبة للجنحة وبمرور 20 عامًا بالنسبة للجناية.
السجون التونسية في حالة انفجار وتفريخ للاجرام
قرابة 5200 سجين من أجل مسك أو استهلاك مادة مخدرة في السجون التونسية وفقًا لإحصائيات الرسمية لإدارة السجون والاصلاح وهو ما يكلف السلطات مصاريف سنوية للسجين الواحد بنحو 38 مليون دينار ( قرابة 19 مليون دولار) حسب قولها.
وجاء في تقرير المنظمة، بحسب الإدارة العامة للسجون والإصلاح التابعة لوزارة العدل، أن عدد السجناء المدانين في جرائم تتعلق بالمخدرات قد بلغ حتى منتصف ديسمبر 2015 في تونس7451 شخصًا: منهم 7306 رجال و145 امرأة، أدين تقريبًا 70% من هؤلاء ـ حوالي 5200 شخص ـ باستهلاك أو حيازة مادة الزطلة، كما تبلغ نسبة المُدانين في قضايا مخدرات 28% من مجموع السجناء في تونس.
- تخفيف عقوبة الاستهلاك وشديد عقوبة الترويج ما زالت المقاربة المثلى لمكافحة المخدرات محل جدل بين من يطالب بتشديد العقوبات من أجل تحقيق الهدف من القانون ليكون هو الرادع لانتشار الظاهرة، ومن يرى في المقابل أن الاعتماد على الردع الجزائي لمكافحة المخدرات فشل فشلاً ذريعاً، وهو ما يستوجب إعادة النظر واعتماد مقاربة مختلفة.
القانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 المتعلق بالمخدرات المنقح بمقتضى قانون 2016 . حيث تأكد للمشرع حسب الأرقام والوقائع أنّ هذا القانون لم يحد من نسب تجارة واستهلاك المواد المخدرة وبالتالي بات من الضروري مراجعته وتنقيحه وخاصة فيما يتعلق بتشديد العقوبة على التاجر والمروّج وتخفيفها وفق الحالات على المستهلك خاصة أنّ بعض الدول أصبحت تعتبر المستهلك بمثابة الضحية والمريض الواجب حمايته ومعالجته عوض معاقبته.
وقد بينت بعض الاستشارات والدراسات وآراء بعض المتضلعين في فقه القانون أن قانون 18 ماي لم يعالج الظاهرة ولم يحد منها وان عديد النواقص ضمن هذا القانون باتت في حاجة للمراجعة ليكون فاعلا. قانون 92 جاء بعقوبات قاسية ولم يترك سلطة تقديرية للقضاء لمعالجة الحالات حسب ظروفها مضيفا أنّ قانون 92 يحمل ظروف تشديد بالنص في داخله ويمكن أن يعاقب حتى المدخن السلبي الذي استنشق رغما عنه مادة مخدرة وأثبتت عينات اختبار سوائله إيجابية التحليل وهو ما يجعله مدانا ويُذكر أنّ إحصائيات رسمية أكدت ارتفاع قضايا المخدرات من 1405 إلى 1650 قضية في المادة الجنائية ومن 850 إلى 1200 في المادة الجناحية .
كما لم يراع القانون الجوانب العمرية التي من المفروض النظر إليها بمنظار علاجي وليس ردعيا فالطالب الجامعي يسجن ويوفر له بالسجن إمكانيات الانحراف والحرمان من مواصلة التعليم وكذلك العمل. فقانون 92 تغيب عنه الضمانات بالنسبة للمتهم في جانب الاستهلاك وخاصة فيما يتعلق بالأدلة فاختبارات الدم وغيره لا تجرى بحضور المتهم ويمكن لسبب ما أن تختلط العيّنات وبالتالي تكون العقوبات ظالمة. وستتجه روح التعديل نحو تدعيم جانب الوقاية من استهلاك وإدمان المواد المخدرة وتمتيع الموقوفين (إلى جانب المساجين) كذلك بالعلاج الطبي والنفسي.ورغم الاتجاه السائر نحو التخفيض في سلم العقوبات والحد منها أقصى ما يمكن بالنسبة للمستهلك، فإنّ هناك من يرى ضرورة تشديد العقوبات من أجل تحقيق الهدف من القانون وهو الجانب الردعي.
المصادر المعتمدة
- بوابة وزارة العدل التونسية
- وزارة الدفاع الوطني
- الادارة العامة للسدون و الاصلاح
- – الادارة العامة للطيران المدني
- مبادرة السجين 52 في تونس: محاولة لانتزاع اعتراف رسمي بخطأ سياسة الردع في مواجهة مستهلكي المخدرات”، الموقع الالكتروني للمفكرة القانونية.