تونس وإيطاليا ماراتون السواحل والحدود: أي وجه جديد لدبلوماسية الند للند ؟
في زيارة عمل مهمةأدتها رئيسة الوزراء الإيطالية اليوم 06-06-2023 بدعوة من الرئيس قيس سعيد الى تونس ل6 ساعات فقط وقد غادرت تونس منذ قليل على الساعة الرابعة بعد الظهر…
جاءت هذه الزيارة في فترة توصف بالحساسة اثيرتنقاط إستفهام كثيرة وملفات حارقة تنتظر حلولا ومفاوضات سياسية وأمنية واقليمية واقتصادية علاوة على مستوى التقييم البراغماتي لهذه الزيارة والاصلاحات المنتظرة في خصوص:
- ملف الهجرة الغير النظامية وتدفقات المهاجرين عبر الحدود البحرية وعلى الخط البري الجزائري الليبي
- والتمويل الأوروبي لحراسة السواحل
- ودعم الاستقرار المالي لتونس أمام صندوق النقد الدولي …
كل هذه المعادلات الحسابية يضع تونس وايطاليا بين خيار التحالف الاوروبي في ملف الهجرة والحدودوكبح التدفقات القياسية هذا العام لموجات الهجرة غير النظامية عبر سواحلها وذلك بحصولها على ضمانات واصلاحات مقابل الدعم المالي والتعاون المشترك في سداد الديون والحصول على القروض المعطلة درئا لكل ضغط أوروبي على تونس يجعلها تلعب دور الحارس للسواحل الأوروبية ؟
هذا وتسعى ايطاليا الى الايفاء بوعودها الانتخابية للعام القومية الايطالية ابان السياسة القمعية التي تنتهجها بمنع انجاد قوارب المهاجرين في مياهها الاقليمية وعمليات الترحيل القسري للاجئين ورفضها رسو سفن الاغاثة قبالة سواحلها…
وهو أمر يكشف النوع البراغماتي الأحادي في قضية الهجرة وحماية الحدود الإيطالية فقط، دون ان تكون لهذه الزيارة أي مسار استثماري استشرافي للمستقبل التونسي الايطاليكما تراه تونس مثلما حصل مع الجانب الجزائري خصوصا وان التجاوز الحاصل من كلا الطرفين في مايتعلق بأنبوب الغاز الجزائري الذي يغذي ايطاليا ويمر من تونس وهو امر كان من الواجب ان تقع من خلاله تشريك الجانب السيادي التونسي … .
فكيف لإيطاليا التي تتخبط ضمن حلف اطلسي يواجه ازمة الطاقة والاقتصاد وتوفير المؤن وسلاسل الامداد وقف على حافة التراجع والانهيار امام صعود الاقطاب الجديدة ان يدعم أنظمة شمال افريقيا خصوصا بعد ما اتضحت رغبة هذه الدول في الاتجاه نحو تحالفات دولية اخرى اكثر منفعة ودعما للديمقراطيات النامية بما فيه البريكس، الصين وروسيا وهو مايثير حفيظة الغرب عموما والجانب الأوروبي خصوصا منها فرنسا وايطاليا وهو مايكشف استراتيجية اللوبينغ الايطالي… في أن لا تبقى دول شمال افريقيا في غنا عن أوروبا ومنها تونس التي بدأت تتحرك فواعلها مع دول الخليج العربي ومع اقطاب المعسكر الشرقي.
المزاعم الايطالية لأجل الضغط داخل دوائر الاتحاد الأوروبي لتقديم مساعدات عاجلة لتونس، لمنع انهيار اقتصادي محتمل حسب ما قدره الجانب الإيطاليوسعيا الى التوصل نحو اتفاق مع صندوق النقد لتسريع قرض معلق بقيمة 1.9 مليار دولار دون ان تكون تونس تحت وطئة املاءات وشروط يرفضها الرئيس سعيد الذي عمل على ارساء اسلوب جديد قائم على سياسة الند للند ورفض كل ازدواجية في المعايير للتعامل مع القضايا التونسية بإعتبار وأن تونس هي شريك استراتيجي فاعل ودائم له كلمته ومكانته ضمن المنتظم الدولي والإقليمي والأوروبي على وجه الخصوص وليست مجرد محطة يقفون عندها حيال زمن الازمات وهذا ما قوبل بدعوة الرئيس التونسي الىعقد مؤتمر رفيع المستوى بين كل الدول المعنية وهي دول شمال إفريقيا ودول الساحل والصحراء ودول شمال البحر الأبيض المتوسّط لمعالجة أسباب الهجرة غير النظامية ووضع حد لهذه الأوضاع غير الإنسانية.
و حيث تشهد السواحل التونسية موجات هجرة قياسية هذا العام رافقتها عدة حوادث غرق مأساوية بلغت ذروتها في الفترة الاخيرة التي شهدت العدد الأكبر للمفقودين والضحايا بـ.373 وشهد 2022 غرق وفقدان نحو 600 شخص على السواحل التونسية على مدار العام كاملاوتقدر إيطاليا عدد من وصلوا إلى سواحلها أو حاولوا عبور البحر المتوسط، من تونسيين وجنسيات أخرىانطلاقا من السواحل التونسيةبنحو 44 ألف طالب لجوء خلال العام الجاري .
وتبدو الحاجة الاقتصادية اليوم دافعة لان تغير السياسة الخارجية في تونس ملامحها في فرض موقفها السيادي الاقليمي تجاه الاتحاد الأوروبي ويضهر ذلك من خلال محاولة تبني مشروع اقليمي رسمي تتسيده تونس في ضل غياب سياسة وتصور واضح سواء من حيث المنظومة التشريعية او المقاربة الأمنية كأنشاء منطقة بحرية أمنية مشتركة في المتوسط تتقاسم اعباء تحدياته كل الدول الواقعة على ضفاف المتوسط لا ان تلقى على كاهل البلاد التونسية متروكة لتواجه مصيرها بمفردها.
فرنسا هي الأخرى تريد أن تكون الحليف الاستراتيجي الذي لا يغيب أبدا عن البحر الأبيض المتوسط فهي اليوم امام مناورات دبلوماسية مع ايطاليا وفي تنافس حلفي كبير تحاول كل منهما ان تتصدر المشهد وتمسك بالقاطرة الاوروبية …
فالمتوسط بما يحمله من تقلبات وتحديات الا وان ثرواته التي لا تنفذ من مصادر الغاز والبترول الطاقة والمياه تجعله محور حراك دائم للأزمات .