أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

تهجير أهل غزة في النظرية “الترامبية”.. العالم في اليوم التالي لتنصيب “ترامب2”

ردّا على سؤال بشأن السلطة التي تخوّله السيطرة على قطاع غزة، قال ترامب: “بموجب السلطة الأمريكية“.

منذ أسابيع وترامب يصرح وينظّر لفكرة تهجير أهل غزة للأردن ومصر، وكان لقاء الرئيس الأمريكي بملك الأردن فرصة لكي يطرح الفكرة مجددا، بعد أن أكدها مرارا وإصرارا في صورة الواثق بأن كلامه نافذ، واستغل وجود ملك الأردن بجواره في مؤتمر صحفي ليقول للإسرائيليين قبل العالم: “أدي الجمل وأدي الجمال”، ويعيد على ضيفه أنه سيستقبل الفلسطينيين، والضيف في استحياء من المضيف يكرر أن لدى مصر والعرب خطة لحل الأزمة وإعادة الإعمار سنعرضها عليك بعد أن نلتقي في الرياض، لكن الأنا الترامبية أعلى من أن تمرر حلولا دبلوماسية تُخرج الضيف من ورطته أمام العالم الحر قبل شعبه، حتى اضطر، ربما، إلى اختلاق فكرة استقبال ألفي طفل من غزة للتداوي في الأردن.

إحدى الصحفيات اللاتي حضرن اللقاء بين الملك عبد الله والرئيس الأمريكي، قالت إن الحديث مع الصحفيين الذي جرى خلال اللقاء لم يكن مجدولا، وإن اللقاء كان من المفترض أن يكون مغلقا أمام الصحافة، لكنه “فُتح فجأة أمامهم”.

وهو ما يؤكد تلك الحالة التي كان عليها الملك، وهذه الصفاقة التي يتمتع بها راعي البقر الأمريكي وأظهرها أمام العالم من خلال استدعاء الصحافة، وهي رسالة مفادها أنني هنا الأقوى وكلامي هو النافذ، وأن لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا إلى مزيد من الصراع.

 في ظاهر كلامه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، فحديثه عن رحمته بالملونين الذين يعيشون في غزة وحل أزمتهم بتهجيرهم، إنما هو كرحمة الطبيب تاجر الأعضاء الذي يرى في قتل الرضيع وسرقة أعضائه رحمة له بدلا من أن يتلطم في الشوارع وهو لقيت، وحاشى لغزة وأهلها أن يكونوا كذلك.

مع أواخر القرن العشرين بزغ نجم الــ”نيوليبراليزم” أو الليبرالية الجديدة، وكان من روادها في الولايات المتحدة الأمريكية الرئيس ورونالد ريجان، وهي باختصار نظرية اقتصادية، وإن شئت فلنسميها أيدلوجية اقتصادية تؤكد على الأسواق الحرة، وإلغاء القيود التنظيمية، وترسخ الخصخصة، والحد من تدخل الحكومة، وإطلاق يد أصحاب الأموال، ليزدادوا توحشا، لا على مستوى أقاليمهم، ولكن على الصعيد العالمي، فيما عرف بالعولمة، والتي قُننت تجاريا باتفاقية التجارة الحرية التي أُجبر العالم الفقير قبل الغني في التوقيع عليها، وهي صورة من صور تقنين الاحتلال، والتوقيع على شروطه في معاهدة استسلام أبدية.

لكن السؤال الجدير بالطرح الآن: هل ترامب نيوليبرالي؟

الناظر إلى سياسات ترامب وأوامره التنفيذية سواء في ولايته الأولى أو الآن الأكثر حدة، نجد أن الرجل تبنى، نعم، بعض السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، إلا أنه لا يعتبر من “النيوليبراليزم”، وذلك لتبنيه، مع سياسات تخفيضات الضرائب على الشركات، إلغاء القيود التنظيمية سواء فيما يتعلق بالصناعة أو البيئة وانسحابه من اتفاقية باريس للمناخ، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهي ترتب حقوقا وضوابط، قد يرى أنها تعيق طموحاته كرجل أعمال قبل أن يكون رجل دولة، إلا أن ترامب رغم تبنيه هذه السياسات لا يمكن تصنيفه كنيوليبرالي، نظرا لخطابه الشعبوي، وتبنيه القومية الاقتصادية، ورفعه شعار “أمريكا أولا” و”اجعل أمريكا عظيمة مجددا”.

 وحتى لا نكرر يمكن مراجعة فكر الرجل من رفع هذه الشعارات في المقالين “العالم في اليوم التالي لتنصيب ترامب” و”من دولار نيكسون إلى ميم كوين ترامب”، فيبدو أن الرجل يؤسس لنظام عالمي جديد غير ذلك الذي أسسته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، والذي ارتضينا به كأمم محتلة.

حديث ترامب عن شرق أوسط خال من الصراعات باحتلاله غزة، وإعادة إعمارها هو حديث، وإن كان يبتعد عن القواعد القانونية في القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، فإنه كذلك يبتعد عن فهم ووعي أي إنسان عاقل أو مدرك، ناهيك عما لو كان قارئا، لطبيعة هذا الشعب.

حديث ترامب عن شرق أوسط خال من الصراعات باحتلاله غزة، وإعادة إعمارها هو حديث، وإن كان يبتعد عن القواعد القانونية في القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، فإنه كذلك يبتعد عن فهم ووعي أي إنسان عاقل أو مدرك، ناهيك عما لو كان قارئا، لطبيعة هذا الشعب، وهذه الأمة التي لا ترضى الهوان، وتمرض ولا تموت، أمة تتخذ من عقيدتها منطلقا، حتى ولو أُلهيت بفعل محتاليها أو محتليها.

كلام ترامب ينطلق من كونه مطورا عقاريا، وهو ما صرح به أمام ملك الأردن، وهو ما يلعب عليه نتنياهو، ومن ثم فإن الرجل يقدم العرض، ترحيل عدد لا بأس به من الفلسطينيين لإفساح المجال لمشاريعه العقارية على المدينة ذات الوجهة البحرية، كما وصفها، وهو في ذلك يؤسس للنظرية “الترامبية” التي لا تعبأ لا بقوانين ولا اتفاقيات، ويؤسس معها للفوضى في العالم.

في مقال “معركة ما بعد الحرب في غزة” والمنشور في 23 ديسمبر من العام الماضي تحدثت عن ضرورة أن تدشن حملة شعبية لإعادة ترميم كل غزة.. كل غزة بما فيها وما عليها وما تحتها، وعلى كل مخلص أن يتحرك للبدء الآن لتأسيس الشبكات ووضع الخطط لإيصال كل المعونات التي يحتاجها كل أهلنا في غزة لكي يصمدوا على أرضهم، فطالما لا نستطيع نصرتهم والدفاع عنهم فعلينا أن نمدهم بما يعينهم كي يستعيدوا قدراتهم وقواهم، ويثبتوا في الأرض، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، وتستطيع الشعوب أن تذب عنهم.

لعلي أطرح سؤالا لكل من فرح بعودة ترامب: هل ما زلتَ فرِحا بعودته إلى البيت الأبيض وامتلاكه لقوات في كل البحار والمحيطات، وعلى الأرض في محاور التجارة والنفوذ في العالم بعد ما أفصح عنه لا في القضية الفلسطينية وحسب، بل في كل ما عرضنا في المقالين السابقين؟!

لقد استطاع الرجل في شهرين بعد توليه مقاليد منصبه أن يحيي العالم في حيرة من أمره شرقا وغربا، لكن أخشى ما أخشاه أن يكون ترامب هو ذاك الرجل الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم؛ يسلطه الله علينا، فيبعثه فينا يفتنا به، فيجعل الحليم فينا حيران، فلا أرى فرِحا بعودة ترامب إلا الحمقى والدكتاتوريين، وحتى الصنف الأخير بدأوا بالاكتواء بناره.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق