أخبار العالمأمريكاالشرق الأوسطبحوث ودراسات

تكتيك ترامب لانهاء “التهديد اليمني”: وهل وقع ترامب في المستنقع اليمني؟

ليس تكتيك جديد بالنسبة للأمريكان للحدّ من “التهديدات” اليمنية على تجارة الشركات الصهيوامريكية، فالضربات الأميركية التي استهدفت اليمن منذ امس هي في الواقع امتداداً لمنهجية جديدة–قديمة في إدارة الصراع وخاصة إستعراض العضلات لرعاة البقر أمام العالم وترامب يقول بأن أمريكا القوة الأولى في العالم ولا يجب أن يتجرأ أحد عليها.

ترامب هو نفسه وفي عملية إستعراضية أشرف على الضربات على المدن اليمنية حيث اتخذت هذه الضربات طابعاً استباقياً عقب التهديد العلني الذي أطلقه الحوثي باستهداف السفن الصهيوامريكية وتشديد الحصار على الكيان الصهيوني.

وبالسياسة والتكتيك الإستباقي العسكري، لم ينتظر ترامب بدء العمليات اليمنية، بل سارعت إدارته العسكرية إلى توجيه ضرباتها، فواشنطن اليوم تحاول فرض قوانينها كالعادة على المعركة بدلاً من تركها تتطور وفق لما رسمه الحوثي، فأمريكا “ربّة العالم” لا تنتظر فهي من تبادر وتفرض قواعد اللعبة وليس العكس، والأهم أن الترامبية الجديدة اصبحت لها منهجية جديدة للتعامل مع الأوضاع فلن تخوض حروبها في المستبقبل بالوكالة بعد اليوم، لا لحروب الوكلاء بل ستخوض حربها بمفردها وستربح بمفردها وليست مجبرة على تقاسم الأرباح والدليل أن العملية العسكرية على اليمن كانت أمريكية خالصة.

خلال المرحلة السابقة وفي عهد بايدن، كان التكتيك الأمريكي مختلفا تماما عن تكتيك ترامب، الاستهداف الأميركي كان يركز بالأساس على الجانب الاقتصادي، كضرب منشآت النفط والبنية التحتية، أو استهداف محدود لبعض المواقع العسكرية، كرسالة تحذيرية لا أكثر وتدخل في سياسة الردع وطبعا تدخل معها الشركاء الغرب وخاصة بريطانيا.

أما التكتيك الترامبي فهو معاكس تماما اليوم هو يرتكز حول توسيع الاستهداف ليشمل مواقع قيادية، لتوجيه ضربات موجعة إلى رأس البنية “القيادية لأنصار الله الحوثي”. هذه المقاربة التي نجحت مع حزب الله اللبناني ومع حماس وكانت ناجعة يتبناها اليوم ترامب وفريقه بعد أن جمعت كل من الولايات المتحدة، ومعها بريطانيا وإسرائيل، خلال الأشهر الماضية بنك معلومات استخباراتي أوسع عن قدرات اليمن العسكرية وبنيته القيادية، مقارنة بالفترة التي سبقت السابع من أكتوبر، حين كانت المعلومات الاستخباراتية حول اليمن شحيحة، سواء بالنسبة للأميركيين أو للإسرائيليين.

وقد قال مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز، في تصريحات بالأمس 16 مارس الحالي، أن “لدى أنصار لله دفاعات جوية متطورة بشكل لا يصدق إضافة إلى صواريخ كروز مضادة للسفن ومسيرات هجومية تحلق فوق البحر وصواريخ باليستية”، مشيرا إلى أن “الجماعة شنت عشرات الهجمات على سفن حربية واستهدفت حركة التجارة العالمية”

لكن على الرغم من هذا التقدّم الاستخباراتي النسبي، فإن صنعاء لا تزال تملك عناصر قوة تجعل الضربات الأميركية أقل فاعلية مما تأمله واشنطن ولهذا قد رمى مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز، في تصريحات المسؤولية على إدارة بايدن وقال إن “الوضع في اليمن، الذي ورثته إدارة ترامب من إدارة بايدن كان مريعا”، مؤكدا أن “كل الخيارات على الطاولة دائما في التعامل مع إيران ويجب أن توقف دعمها للحوثيين”.

الواضح ومن خلال المعلومات التي تحصلت عليها ادارة ترامب أن اليمن يشكّل قاعدة عسكرية مهمّة في منطقة الشرق الاوسط ولديه عناصر قوة، وهي منصات الصواريخ المتحركة، التي مكّنت اليمنيين من استهداف الأهداف البحرية في البحر الأحمر بكفاءة عالية، ومن دون أن تتمكن الولايات المتحدة من تدمير هذه المنصات بالكامل، المرونة التي تمنحها هذه المنصات لصنعاء تقلّل من أثر الضربات الجوية، إذ لا يمكن للاستخبارات الأميركية تتبّعها باستمرار أو القضاء عليها دفعة واحدة.

الإدارة الترامبية منذ تسلمها الحكم دخلت بقوة وأعتقدت أنها تمتلك كل عناصر القوة حتى تقضى على كل الأطراف التي تزعجها فالترامبية تخوض مسارا سياسيا وتحوّلا في السياسة الأميركية مع عودة ترامب إلى المشهد.

الترامبية تقول أنها لديها رؤية سياسية لكيفية حسم هذا الملف ووضع حد للتطاول على أمريكا وابنتها إسرائيل على عكس إدارة بايدن التي كانت تفضل التكتيك من خلال سياسة الضغوط الاقتصادية مع ضربات عسكرية محدودة، حفاظاً على شكل من أشكال السيطرة المدروسة على الإقليم، من دون الانزلاق إلى مواجهات شاملة قد تؤدي إلى تداعيات غير محسوبة وخاصة تجنب حربا إقليمية ربما تذهب بالعالم أجمع الى هاوية حرب شاملة.

أما ترامب فهو واضح وليس لديه وقت للضغط والمناورات فهو قد دخل في الموضوع مباشرة وهذا يرحع الى اصوله كتاجر فهو يتعامل مع الصفقات والمجازفة والوضوح، فقد اختار تصعيدا أكثر وضوحاً، يحمل بصمته التقليدية في التعامل مع الملفات المعقدة: توجيه الضربات العسكرية المباشرة، وفرض واقع جديد بالقوة، بدلاً من إضاعة الوقت في استراتيجيات الضغط غير المباشر والتكتيك والمناورات.

هذا النهج يبدو أكثر وضوحاً عند قراءة تصريحات ترامب الأخيرة، التي حملت نبرة تهديد صريحة تجاه أنصار الله الحوثي، وكأنها تعكس قراراً بتسريع وتيرة العمليات العسكرية لإنهاء التهديد اليمني قبل أن تتعقّد الأمور أكثر.

 ولكن هل درس ترامب ومجموعته الواقع في اليمن وفي الشرق الأوسط جيدا حتى يشعل حربا كانت إدارة بايدن تخشاها والعالم كله يحذّر منها.

 في هذا السياق، يبرز احتمال تصعيد إضافي يتجاوز الضربات الجوية إلى دعم أميركي أكثر وضوحاً للتحرّكات البرّية، سواء من خلال الغطاء الجوي المكثّف أو عبر تحريك الميليشيات، التابعة “للشرعية”، لمحاولة استنزاف حركة أنصار الله عسكرياً على الأرض.

هذا السيناريو، إن تم تنفيذه، سيكون بمثابة اختبار جديد لقدرة واشنطن على فرض حلولها بالقوة، رغم أن التجارب السابقة لم تقدّم أي مؤشر على نجاح مثل هذه المقاربات، سواء في اليمن أو في غزة أو لبنان، ولا في العراق، القوة الأمريكية والإسرائلية والإحتياح لا يعني السيطرة على الأرض، فالقوة الأمريكية تدخل لحرق الأخضر واليابس والقتل والدمار فقط.

الضربات الأميركية ليست مجرد ردّ على تهديدات صنعاء، بل تأتي أيضاً في سياق أوسع يتعلق بإعادة ترتيب الأولويات الأميركية في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد تعقّد الأوضاع في غزة وفشل إسرائيل في تحقيق انتصار سريع ورفض العرب لمقترح التهجير وبدأ خروج سوريا عن السيطرة واتساع رقعة أطماع تركيا وإيران التي قاربت على إكتساب القنبلة النواوية وغيرها من التحولات في منطقة الشرق الأوسط.

 هنا، تصبح الضربات على اليمن جزءاً من استعراض القوة الذي تحاول واشنطن من خلاله إعادة ضبط توازنات المنطقة، وطمأنة حلفائها بأنها لا تزال قادرة على السيطرة على المشهد، حتى لو كان ذلك عبر عمليات تصعيدية قد لا تؤدي إلى حسم حقيقي.

وإدارة ترامب تدرك أن أي مواجهة عسكرية، مهما كانت طبيعتها، لن تكون طريقاً مضموناً لحسم الصراع، لكنها تتصرف وفق حسابات تتجاوز الميدان اليمني نفسه كما أشرنا منذ البداية فهي تريد أن تلقن درسا لدول الإقليم وخاصة القوى الصاعدة مثل المملكة العربية السعودية ومصر.

على الرغم من كل ذلك، فإن الحقائق على الأرض لا تزال تفرض نفسها: الحصار على إسرائيل لم يُكسر، والسفن لا تزال تتجنّب البحر الأحمر، وإسرائيل لم تجد حتى الآن مخرجاً آمناً يعيد إليها حرية الملاحة التي كانت تتمتع بها قبل أكتوبر.

 في هذا السياق، يبدو التصعيد الأميركي أقرب إلى محاولة لتعويض العجز الإسرائيلي منه إلى كونه استراتيجية ناجحة بذاتها، فالتجربة أثبتت أن الضربات الجوية، مهما كانت مكثّفة، لم تتمكن من إنهاء حضور أنصار الله الحوثي أو منعهم من توجيه ضربات جديدة. وبالتالي، فإن الخيارات المطروحة أمام واشنطن تظل محدودة، مهما بدت خطواتها الحالية قوية.

الخلاصة:

الإدارة الترامبية تدخل اليوم في معركة استباقية قد تكون أكبر من تقديراتها الأولية ورؤيتها السياسية الغير مسبوقة، فبقرارها توجيه ضربات عسكرية قوية ومباشرة وحدها من دون حليفها البريطاني، تكون قد نقلت المواجهة إلى مستوى أكثر تعقيداً، حيث لم يعد بإمكانها الاكتفاء بالرسائل التحذيرية وسياسة الردع، بل باتت مضطرة إلى تحمل تبعات التصعيد الذي بدأته، فالحوثي اليوم يواجه أكبر قوة عسكرية عالمية ولا يهمه ما يخسر بل هو الرابح الأكبر في كل الأحوال، فالحوثي وبذكاء كبير جدا بدأ بإستدراج الأمريكي الترامبي المغرور الى مربع المواجهة وبالتالي القضاء على سنوات من سياسة الردع العسكري وهذا ما كان يحاول بايدن عدم الوقوع فيه.

في هذا الإطار، سيكون من الضروري مراقبة طبيعة الردّ اليمني، وما إذا كان سيتجاوز نطاق البحر الأحمر إلى استهداف مواقع أميركية أبعد، وهو أمر قد يغيّر قواعد الاشتباك بالكامل. في جميع الأحوال، فإن ما بدأ كضربات استباقية قد يتحوّل قريباً إلى مواجهة لا يملك ترامب وحده قرار التحكم بمسارها ونهايتها.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق