تقرير الاستخبارات الأميركية يسلط الضوء على تنامي القدرات الصينية وسط منافسة استراتيجية مع واشنطن

قسم الأخبار الدولية 26/03/2025
كشف تقرير الاستخبارات الأميركية السنوي، الذي صدر أمس الثلاثاء، عن تصاعد النفوذ الصيني على الساحة الدولية، وسط جهود متسارعة لتعزيز قدراتها الدفاعية والتكنولوجية. ووفقًا للتقرير الذي حمل عنوان «التقييم السنوي للمخاطر»، تواصل بكين تطوير بنيتها العسكرية والاقتصادية والسيبرانية، ما يجعلها منافسًا رئيسيًا للولايات المتحدة في النظام الدولي.
القدرات العسكرية الصينية: نهج دفاعي متطور
بحسب التقرير، تعمل الصين على تحديث قواتها المسلحة بشكل مستمر، حيث تقوم بتطوير منظومات تسليحية متقدمة تشمل الصواريخ فرط الصوتية، والطائرات الشبح، والغواصات الحديثة، إضافة إلى قدرات فضائية وسيبرانية متنامية. وأوضح التقرير أن هذه التطورات تأتي في إطار استراتيجية دفاعية تهدف إلى تأمين المصالح الوطنية الصينية، لا سيما في مواجهة التحديات الأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وفي هذا السياق، أكد التقرير أن الجيش الصيني يركز على تحسين جاهزيته القتالية عبر إدخال تقنيات متقدمة، من ضمنها الذكاء الاصطناعي وأنظمة التحكم الآلي، ما يمنحه قدرة أعلى على الاستجابة لأي تهديدات محتملة. كما تسعى بكين إلى تحقيق توازن عسكري في المنطقة، خاصة في ظل تزايد الوجود العسكري الأميركي في المحيط الهادئ.
نهج دبلوماسي متزن يعزز الحضور العالمي للصين
ورغم ما وصفه التقرير الأميركي بـ«المنافسة الاستراتيجية المتزايدة»، شدد على أن الصين تتبع نهجًا حذرًا ومتوازنًا في سياستها الخارجية، مقارنة بدول أخرى مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية. فقد حرصت بكين على تعزيز علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع الدول النامية والاقتصادات الناشئة، ما ساهم في توسيع نفوذها في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.
وأشار التقرير إلى أن الصين لا تسعى إلى التصعيد العسكري، بل تركز على استخدام قوتها الاقتصادية والدبلوماسية لبناء تحالفات استراتيجية جديدة. وقد عززت مبادرة «الحزام والطريق» هذا الدور، حيث استثمرت بكين مليارات الدولارات في مشروعات بنية تحتية حول العالم، مما عزز مكانتها كشريك اقتصادي رئيسي للعديد من الدول.
السياسة الأميركية تجاه الصين: تحديات وتوازنات
وفي جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ الأميركي، أكدت مديرة الاستخبارات الوطنية، تالسي غابارد، أن الصين تظل المنافس الأكبر للولايات المتحدة، لكنها شددت على أن بكين لا تتبنى نهجًا عدوانيًا، بل تعمل على تعزيز أمنها القومي واستقرارها الإقليمي. وأوضحت غابارد أن الاستراتيجية الأميركية تجاه الصين تعتمد على «احتواء النفوذ الصيني» من خلال تعزيز الشراكات العسكرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتعاون مع حلفاء واشنطن مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا.
الصين والتكنولوجيا: سباق نحو التفوق العالمي
وفي مجال التكنولوجيا، يسلط التقرير الضوء على التفوق الصيني المتزايد في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والاتصالات، حيث باتت شركات صينية مثل «هواوي» و«علي بابا» و«بايدو» تنافس بقوة نظيراتها الأميركية. ووفقًا للتقرير، فإن الصين تستثمر بشكل كبير في البحث والتطوير، مما يضعها في موقع متقدم ضمن السباق التكنولوجي العالمي.
كما أشار التقرير إلى أن بكين تولي اهتمامًا خاصًا بالأمن السيبراني، حيث تسعى إلى تأمين بنيتها التحتية الرقمية ضد أي تهديدات خارجية. وفي المقابل، ترى واشنطن أن هذه القدرات قد تستخدم لتعزيز النفوذ الصيني في الفضاء الرقمي، ما دفعها إلى فرض قيود على تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين.
نظام دولي متعدد الأقطاب: رؤية صينية لعالم أكثر توازناً
وفي ظل المنافسة الدولية المتزايدة، أشار التقرير إلى أن الصين تسعى إلى تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، يرتكز على التعددية والتعاون الدولي، بدلاً من الأحادية القطبية التي كانت سائدة خلال العقود الماضية. وتعمل بكين على تقوية دورها في المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين ومنظمة شنغهاي للتعاون، بهدف تعزيز مكانتها كلاعب أساسي في صنع القرار العالمي.
يظهر التقرير بوضوح أن الصين لا تسعى إلى المواجهة، بل تركز على حماية مصالحها وتعزيز قدراتها الدفاعية والاقتصادية والتكنولوجية. وبينما تحاول واشنطن احتواء النفوذ الصيني، تستمر بكين في اتباع استراتيجية متوازنة تقوم على بناء شراكات دولية، وتعزيز موقعها كمحرك أساسي في النظام العالمي الجديد.