أخبار العالمبحوث ودراسات

خمسون يوما من الحرب…غزة في قلب الرأي العام الدولي

فاتن جباري قسم العلاقات الدولية و الشؤون الاستراتيجية
تقديم :
مرت خمسون يوماً على عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة ل كتاب عز الدين القسام – حماس في 7 أكتوبر، ارتكب إثرها الكيان الصهيوني أبشع جرائم الحرب على قطاع غزة في تحد صارخ لكل الشرائع والمواثيق الأممية ، العدد 14 ألفا و532 هو أكبر حصيلة شهداء للحرب بينهم أكثر من 6 آلاف طفل و4 آلاف امرأة وفق اخر التحيينات قبل بدأ الهدنة .
طوفان الأقصى ، عمليات قصف وتهجير وقتل وتشريد وصلت الى كل العالم ووثقها الإعلام الدولي لحظة بلحظة رغم الألة الدعائية الصهيونية التي عملت لأجل طمس الحقائق وتزييفها فمارست الفبركة والتعتيم . تتزايد المواقف الدولية المؤيّدة للفلسطينيين والمناهضة لـ”إسرائيل” الذي بات يشبه بشيطان الشعوب ، لقد خرجت الجماهير و المسيرات والمظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني في لندن وفرنسا و بريطانيا و سويسرا وكندا والبوسنة و الهرسك و في كل الدول العربية تقريبا ورغم صمت الحكام و الضغوط التي مارسها إلا أن الشعوب ضلت تنطق بالكلمة الحرة وعلى إثر ذلك بادرت حكومات أخرى باتخاذ موقف معاد للسياسة الصهيونية وبرز ذلك في موقفي إسبانيا وبلجيكا الرسميين، وفي خطوة برلمان جنوب أفريقيا الذي صوّت لصالح إغلاق السفارة الإسرائيلية، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب ،كما أنّ الخلاف الغربي – الغربي أطلّ من مواقف قادة الاتّحاد الأوروبي التي أضحت في تشذرم وقطيعة كبيرة ففي الوقت الذي يريد فيه القادة الموالون لإسرائيل إظهار عدم مبالاتهم بما يحصل من جرم مشهود ، أضحى الرأي العام الدولي المساند للقضية الفلسطينية هو المحدد لخطوات السياسات الحكومية ضمن سياسة فرض الأمر الواقع تحت ضغط الجماهير المحفزة على ضرورة إدانة اسرائيل دوليا كمجرم حرب وهذا ما أدى بعدد من الدول التي وقعت في إحراج الى تجميد بنود التطبيع في إطار الأيديولوجيا القومية الغربية والعربية المعادية للكيان الصهيوني .
يُحيلنا هذا الساق الجديد إلى ضرورة قراءة المتغيرات على الساحة الأوروبية لفهم هذا التموقع الدولي الجديد، على أن ما يجري راهنًا ستكون له آثار وتداعيات كثيرة ستظهر تباعًا على الخريطة السياسية الأوروبية وعلى مواقع بعض الأحزاب وقواعدها الشعبية. وليس من المستبعد انفضاض تحالفات قائمة ونشوء تيارات يقودها أفراد من الجيل الجديد الذي أدخلته الحرب في غزة إلى عالم السياسة وجعلته يبحث عن هوية لا انفصام فيها بين الشعارات والممارسات وعن مواقف تبتعد عن كل ازدواجية في المعايير.
أولا – التحولات السياسية في سياق الرأي العام الغربي الداعم للقضية
يتشكل الرأي الدولي حول القضايا السياسية الخارجية تحت تأثير ثلاثة عناصر: الحقائق، والقيم، والهوية ويلعب كل عنصر دوره بشكل متباين وفقًا لظروف كل قضية. وهذه بمجموعها تشكل العوامل الموضوعية والدوافع الذاتية لتكوين الموقف الفردي تجاه أي قضية صراعية
ما من أحد إلا إسرائيل يمكنه ان ينكر الأحقية و الشرعية التي تحملها القضية الفلسطينية في كسب تأييد الرأي العام الدولي ، لقد حملت القضية كل أبعاد ورموز الدفاع الشرعي عن الأرض بما فيه الهوية و القيم و الحقائق…
لقد صرنا أمام حالة غير معهودة في تاريخ الاصطفاف، بما تضمنته من خلافات داخل التكتل الأوروبي، واتجهت تصريحات منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لمساندة الفلسطينيين والرفض التام لممارسات إسرائيل، وطالب دول التكتل بزيادة المساعدات المقررة للفلسطينيين بقيمة 28 مليون يورو، مؤكداً أن قطع إسرائيل للمياه والكهرباء والحصار الغذائي على غزة يتناقض مع أحكام القانون الدولي. وجاء موقف بوريل رداً على تصريحات المفوض الأوروبي أوليفر فارهيلي المتعلق بوقف المساعدات للفلسطينيين معتبرا وأن حماس مصنفة كمنظمة موضوعة على قوائم الاتحاد، بينما تؤكد دول أخرى مثل بلجيكا وإسبانيا وأيرلندا على ضرورة وصول المساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار، تخوفاً من تداعيات إنسانية غير مسبوق على غزة ورفضاً لسياسات إسرائيل ضد المدنيين، ، فيما اعتبره بوريل وان حماس هي حركة تحررية وليست تنظيما إرهابيا .
توافقت دول التكتل باستثناء المجر والنمسا في 11 أكتوبر على إدانة حماس وضرورة إبقاء المساعدات، بينما شددت بلجيكا وهولندا وإسبانيا وأيرلندا على ضرورة وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات. بينما اتسم الموقف الفرنسي في بداية الحرب بالانحياز الواضح لإسرائيل، وسرعان ما تغير هذا الموقف الأمر الذي دفع التكتل للتراجع عن تعليق المساعدات للفلسطينيين بالمطالبة بوقف القصف والبدء في هدنة، والتنديد بتعليق المساعدات الموجهة للمدنيين.
الخلافات القائمة بين التكتل الأوروبي بشأن غزة أضعف موقفه أمام الشارع الأوروبي من ناحية والرأي العام الجماهيري من ناحية أخرى، الأمر الذي وضع الحكومات بين مغبة الإعتراف الصهيوني الذي بات مكروها والضرورة الملحة لاقتراح رؤية موحدة شاملة تجاه غزة والصراع الراهن في الشرق الأوسط الا “وهي حل الدولتين و تشكيل حكومتين مستقلتين “، ما يتطلب حل نقاط الخلاف ووضع مقاربة واحدة في مسعى لإنهاء النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين عن طريق إنشاء دولة فلسطين بموازاة إسرائيل.
التأييد الشعبي الواسع في دول أوروبا لفلسطين بعد تصاعد الهجمات الإسرائيلية على غزة، وانتشار صور وفيديوهات لعمليات القصف الإسرائيلي على المستشفيات والمباني السكنية حيث باتت وسائل الإعلام الغربية تظهر وبالكاشف الزيف الذي تبثه هيئات الإعلام الصهيونية في عمليات نوعية إعلامية لم نعهدها عن الغرب …فحتى عمليات الإفراج عن الاسرى الإسرائيليين روجتها هذه الوسائل الغربية بأنها تتحلى بالقدر الكافي من الانسانية وأن ما قامت به الفصائل المسلحة حماس يقوض ما تروجه اسرائيل حول حماس وتنزع عنها غطاء الإرهاب وهو ما صرح به ناطق خارجية الاتحاد الأوروبي بوريل في سابقة غربية لم نعهدها من قبل ، فالكذب بات مفضوحا و لقد ساهمت الفيديوهات المنتشرة في كل المواقع و الإعلام الدولي في تغيير الوازع الإيديولوجي العالمي لدى الجماهير الغربية التي باتت تتحدى قوانينها في حمل الراية الفلسطينية و في الضغط على الحكومات الأوروبية ومن ثم الاتحاد، لاتخاذ موقف حاسم بشأن إقرار هدنة في غزة و التمديد فيها بناء على مطالب مشروعة لحركة المقاومة حماس وهوما وضع اسرائيل في وضع خنوع لبنود اتفاق الهدنة ووقف نار الحرب والأفراج عن الأسرى الفلسطينيين ، وفي الوقت نفسه أثار هذا التعاطف مخاوف داخل حكومات الاتحاد التي لازالت تتحفظ في موقفها بشأن اسرائيل لانتشار أفكار متطرفة معادية للسامية، وأخرى داعمة للإسلاموفوبيا كرد فعل. فالأمن المجتمعي الأوروبي ذاته صار رهين اقتياد الحكومات في رفع راية تحرير دولة فلسطين مع اقتراب موعد انتخابات البرلمان الأوروبي في جانفي 2024.
ثانيا – كيف رسمت السياسات الأوروبية ملامح السياسة الدولية الجديدة في ضل الحرب على غزة ؟
يحاول الاتحاد الأوروبي المسك بزمام الأمور بتعديل وتلافي الحقيقة المغلوطة التي زرعتها الكيانات الصهيونية في قلب المجتمعات الغربية حيث تدرك أوروبا جيداً أن تداعيات الحرب على غزة قد كشفت للعالم و للجماهير المتعطشة للحرية في كل انحائه ،عن الوجه الإجرامي الصهيوني وألته المدمرة وأن صمت الغرب الذي كان يتشدق بالحقوق والحريات سيضرها بشكل مباشر وبسمعة الغرب ، لذا ينبغي على الاتحاد الأوروبي الشروع في وقف التصعيد والتوصل إلى اتفاق يضمن حقوق المدنيين ويعمل على نصرة القضايا الإنسانية ، ومن الممكن أن يستفيد الاتحاد من الإعلان عن أول هدنة إنسانية في غزة، بالضغط على الأطراف لتمديد وقف دائم ونهائي لإطلاق النار ما يرسخ لدوره على الساحة العالمية في وساطة السلام و حل النزاعات المسلحة بالطرق السلمية وينفي أي انتقادات بشأن التبعية للولايات المتحدة في هذه القضايا ، أمريكا التي اتهم رئيسها بايدن بالمجرم المتورط في حرب الدم .
لقد ترافقت هذا التوجه الجديد مع انسحاب التمثيل الإسرائيلي من قمة وحدة المتوسط في مدينة برشلونة، في جولةٌ ثانية تكللت بالخلاف الدبلوماسي بين إسرائيل وإسبانيا بشأن غزة. ، وكان واضحاً عنوان صحيفة “لارازون” الاسبانية حين سلّطت الضوء على الانتقاد الألماني الحاد بوجه رئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانشيس نتيجة تعاطفه مع فلسطين.
على نفس خطوات الصين ومعها روسيا كقوّتين بديلتين، انتقدتا ازدواجية المعايير الأميركية والغربية ليتقاطع موقفهما مع إرادةٍ شعبيةٍ وسياسيةٍ كبيرة. تأتي التحركات والمظاهرات وترتفع الاصوات في كل الدول مع انتشار مشاهد الإبادة الجماعية في غزة، انتفض المتظاهرون لوقف المجازر ودعم فلسطين كذلك في بوليفيا التي ذاقت طعم الاضطهاد العرقي عبر التاريخ حيث تم طرد السفير الاسرائيلي من أرضه أما التقلّب السياسي في كولومبيا أسهم في تغيّر العلاقات، وإذ برئيسها اليساري غوستافو بيترو يستدعي السفير الاسرائيلي كما هي حال تشيلي.
إزاء هذا التصعيد رفع أكثر من 60 نائباً أوروبياً ومن أميركا الجنوبية شكوى ضد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمام المحكمة الجنائية من أقصى أميركا الجنوبية الى القارة السمراء. لم يكن مستغرباً على جنوب أفريقيا اتّخاذ موقفٍ مشابهٍ الثابت الوحيد هو أنّ دولاً افريقيةً ولاتينيةً ما عادت تؤمن بالولايات المتّحدة الأميركية كقوةٍ عالمية، وأكبر دليلٍ هو تصويت 120 دولةً لوقف العدوان على غزة في تحد للغطرسة الدولة الأميركية التي كانت تحكم الرأي العام الدولي
خلاصة : غزة ، رقعة من الأرض كشفت عار الصهيونية التي عثت فسادا … الا أنها باتت رمزا لحق الإنسان في الدفاع عن أرضه وعرضه أما عن المقاومة الفلسطينية المسلحة “حماس ” فقد خاضت حربا عسكرية ستدرس في أرقى الأكاديميات و حربا إيديولوجية دفعت بالرأي العام الغربي بالاعتراف وأنها حركة تحرير قد كشفت زيف الكيان ووحشية الألة الصهيونية وأثبتت جرائمه ووثقتها وهذا ما دفع بالرأي العام الدولي الى التحرر من عقدة و اعتناق عقيدة جديدة عقيدة حرب التحرير والكفاح الفلسطيني .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق