تعمق الإنقسامات داخل الإتحاد الأوروبي وملف الهجرة يثير الصراعات
إعداد قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية
لم يتوصل الإتحاد الأوروبي الى إتفاق في ما يخص ملف الهجرة والهجرة الغير شرعية، فمنذ 2015 وهم “يدورون” في نفس المشاكل والمعارضات والإنقسامات.
والى حدود شهر جوان 2023 أعلنوا أنهم توصلوا الى إتفاق بشأن لائحتين رئيسيتين للجوء والهجرة وسط تصاعد الخلافات والانقسامات بين الدول الأعضاء. بل أنه هناك عدد منهم لم يوقع على اللائحتين وسط تصاعد لنداءات إيطاليا التي تعتبر نفسها المتضررة الأولى من الهجرة الغير شرعية وكانت قد دعت يوم الجمعة رئيسة الحكومة ميلوني رئيسة المفوضية الأوروبية لزيارة “ايطاليا” ومعاينة حجم الأعداد للمهاجرين الغير نظاميين ودعت الى تفعيل بروتوكول الذي تم” الإتفاق عليه مع الحكومة التونسية.
هي شبكة تابعة للاتحاد الأوروبي تتكون من خبراء الهجرة واللجوء الذين يعملون معًا لتقديم معلومات ومعرفة موضوعية وقابلة للمقارنة ذات صلة بالسياسات بشأن القضايا الناشئة المتعلقة باللجوء والهجرة في أوروبا.
وتعد المهمة الرئيسية لشبكة الهجرة الأوروبية (EMN) هي توفير المعلومات لصناع السياسة الأوروبيين عن طريق توفير معلومات مُحدَّثة وموضوعية وموثوقة وقابلة للمقارنة عن سياسات الهجرة المُطبَّقة في كل دول التكتل الأوروبي، وتقوم المفوضية الأوروبية بتنسيق عمل شبكة الهجرة الأوروبية.
كما أنه من المفترض وحول التطورات الكبيرة لملف الهجرة الغير شرعية فأن إعادة النظر في سياسة الهجرة صارت على رأس جدول أعمال وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي، بعدما أضحت أعداد المهاجرين غير “الشرعيين” أكبر بكثير مما كانت عليه في السنوات الأخيرة.
كما أن الإتحاد الأوروبي قد أقر بأن كل سياساته المتخذة في هذا الملف هي فاشلة ولا يوجد استراتجية صحيحة لمعالجة هذا الملف.
ويعتبر العديد من الخبراء الأوروبيين إن لم يتم التعامل مع الملف بجديّة أكبر فإن الوضع سيتفاقم وربما سيؤدي الى مخاطر كبيرة أوّلها التهديدات الإرهابية وثانيها “الإحتلال الديموغرافي” ويعتبرون أن الوقت لا يسمح بالتراخي ولا الإنتضار ولا بمضيعة الوقت في الإجتماعات.
كما تخاف أوروبا من فضح نواياها وخاصة فضح “إزدواجية” المعايير التي “تتشدّق بها” فمن جهة هي ترفض المهاجرين وتكبلهم بإجراءات مجحفة جدا ومن جهة أخرى تتحدث على المكتسبات التي حققها الاتحاد الأوروبي في مجال “حقوق الإنسان” و”سيادة القانون” و”الحرية والسلام والتضامن”وضمان حق اللجوء باعتباره إنجازا أوروبيا… وبحسب الأفعال فإن أوروبا تقع اليوم في التناقض.
وقد سجلت أوروبا أعلى مستويات الطلب للهجرة إليها فقد بلغ عدد المطالبين أكثر من 966 ألف طلب لجوء خلال العام الماضي 2022 في دول الاتحاد الأوروبي وسويسرا والنرويج، وهو مستوى قياسي في ذروة أزمة اللاجئين، تقدم بها سوريون وأفغان على وجه الأخص، وشهدت ارتفاعا يزيد عن 50% مقارنة بالعام 2021.
هذا الارتفاع ناجم عن النزاعات وانعدام الإستقرار في العالم وكذلك إندلاع الحروب الأهلية وخاصة “تفقير الدول “كما يحدث في الدول الإفريقية، ويضاف طالبو اللجوء الأوكرانيين الذين فروا من الحرب ويستفيدون من حماية مؤقتة خاصة في الاتحاد الأوروبي وفي أخر تقرير أوروبي هناك أكثر من 4 ملايين أوكراني قد دخلوا الى أوروبا.
كما كانت في سنة 2016 موجة كبيرة من اللاجئين إلى أوروبا بسبب النزاع في سوريا وصلت الى أكثر من 2 مليون مهاجر.
وكشفت وكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية عن حوالي “330)” ألف معبر حدودي غير نظامي على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي في عام 2022، مثل طريق غرب البلقان ما يقرب من نصف المجموع.
كما استحوذ السوريون والأفغان والتونسيون معاً على “47%” من الأرقام المسجلة لعمليات العبور غير الشرعية في عام 2022.
وفي إجتماع 10 فيفري 2023 أجمع الإتحاد الأوروبي على أنه سيستعمل كل السياسات من أجل وقف هذا التيار بما في ذلك الدبلوماسية والتنموية والتجارية، والتأشيرات، فضلاً عن الهجرة القانونية كتعليق المساعدات والتجارة المعفاة من الرسوم الجمركية والحصول على التأشيرات من أجل إجبار الدول على استعادة طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم.
أين تكمن نقاط الإنقسامات والخلافات داخل الإتحاد الأوروبي؟
إنقسامات وخلافات حول السياج الحدودي:
طالبت النمسا دول الاتحاد الأوروبي الى جمع الأموال من أجل بناء سياج حدودي عند الحدود البلغارية – التركية ووقف تدفق المهاجرين، لكن المقترح لم يلقى ترحيبا من أغلب دول الإتحاد الأوروبي بغتبار أن السياج لن يكون نافعا ولا مجديا بل أنه إهدارا للأموال، وقد علقت فرنسا على المشروع بأنه إهدارا وإنفاقا للأموال من ميزانية الاتحاد الأوروبي لبناء سياجات. في المقابل، يقول نائب وزير الخارجية اليوناني ميتلياديس فافيتسيوتيس: “لنكن صادقين ومنفتحين، فالأسوار تؤدي الغرض منها” وطالب بتمويلها من جانب المفوضية الأوروبية “لأنها تمنع الأشخاص من تجاوز الحدود الأوروبية بشكل غير مشروع ولأنها توجه ضربة لشبكات المهربين”. وفي نفس السياق فقد خصص الاتحاد الأوروبي 06 مليارات يورو من ميزانيته لحماية حدوده الخارجية بين الفترة من 2021 إلى 2027. وهو المبلغ الذي وافقت عليه الدول الأعضاء، في حين طلبت المفوضية 11.4 مليار يورو.
انقسامات حول التعامل مع العائلات المهاجرة ورفض للمقترح الألماني:
دعت ألمانيا في المحادثات التمهيدية في اجتماع وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ في 8 يونيو 2023 بإعفاء الأسر التي لديها أطفال من الإجراءات الحدودية الصارمة بل طالبت بالتساهل معهم والسماح لهم بالدخول وهذا ما لقى رفض كبير من أغلب دول الإتحاد ليسقط المشروع الألماني.
خلافات حول التضامن الإلزامي
وافقت دول الاتحاد الأوروبي ألمانيا وإيطاليا على مشروع الإصلاحات في 11 يونيو 2023، بينما امتنعت معظم الدول الصغيرة. ولم يحظ القرار بالإجماع، غير أنه حصل على أغلبية مؤهلة من الدول الأعضاء، التي تمثل 65% على الأقل من سكان الاتحاد الأوروبي. وصوتت بولندا والمجر اللتان ما زالتا لا تريدان الامتثال لقواعد الهجرة المشتركة في الاتحاد الأوروبي، ضد القرار ورفضتا استضافة أي شخص من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعارضت اليونان وإيطاليا وقبرص ومالطا “التضامن الإلزامي”، وهم دول الاتحاد التي يدخلها في البدء معظم طالبي اللجوء.
مشروع قانون “الإعادة القسرية” الفرنسي
أثار مشروع قانون في فرنسا المخاوف “الإعادة القسرية” وهذا المشروع يدور حول تطبيق سياسة الالتزام بمغادرة الأراضي الفرنسية”OQTF”حيث طلبت السلطات في ديسمبر 2022 من “15%” من المهاجرين المغادرة، ويسعى المشروع إلى تسريع الإجراءات المتعلقة بالهجرة، وتحسين الدمج، وتشجيع هجرة العمالة ذات “المهارات المطلوبة”.
كما يشار أن حوالي “35 %” من الفرنسيين يعتبرون أن فرنسا تستفيد من المهاجرين أكثر مما تقدم لهم، بينما أعرب “69%” من الفرنسيين أن أصحاب العمل هم المستفيدون الأوائل من اليد العاملة الأجنبية لأنهم يدفعون أقل، وهذه الفكرة راسخة لدى أغلب الفرنسيين وأن “70%” من المشاركين في استطلاع رأي أعربوا عن عدم رغبتهم في استقبال فرنسا لمهاجرين جدد، ولكن في المقابل لا تعتبر مسألة الهجرة من أولويات الفرنسيين الذين تقلقهم في الوقت الحالي القدرة الشرائية والبيئة ومستقبل الصحة والتعليم ونظام التقاعد في البلاد.
الخلاصة:
يواجه الاتحاد الأوروبي مشكلات كبيرة في التعامل مع ملف اللجوء والهجرة، سواء من ناحية تنفيذ قرارات مسبقة تم الاتفاق عليها بين دول الاتحاد أو بخصوص مواكبة التطورات التي تطرأ على ملف الهجرة واللجوء. وخاصة وأن دول الإتحاد ظهر عليها التباين في المواقف فكل دولة تبحث عن مصالحها الخاصة ولهذا وفي أغلب الملفات هناك تباين اصبح واضح ولهذا فالكثير من الخبراء يؤكدون على أن الإتحاد ذاهب الى الإنقسامات.
كما أن قضية اللجوء والهجرة قضية مهمة داخل الاتحاد الأوروبي فالدول الأعضاء منقسمة بشدة حول مسألة إعادة توطين طالبي اللجوء ولكل دولة من هذه الدول أجندتها ومنظورها الخاص بها، نتيجة لذلك يستجيب كل طرف وفقا لمصالحه الخاصة.
ويبقى ملف الهجرة الملف الشائك ويثير الكثير من الإنقسامات والخلافات ما يهدد تماسك الاتحاد الأوروبي لا سيما عندما نتحدث عن توزيع اللاجئين داخل التكتل وفق اتفاقية دبلن أو مبدأ التضامن، لكن هناك إجماع أوروبي تقريباً حول تشديد الإجراءات، رغم الاختلاف في الآلية وهذا يعني تحول جديد في سياسات الاتحاد.
ومن المحتمل أن تتسبب تلك الانقسامات في خلافات حول إدارة الحدود في الاتحاد الأوروبي مستقبلاً ما يساهم في ارتفاع أحتمالية حدوث أزمات ترتبط بالهجرة أو اللجوء ما يشكل تحدياً لفعالية تدابير ضبط الحدود.