أخبار العالمأمريكاالشرق الأوسط

ترمب يطرح “صفقة غزة” وحماس تتعهد بإفشالها: مشاريع التهجير والاستثمار السياسي تواجه واقعًا فلسطينيًا معقدًا

في تطور يكشف عن نهج جديد للسياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عزمه على تنفيذ خطة لإعادة إعمار غزة، تتضمن ما وصفه بـ”شراء وتملك القطاع”، بالتوازي مع طرح حلول لإعادة توطين الفلسطينيين في دول عربية. هذه التصريحات أثارت رفضًا قاطعًا من حركة “حماس”، التي وصفتها بأنها “عبثية”، مؤكدة أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بأي مشاريع تهدف إلى تهجيره قسرًا من أرضه.

يتجاوز الطرح الأميركي فكرة المساعدات الإنسانية أو إعادة إعمار غزة بعد 15 شهرًا من العمليات العسكرية الإسرائيلية، ليضع تصورًا سياسيًا جديدًا لمستقبل القطاع. فترمب لم يتحدث فقط عن ضخ أموال في مشاريع تنموية، بل ألمح إلى سيطرة أميركية مباشرة على غزة، مدعومًا بشراكة إقليمية.

وقال ترمب خلال حديثه للصحافيين على متن طائرة الرئاسة الأميركية:
“سأهتم بالفلسطينيين وسأتأكد من أنهم لن يُقتلوا”، مشيرًا إلى إمكانية السماح “لحالات فردية” من سكان غزة بدخول الولايات المتحدة. كما أكد أنه يتفاوض مع دول عربية، وعلى رأسها الأردن ومصر، لاستقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيين، مضيفًا: “نتحدث على الأرجح عن مليون ونصف مليون شخص. نحن ببساطة نُطهِّر المنطقة بالكامل”.

هذه التصريحات تعيد إلى الأذهان مشاريع تصفية القضية الفلسطينية التي طرحت في العقود الماضية، حيث تركزت بعض الحلول الأميركية والإسرائيلية على توطين الفلسطينيين في دول الجوار كجزء من إعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية والسياسية للمنطقة.

ردت حركة “حماس” على تصريحات ترمب بلهجة تصعيدية، إذ قال خليل الحية، نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، خلال زيارته إلى طهران:
“مشاريع الغرب وأميركا وترمب إلى زوال. سنُسقطها كما أسقطنا غيرها، والشعب الفلسطيني لن يغادر أرضه”.

بدوره، وصف القيادي في “حماس” عزت الرشق حديث ترمب بـ”العبثي”، معتبرًا أن الإدارة الأميركية تتعامل مع غزة وكأنها “عقار في مزاد”. وقال: “غزة ليست للبيع ولن يغادرها أهلها إلا إلى قراهم ومدنهم المحتلة منذ عام 1948”.

وتشير تصريحات “حماس” إلى أنها ترى في الطرح الأميركي محاولة جديدة لفرض حلول قسرية على الفلسطينيين، متجاهلة العوامل التاريخية والحقوقية التي تجعل أي مشروع من هذا النوع محكومًا بالفشل.

يأتي الإعلان الأميركي في وقت يواجه فيه القطاع أزمات إنسانية غير مسبوقة نتيجة التصعيد الإسرائيلي المستمر، الذي دمر البنية التحتية وأدى إلى مقتل آلاف الفلسطينيين. وبالتوازي مع ذلك، يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى فرض واقع جديد في غزة من خلال استمرار القصف، وإضعاف فصائل المقاومة، وإبقاء الحصار مشددًا، بينما تفتح واشنطن باب “الاستثمار السياسي” في القطاع كجزء من رؤيتها لإنهاء الصراع بطريقة تخدم المصالح الإسرائيلية.

ومع ذلك، فإن العقبات أمام تنفيذ خطة ترمب تبدو معقدة، أبرزها:

  1. الموقف الفلسطيني الداخلي: يرفض الفلسطينيون، سواء في غزة أو الضفة الغربية، أي محاولات لتغيير تركيبة القطاع أو تهجير سكانه، ويرون في هذه المشاريع امتدادًا لمحاولات إنهاء القضية الفلسطينية عبر حلول غير عادلة.
  2. المعوقات الإقليمية: رغم حديث ترمب عن دور محتمل لمصر والأردن في استقبال لاجئين من غزة، فإن هذه الدول تدرك حساسية الملف الفلسطيني وخطورة التورط في أي خطط قد تؤدي إلى اضطرابات سياسية داخلية.
  3. غياب الشرعية الدولية: أي محاولات لفرض واقع جديد على غزة خارج إطار حل سياسي شامل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ستواجه اعتراضات دولية، خاصة من القوى التي تدعم حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.

ليست هذه المرة الأولى التي تُطرح فيها مشاريع اقتصادية كمدخل لحل الصراع في غزة، فقد سبق أن طرحت إدارة ترمب الأولى “صفقة القرن” التي شملت استثمارات بمليارات الدولارات في الاقتصاد الفلسطيني، لكنها قوبلت برفض واسع بسبب تجاهلها للحقوق السياسية للفلسطينيين.

أما اليوم، فيبدو أن واشنطن تحاول تقديم مقاربة جديدة تخلط بين إعادة الإعمار، وتصفية القضية الفلسطينية عبر التوطين، وفرض “مستقبل اقتصادي” لغزة وفق الرؤية الأميركية-الإسرائيلية.

وبينما تسعى “حماس” لإفشال هذه المشاريع، فإن الوقائع على الأرض تؤكد أن أي حل مستقبلي للقطاع لن يكون ممكنًا دون توافق فلسطيني داخلي، وضغط دولي يعيد الاعتبار للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بعيدًا عن الحلول التي تُفرض بالقوة العسكرية أو الابتزاز الاقتصادي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق