أخبار العالمأمريكاأوروبا

ترمب يصعّد لهجته ضد أوروبا ويخلط الملفات الخارجية بالداخلية في خطاب يربك العواصم الغربية

شنّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب هجوماً غير مسبوق على القادة الأوروبيين، واصفاً الدول الأوروبية بأنها «متداعية» ويقودها «أشخاص ضعفاء لا يعرفون ما يفعلون»، في تصريحات فجّرها خلال مقابلة مع مجلة «بوليتيكو»، ضمن سياق سياسي أميركي وأوروبي بالغ الحساسية. وجاءت مواقف ترمب التصعيدية لتعمّق التوتر القائم أصلاً بين إدارته وعدد من العواصم الأوروبية، وعلى رأسها باريس وبرلين، اللتين تشهد علاقتهما بواشنطن اضطراباً واضحاً منذ بداية ولايته.

وانتقد ترمب أداء أوروبا في ملفي الهجرة والحرب الروسية – الأوكرانية، ملمّحاً إلى استعداد إدارته لدعم شخصيات سياسية أوروبية تتبنّى رؤيته المتشددة. وتعكس هذه الإشارات رغبة صريحة في التأثير على الاتجاهات السياسية داخل القارة، ما أثار قلقاً داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي ترى في هذا النهج تدخلاً مباشراً في خياراتها الداخلية.

وازدادت حساسية هذه التصريحات بعدما حذّر ترمب من أن «أوروبا لا تعرف ماذا تفعل»، معتبراً أن مدناً كبرى مثل باريس ولندن «تئنّ تحت ضغط الهجرة». وهاجم رئيس بلدية لندن صادق خان، معتبراً انتخابه نتيجة «تزايد أعداد المهاجرين»، في نبرة تُعيد الجدل حول سياسات الهوية والاندماج التي تشغل المجتمعات الأوروبية.

وفي موازاة هذه الانتقادات الخارجية، ربط ترمب موقفه من أوروبا بملفات داخلية شائكة. فقد أعلن أنه سيجعل الضغط لخفض الفائدة شرطاً أساسياً في اختيار رئيس جديد للاحتياطي الفيدرالي، كما لمح إلى إمكانية توسيع العمليات العسكرية الأميركية ضد تجارة المخدرات لتشمل المكسيك وكولومبيا، من دون استبعاد تدخل عسكري في فنزويلا، وهو ما أثار مخاوف بين الأوساط المحافظة التي تعارض الانخراط في صراعات جديدة.

وتزامن هذا التشدد الخطابي مع صعوبات اقتصادية داخلية، أبرزها الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة، والغموض الذي يحيط بمستقبل دعم التأمين الصحي «أوباما كير». ورغم ذلك، منح ترمب أداء الاقتصاد «امتيازاً مضاعفاً»، مخالفاً بيانات رسمية تشير إلى ارتفاع الأسعار 3% خلال عام واحد.

وتتجاوز تداعيات خطاب ترمب الشأنين الأميركي والأوروبي، إذ أعادت تصريحاته حول الحرب الروسية – الأوكرانية القلق إلى كييف والعواصم الغربية. فقد أكد أن روسيا «أقوى بوضوح» من أوكرانيا، ملمّحاً إلى خطة سلام يقول إن كييف «لم تطلع عليها بعد»، في وقت يرفض فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أي تنازل للأراضي.

ولم يخفف ترمب منسوب القلق الأوروبي بعدما صنّفته مجلة «بوليتيكو» الشخصية الأكثر تأثيراً على مستقبل السياسة الأوروبية خلال العام المقبل، بل زاد حدّة مخاوف العواصم الأوروبية عبر إصراره على دعم مرشحين مقربين منه، مثل فيكتور أوربان، حتى لو أثار ذلك حساسيات دبلوماسية.

وتتعمّق هذه المخاوف مع صدور استراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة، التي تضع واشنطن في موقع الخصومة مع التيار السياسي السائد في أوروبا، وتتعهد «برعاية المقاومة» ضد سياساته، خصوصاً في ملف الهجرة. وردّ رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا بالتشديد على ضرورة احترام الولايات المتحدة «سيادة أوروبا وخياراتها الداخلية».

ومع امتداد خطاب ترمب ليشمل المحكمة العليا، والهجرة، والرعاية الصحية، يتضح أن تصريحاته الأخيرة نسجت مزيجاً من الرسائل الداخلية والخارجية، أشعلت قلقاً عبر ضفتي الأطلسي، وزادت من حالة الغموض التي تحيط باتجاهات السياسة الأميركية في السنوات المقبلة، في وقت تتشابك فيه ملفات الاقتصاد، والهجرة، والحرب الأوروبية، وتوازنات القوة داخل مؤسسات الولايات المتحدة نفسها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق