أخبار العالمالشرق الأوسط

تركيا وإسرائيل وتقاطع النفوذ على الجغرافيا السورية

لا شك أن الساحة السورية أصبحت حلقة صراع نفوذ بين عدد من اللاعبين في مقدمتهم تركيا، التي تسير بخطى مدروسة منذ أكثر من عقدين في استراتيجيتها نحو سوريا، والتي كللت مؤخرا بوصول من دربتهم وأمدتهم بالأسلحة والمعلومات للحكم، لتصبح سوريا بشكل أو بآخر تحت الحماية التركية.  

مؤخرا، أعلنت وزارة الدفاع التركية، الخميس 10 إبريل 2025، “عقد أول اجتماع فني بين تركيا وإسرائيل في أذربيجان، بشأن إنشاء آلية تفادي الصدام لمنع حصول حوادث غير مرغوب بها في سوريا، وفق زكي آق تورك، المتحدث باسم المكتب الإعلامي لوزارة الدفاع التركية، في مؤتمر صحفي.

وفق المسؤول التركي، فإن بلاده أبلغت  الجانب الإسرائيلي بأن” وجودنا بسوريا بطلب من دمشق لرفع قدرتها الدفاعية ومواجهة الإرهاب”.

رغم انشغال العالم بالتوترات بين إيران وواشنطن، إلا أن التحركات التركية في سوريا تؤكد أنها تحصد ما خططت له منذ سنوات طويلة، وربما أن بعض التساؤلات التي كانت مطروحة تجيب عنها عمليات التنسيق بين أنقرة العضو في الناتو وتل أبيب الحليف الأقرب للحلف، ما يفسر بشكل واضح دور تركيا في المنطقة منذ انضمامها إلى الناتو في 18 شباط 1952، والدور الذي لعبته في مواجهة الاتحاد السوفيتي، والدور الحديث للجغرافيا التركيا، الذي قد يتقاطع مع إسرائيل لكنه لا يتصادم معها، وهو المسار الذي رعته واشنطن منذ سنوات طويلة، إلى أن حلت بقواعدها في سوريا للتتشارك مع تركيا مسار تفتيت الدولة السورية وإسقاطها، ولا أعني هنا إسقاط النظام، هناك فارق كبير بين هذا وذاك.

رغم إدراك واشنطن للمسعى التركي المتعلق باستعادة النفوذ إلا أنها وظفت بعض تحركاتها على مدار عقود لصالح إسرائيل، التي عملت واشنطن على تعظيم وجودها في المنطقة لتحقيق مصالح مشتركة.

دون شك فإن توافق مصالح تركيا مع أهداف ومصالح الدول الفاعلة في الناتو عزز من حضورها بشكل قوي، بداية من المشهد في ليبيا 2011، حيث التزم الجانب الأوروبي الصمت عن قواتها في ليبيا فيما بعد لتوافق أو تقارب الأهداف، خاصة وأن قواتها شاركت في ضرب ليبيا لإسقاط الدولة في مارس 2011، ليتكرر المشهد ذاته في سوريا.

يخطأ التقدير من يظن أن الدور التركي في سوريا بدأ مع أحداث 2011، إذ يعود لما يقارب العقد قبل ذلك التاريخ، وفي المنطقة عموما يعود لبداية انضمامها للناتو، وربما كان اتفاق أعضاء الحلف في قمة لشبونة عام 2010 على تبني “الدرع الصاروخي” وهي مبادرة أمريكية للدفاع المشترك مع أوروبا موجهة ضد الصواريخ البالستية الإيرانية وغيرها، محطة بارزة وهامة، حيث وافقت تركيا حينها على إنشاء محطة على أراضيها وبناء رادار إنذار مبكر في مدينة مالاتيا جنوب شرقي أنقرة، وكانت ترى مستقبل الخطوة جيدا لما له من تعزيز ثقة دول الناتو من جهة وحاجتهم لتركيا من جهة، بما يجعلهم يتماهون مع تمددها في سوريا، وتصديها للمشروع الكردي، وهو حد أهدافها في إطار بسط السيطرة على الجغرافيا السورية.

قبل هذه المحطة كانت بعض الرؤى تعتقد أن وصول العدالة والتنمية إلى الحكم في نوفمبر 2002 ووصوله إلى قيادة البلاد بالأغلبية المطلقة، قد يجعلها أقرب للمنطقة العربية والإسلامية، ورغم أن التصريحات السياسية للعدالة والتنمية منذ ذلك الحين تشي بذلك، لكن التحركات كانت دائما تفسر أن الموقف التركي محكوم بالسياق التاريخي وما قام به العرب ضد الحكم العثماني، وسعيها لتفتيت القومية العربية، التي تتوافق مع مسعى الحلف لتقسيم المنطقة.  

تاريخيا يمكننا أن نشير إلى الموقف التركي من الضربة التي نفذتها أمريكا على مدينة البوكمال في العام 2008، وقالت واشنطن حينها أنها استهدفت قيادات بتنظيم القاعدة ومسؤولين عن نقل عناصر إلى العراق، حسب وصفها، ولم تصدر عن تركيا حينها أي تصريحات، رغم أن العلاقات بين البدين كانت قوية إلى درجة كبيرة، وكانت تركيا تيقن مدى التوافق بين سياسات إدارة جورج بوش وحكومة إيهود أولمرت في إسرائيل، فخشيت حينها على وساطتها بين دمشق ودولة الاحتلال، وابقت على دورها لتمسك بجميع الأوراق في يدها في إطار “استفادة متبادلة”، كانت تدركها هي وواشنطن وتل أبيب جيدا على المستوى البعيد.

سعي تركيا لاستعادة النفوذ في المنطقة، يمكن أن يفسره أيضا موقفها من القضية الفلسطينية، رغم التصريحات المتعددة والدعم المقدم لغزة، لكنها كانت حريصة على التوازن طوال الوقت بين المصالح السياسية والاقتصادية مع الاحتلال ودعمها للتسوية السياسية للقضية الفلسطينية، لكن أنقرة لم يرق لها دعم منظمة فتح بسبب علاقة الأخيرة مع جماعات كردية وأرمينية وعلاقتها مع اليونان، فوجدت في حركة حماس البديل حيث دعت قادة الحركة في 2005 إلى زيارة أنقرة، كما طالب أردوغان العالم بالتعاطي مع حماس في وقت لاحق باعتبار أنها حزب إصلاحي سياسي يستطيع أن يمثل الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، وتوطدت منذ ذلك الحين العلاقة بين الحركة وحزب العدالة والتنية، وهو الفصيل ذاته الذي تدعمه تركيا في سوريا.

 في كتابه الصادر عام 2009 عن مركز دراسات الوحدة العربية تحت عنوان “سوريا وتركيا: الواقع الراهن واحتمالات المستقبل”، يتناول الكاتب والباحث الدكتور عقيل سعيد محفوض، دراسة العلاقات بين سورية وتركيا، عوامل التجاذب وعوامل التنافر، ويوضح المراحل والتحولات التي مرت بها  انطلاقا من “اللحظة السلجوقية، وصولاً إلى “اللحظة العثمانية” ثم “اللحظة الجمهورية” الراهنة.

يشبه في درسته حينها أن دخول السلطان سليم إلى سورية  شكل نقطة تحول خطيرة، تشبه، من حيث النتائج الموضوعية دخول السلاجقة إلى بغداد، خاصة أن النظام العثماني  اتبع آليات اختراق وتغلغل دينية واجتماعية واقتصادية، جعلت سورية على هامش النظام الاقتصادي العالمي آنذاك، وهو المشهد الذي تكرر في العام 2011، حيث أصبح الشمال السوري يتحدث التركية ويتعامل بعملتها ويدين بالولاء لتركيا.

ربما اختلف مع ما جاء به الباحث حينها بشأن صعوبة تشخيص الحال في تركيا، أو الوصول إلى احتمالات تطور السياسة التركية مستقبلا، إذ استند إلى أن دوائر صنع السياسة في تركيا تدور في دائرتين،  الاولى هي تركيا وارثة السلطنة العثمانية، المدافعة عن الإسلام، وتركيا عضو تحالف الناتو التي تتماهى سياستها معه لتحقيق مصالحها التي قد تتقاطع مع إسرائيل دون أن تتصادم.

من جهة استفادت إسرائيل من مسعى تركيا ومساهمتها في إسقاط الدولة السورية، وانتهزت الفرصة جيدا ودمرت كل القدرات العسكرية والجوية للدولة السورية، وتوغلت حتى القنيطرة معلنة عن نفوذها الجديد، فيما تقدمت تركيا من الشمال إلى العاصمة دمشق تحت مزاعم تأسيس وبناء الجانب العسكري للدولة التي شاركت إسقاطها، مع الأخذ بالاعتبار أيضا كل الأخطاء التي وقع فيها نظام الأسد وساعدتهم في تحقيق نفوذهم، سواء كان عن سوء تقدير أو غباء سياسي…الأهم أن يدرك العرب أن سوريا أصبحت الآن يتنازعها التركي والإسرائيلي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق