أخبار العالمأمريكاالشرق الأوسطبحوث ودراسات

ترامب يواجه اختياراً صعباً أمام إيران

يقدّم هذا المقال، الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية ما وصفه بالحقيقة التي يواجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في المفاوضات النووية مع الجمهورية الإسلامية في إيران، والتي تضعه أمام اختيار صعب بين الخيارات الدبلوماسية والعسكرية.

وكشف المقال بأن المحادثة الهاتفية الأخيرة التي جرت بين ترامب ونتنياهو، كانت لضمان ألا يُفشل نتنياهو المفاوضات بتهديده بعمل عسكري وشيك. واصفاً إياها (أي المحادثة) بأنها كانت الأحدث في سلسلة من التوترات المتصاعدة بين ترامب ونتنياهو. مبيّناً بأن نتنياهو فوجئ بإصرار ترامب على “استكشاف حل دبلوماسي”.

ترامب يواجه اختياراً صعباً أمام إيران

التوتر القائم بين فريق التفاوض التابع للرئيس ترامب وإيران يتمحور في جوهره حول مسألة واحدة: هل الولايات المتحدة مستعدة للمخاطرة بالسماح لإيران بمواصلة إنتاج الوقود النووي إذا كان البديل هو عدم التوصل إلى اتفاق، واحتمال اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط؟

بالنسبة للرئيس ترامب ومبعوثه الخاص ستيف ويتكوف، تُعدّ المفاوضات مع إيران تجربة جديدة، ويُهدد إصرار إيران على عدم التنازل مطلقًا عن حقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها، بنسف اتفاق كان الرئيس قد تنبأ بثقة قبل بضعة أسابيع بأنه بات قاب قوسين أو أدنى.

لكن هذه المعضلة المزعجة تكاد تكون مطابقة لتلك التي واجهها الرئيس باراك أوباما قبل عقد من الزمن. وعلى مضض، خلص أوباما ومساعدوه إلى أن السبيل الوحيد للتوصل إلى اتفاق هو السماح لإيران بمواصلة إنتاج كميات صغيرة من الوقود النووي، مع الإبقاء على أجهزة الطرد المركزي تعمل، والعلماء يواصلون أبحاثهم.

وقد كبح الاتفاق – الذي صوّت ضده كل الجمهوريين في الكونغرس، إلى جانب بعض الديمقراطيين – طموحات إيران النووية لمدة ثلاث سنوات، إلى أن انسحب منه ترامب. وكانت إيران ملتزمة بشروط الاتفاق.

وها هو ترامب اليوم يواجه فعليًا نفس الخيارات التي واجهت سلفه الأول. وكما كان حال أوباما، فإنه يواجه معارضة متوقعة من الصقور المعادين لإيران داخل الولايات المتحدة، ومن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وقف قبل عقد من الزمن أمام جلسة مشتركة للكونغرس وحثّ المشرّعين على رفض الاتفاق الذي كان أوباما يفاوض بشأنه. وفي الأشهر الأخيرة، كان نتنياهو يدفع باتجاه توجيه ضربة استباقية للمواقع النووية الإيرانية.

وقالت ويندي شيرمان، التي كانت كبيرة المفاوضين في اتفاق عام 2015 ضمن إدارة أوباما: “هناك شيء من الشعور بتكرار المشهد هنا. من الواضح أن هناك أعضاء في مجلس الشيوخ، ومشرّعين أميركيين، ومسؤولين إسرائيليين يصرون على التفكيك الكامل للمنشآت النووية الإيرانية، والوصول إلى تخصيب صفري. لقد واجهنا نفس التحديات”.

وأضافت أنها تتمنى التوفيق لويتكوف، مشيرةً إلى أنه قال مؤخرًا إن التفاوض مع إيران، كما في صفقات العقارات في نيويورك، يتطلب فهم ما يريده الجميع، وجعلهم يشعرون بأنهم حصلوا على شيء.

وقالت شيرمان، التي شغلت لاحقًا منصب نائبة وزير الخارجية: “إنه يواجه مهمة صعبة”. لكنها لفتت إلى أن المسؤولين الإيرانيين “كانوا واضحين جدًا بأنهم بحاجة إلى التخصيب، وليس بكميات ضئيلة فحسب. وأشك في أنهم سيتراجعون عن هذا الموقف”. وأشارت إلى أن ترامب لديه أدوات لم تكن متوفرة لأوباما، بما في ذلك كونغرس متعاون، وهامش أوسع لرفع العقوبات عن إيران.

ويبدو أن ترامب أقرّ يوم الإثنين بأن المفاوضات دخلت مرحلة صعبة. إذ قال، وقد بدا عليه الإحباط: “إنهم يطلبون أشياء لا يمكنك القيام بها. إنهم لا يريدون التنازل عمّا يجب عليهم التنازل عنه. أنتم تعرفون ما هو: إنهم يسعون للتخصيب”.

وتقول إيران إنها لم ترد رسميًا بعد على ترامب وويتكوف، الذي كان قد وضع ما اعتبره حلاً وسطًا مبتكرًا. فوفقًا لاقتراحه، ستُسمح لإيران بمواصلة التخصيب بمستويات منخفضة لعدة سنوات، إلى حين تشكيل ائتلاف يتولى تزويد محطات الطاقة النووية في الشرق الأوسط بالوقود النووي.

سوف يُجرى إنتاج الوقود النووي التابع للائتلاف في مكان ما داخل المنطقة، لكن بموجب الاقتراح الأميركي، لا يمكن أن يتم هذا الإنتاج على الأراضي الإيرانية. وعلى مدار سنوات، طُرحت مقترحات لنقل الإنتاج إلى جزر في الخليج الفارسي، حيث تُبنى المنشآت فوق سطح الأرض مما يسهل مراقبتها — أو تدميرها.

ونظرًا لأن إنشاء الائتلاف وتشغيله قد يستغرق سنوات، وربما عقدًا كاملًا، فقد رأى السيد ويتكوف في هذا الاقتراح وسيلة أنيقة ليُعلن كل طرف أنه خرج منتصرًا. فإيران يمكنها أن تقول إنها تواصل التخصيب في المستقبل المنظور، بينما يستطيع ترامب الادعاء بأنه حقق ما لم يحققه أوباما: التزام بإنهاء التخصيب لاحقا.

لكن حتى الآن، لم ينجح الأمر. فقد أعلن المسؤولون الإيرانيون أنهم منفتحون على فكرة الائتلاف، بشرط أن يكون على الأراضي الإيرانية.

وقد رفض القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، الفكرة واعتبرها خدعة غربية لإخراج طهران من مجال إنتاج الوقود النووي. لكن كلًا من ويتكوف والمفاوضين الإيرانيين يدركون المخاطر المترتبة على انهيار المفاوضات: فقد يستغل نتنياهو هذا الفشل لاستئناف حملته للدعوة إلى عمل عسكري.

ولأن أياً من الطرفين لا يرغب في المجازفة بنشوب حرب، فإنهما يتجنبان التصريحات التي تشير إلى أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود. ويُجري المفاوضون لقاءاتهم هذا الأسبوع في سلطنة عُمان، التي تلعب دور الوسيط.

ولا أحد يتحدث عن “جمود تفاوضي”. فالرئيس ترامب، الذي طالب في رسالة بعث بها إلى القائد الأعلى في أوائل أبريل بأن يتم التوصل إلى اتفاق خلال شهرين، لم يعد يتحدث عن مهل زمنية.

وقال مجيد تخت روانجي، نائب وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين النوويين، في مقابلة مصورة استمرت ساعة مع وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا): “مهما استغرق الأمر من وقت، هناك أمر واحد مؤكد، وهو أن التخصيب يجب أن يتم على الأراضي الإيرانية”. وأضاف: “هذا هو خطنا الأحمر”.

هذا الموقف يضع ترامب في وضع صعب، كما يعترف المسؤولون الحكوميون. فالتهديد الإيراني اليوم أعظم مما كان عليه قبل عقد من الزمن: فقد أنتجت إيران كمية من الوقود قريبة من مستوى الاستخدام العسكري تكفي لتصنيع عشر قنابل نووية خلال فترة قصيرة (لكن تحويلها إلى أسلحة فعالة قد يستغرق عدة أشهر، وربما سنة، وفقًا للخبراء).

وقد أدى اختراق الدفاعات الجوية الإيرانية في هجوم صاروخي إسرائيلي في أكتوبر إلى تعزيز قناعة نتنياهو بأن هذه الفرصة هي الأفضل لمهاجمة المواقع النووية الإيرانية، حتى وإن كانت إسرائيل لا تملك الأسلحة اللازمة للوصول إلى أعمق المنشآت. وقد صرح المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني يوم الإثنين بأن إيران سترد بضرب المنشآت النووية الإسرائيلية إذا هاجمت إسرائيل مواقعها النووية.

وقال رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تتولى تفتيش المنشآت النووية الإيرانية، مؤخرًا: “إن أكثر المواقع حساسية تقع على عمق نصف ميل تحت الأرض”، مشيرًا إلى أنه زار ذلك الموقع.

واجتمع ترامب وويتكوف، ووزير الخارجية ماركو روبيو، وقادة عسكريون في منتجع كامب ديفيد مساء الأحد، لبحث الخيارات الدبلوماسية والعسكرية، وفقًا للتقارير. وليس من الواضح ما إذا كانوا قد توصلوا إلى استنتاجات محددة.

وفي صباح اليوم التالي، وخلال بقائه في المنتجع الرئاسي، تحدث ترامب مع نتنياهو، جزئيًا لإطلاعه على المستجدات، لكن في الأساس، كما قال أحد المسؤولين، لضمان ألا يُفشل نتنياهو المفاوضات بتهديده بعمل عسكري وشيك.

وكانت تلك المحادثة الأحدث في سلسلة من التوترات المتصاعدة بين ترامب ونتنياهو. ويقول مقربو رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه فوجئ بإصرار ترامب على استكشاف حل دبلوماسي.

وقد فُسرت إقالة مايكل والتز من منصب مستشار الأمن القومي لترامب في واشنطن على أنها مرتبطة جزئيًا بمواقفه المتشددة التقليدية تجاه إيران، التي كانت تمثل التوجه السائد داخل الحزب الجمهوري في الولاية الأولى لترامب.

وفي الواقع، فإن حزب ترامب نفسه بات منقسمًا الآن بين صقور يصرون على التفكيك الكامل للبنية التحتية الإيرانية، وبين جناح انعزالي يرى أن الأهم هو تجنب التورط في حرب جديدة في الشرق الأوسط.

وحتى الآن، يواصل ترامب وأقرب مستشاريه التمايل بين هذين الاتجاهين.

ويقول المفتشون إن أجهزة الطرد المركزي الإيرانية لا تزال تدور بأقصى طاقتها، ما يمنح إيران المزيد من الوقود الذي يمكن استخدامه في تصنيع سلاح نووي — أو تقديمه كعنصر مساومة في أي اتفاق.

المصدر: نيويورك تايمز – Newyork Times

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق